شرح السنة [5]


الحلقة مفرغة

قال أبو محمد الحسن بن علي البربهاري رحمه الله تعالى: [ وكل ما سمعت من الآثار مما لم يبلغه عقلك نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل)، وقوله: (إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا) و(ينزل يوم عرفة) و(ينزل يوم القيامة) و(جهنم لا يزال يطرح فيها حتى يضع عليها قدمه جل ثناؤه)، وقول الله تعالى للعبد: (إن مشيت إلي هرولت إليك)، وقوله: (إن الله تبارك وتعالى ينزل يوم عرفة)، وقوله: (خلق الله آدم على صورته)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي في أحسن صورة).

وأشباه هذه الأحاديث، فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض لا تفسر شيئاً من هذه بهواك، فإن الإيمان بهذا واجب، فمن فسر شيئاً من هذا بهواه أو رده فهو جهمي ].

قواعد في الأسماء والصفات

هذه الفقرة تتعلق بقاعدة الإثبات والنفي فيما يتعلق بالله عز وجل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهذه القاعدة أشار الشيخ إلى شيء منها ثم ضرب لها أمثلة، ومن خلال كلامه أشار إلى بعض المناهج والقواعد عند السلف تجاه هذه الأمور الغيبية، ويمكن أن نلخص القواعد في هذا قبل أن نستعرض هذه الأمثلة التي ذكرها.

أولاً: أن كل ما جاء في القرآن أو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأخبار عن الله تعالى في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، يجب أن يسلم به المسلم، ويثبت لله عز وجل على الحقيقة كما يليق بجلال الله سبحانه.

ثانياً: لابد من التصديق والتسليم لهذه الأخبار؛ لأنها أخبار غيب ولأنها جاءت عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ولأنها جاءت بلسان عربي مبين، ولأننا خوطبنا بها ولا يمكن أن نخاطب بها إلا إذا كانت معانيها وحقائقها تحت مدارك البشر.

ثالثاً: لابد من الجزم بنفي المماثلة، أي عندما نثبت هذه الأمور لله عز وجل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله فإننا نعتقد أن الله ليس كمثله شيء، وأن المعنى معلوم لكن الكيفية غير معلومة، ولاشك أن هذه الأسماء والصفات والأفعال تشتمل على معاني الكمال لله عز وجل، والكمال يلزم منه نفي المماثلة ونفي توهم ما يرد في الخاطر أو ما يرد في القلب من تصور وتوهمات.

رابعاً: هذه الأمور كلها وغيرها مما ثبت عن الله تعالى فإن الله خاطبنا به؛ لأننا نعرف حقيقته على المعنى الذي يليق بالله عز وجل من وجه، وهو أنه حق وأن له معاني حقيقية، وأن هذه المعاني مدركة في الجملة، ولا نعرفه من وجه وهو الكيفيات، وهذا مما لم نطالب به أصلاً في مجرد التصور، فضلاً عن البحث والتنقيب والسؤال والشك والجدل والمراء والتقرير، فكل ذلك محرم علينا، بل من كبائر الذنوب أن نخوض فيما لا يدخل في مداركنا من كيفيات الأمور الغيبية، وأعلاها وأجلها ما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وقد ورد النهي الشديد عن الخوض في هذه الأمور.

إثبات الأصبع لله تعالى

والشيخ ضرب لهذه الأمور أمثلة منها ما يتعلق بالأفعال، ومنها ما يتعلق بالصفات الذاتية، ومنها ما يجمع بين هذا وذاك، ومنها ما يمكن أن يسمى صفات ومنها ما يمكن أن يكون من باب الأخبار عن الله عز وجل، والقاعدة في الأخبار كالقاعدة في الأسماء والصفات والأفعال لا فرق.

والمثال الأول قوله: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن)، هذا ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولابد أن نؤمن به على الحقيقة، لأننا خوطبنا به وأمرنا بأن نتدبره وأن نثبت الكمال لله عز وجل وأن لا نخوض في أكثر مما ورد؛ لأن الخوض في أكثر مما ورد محاولة للاطلاع على الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولأنه إساءة أدب مع الله، لكن نؤمن به كما جاء وأنه على حقيقته على ما يليق بجلال الله، فإثبات الأصبعين والأصبع لله عز وجل ثابت لكن مع نفي الكيفية قطعاً؛ لأن الله ليس كمثله شيء.

إثبات النزول لله تعالى

وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا)، هذا حق، والنزول لله سبحانه نزول حقيقي؛ لأن الله لا يخبرنا إلا بالحق ولا يتكلم عن نفسه ولا عن غيره إلا بالحق، فيلزم إثبات ذلك على معناه اللائق بجلال الله، والنزول يستلزم الكمال لله عز وجل ولا يستلزم معاني النقص، فإذا كان للنزول لوازم تشعر بالنقص فهي منفية قطعاً، ولا يجوز العدول عن إثبات صفة النزول لمجرد وجود لوازم؛ لأن اللوازم إنما هي مأخوذة من واقع تصورات البشر، وهي لا تحكم في صفات الله عز وجل في شيء.

والتكلم في لوازم صفة النزول التي يرى أهل التأويل أنها لوازم باطلة مثل قولهم يلزم من النزول الحركة، نقول: كلمة الحركة كلمة مجملة تشتمل على معنى حق يثبت به الكمال، وعلى معنى باطل لا يليق بالله عز وجل.

ثم يقولون: يلزم من النزول إخلاء مكان وشغور مكان آخر، أقول: إذا كان هذا يلزم في حق المخلوق فلأن المخلوق محدود محكوم ناقص والله عز وجل منزه عن هذه الأمور، فاللوازم التي قلتم بها وأولتم النزول لوازم باطلة.

قد يقولون: إننا نفهم من السياق أن الله عز وجل ينزل الرحمة، نقول: نعم، من لوازم نزول الله عز وجل الرحمة بالعباد، لكن لا يعني قصر الصفة على لازمها، فإنا نعرف أن كثيراً من الصفات لها لوازم إيجابية وهي كمال وأنها تثبت لله عز وجل من الكمالات؛ لكن لا يعدل إليها عن إثبات الصفة، فالصفة تثبت لله عز وجل كما جاءت في القرآن وكما ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن التشبيه والتمثيل منفي، وأن هذه الصفات تشتمل على معان صحيحة نثبتها، لكنا لا نحمل الصفة على بعض معانيها وبعض لوازمها.

وكذلك قوله: (ينزل يوم عرفة) و(ينزل يوم القيامة) و(جهنم لا يزال يطرح فيها حتى يضع عليها قدمه) هذا فيه إثبات القدم لله عز وجل على ما يليق بجلاله من غير معرفة للكيفية ولا تحكم بها.

معنى الهرولة

وقول الله عز وجل للعبد: (إن مشيت إلي هرولت إليك)، الهرولة هنا غير مفسرة بالمعروف عند البشر، وقد اختلف أهل العلم هل الهرولة تثبت لله عز وجل على أنها فعل أو صفة أو مجرد خبر؟ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، لكن هذا النص يثبت لله عز وجل على ما يليق بجلاله والله أعلم بمراده به؛ لكن يختلف هذا النص وأمثاله من النصوص التي جاءت على سبيل المشاكلة والمجازاة عن النصوص الأخرى، فإنها مربوطة بأفعال البشر، فالله عز وجل ذكر عن العبد أنه إن مشى إليه مشى إليه، فقرن فعل الله عز وجل بفعل العبد، فإذا اقترن فعل الله بفعل العبد فهمت منه المجازاة، وهذا يشمل الهرولة ويشمل الاستهزاء والمكر، فهي من باب الأخبار.

فإثبات الهرولة لله عز وجل قد يكون من باب الصفة، وهي على ما يليق بجلال الله كما أثبتنا الأصبع وأثبتنا النزول على ما يليق بجلال الله، والهرولة المفهومة عند المخلوق ليست مثبتة لله عز وجل بل تثبت لله على وجه الكمال، هذا إن قلنا صفة، وإن قلنا إنه مجرد فعل من الأفعال فكذلك.

أفعال الله عز وجل لا حصر لها وتحمل على وجه الكمال مع الابتعاد عن تشبيهها بأفعال المخلوقين وكذلك إن كانت لمجرد الخبر فهي حق على ما يليق بجلال الله.

المهم أن الهرولة ليست محل اتفاق في إثباتها كصفة، إنما تثبت كخبر عن فعل من أفعال الله عز وجل.

وقوله: (إن الله ينزل يوم عرفة)، مكرر.

إثبات الصورة

(وخلق الله آدم على صورته) أي: صورة الرحمن، وهذا هو قول جمهور السلف وإن شذ عنهم بعض الأئمة لاشتباه عندهم، وإلا فالضمير في قوله: (على صورته) يرجع إلى الله عز وجل في الراجح، وهذا أمر غير مفسر الكيفية لكن معناه المجمل مفهوم عند عامة المخاطبين بأن الله عز وجل له الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وأفعاله، والله عز وجل جعل عند المخلوق شيئاً من الكمالات المحدودة التي لا توصله إلى القداسة والكمال المطلق؛ لكنها كمالات محدودة وصفات حميدة.

كذلك الصورة ثبتت لله عز وجل بنصوص أخرى، وهي كسائر الصفات ليس هناك ما يبرر التكلف في تأويلها أو نفيها، فهي كسائر الأخبار عن الله عز وجل وكسائر الصفات، كقوله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي في أحسن صورة). قال: (فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض).

ولا يقصد التفويض بمعنى عدم إثبات الحقيقة، أو الهروب من الإثبات، ولا يقصد بالتفويض أيضاً اعتقاد أن ليس لها معنى أو أن معناها غير مفهوم عند المخاطبين أو نحو ذلك، إنما يقصد بالتفويض تفويض الكيفية، يعني: أن ما نعلمه بإجمال نثبته، وما لا ندركه ولا نعلمه من الكيفيات نفوضه إلى الله عز وجل؛ لأننا ما أمرنا بالكلام فيه، بل نهينا.

والتفويض من الكلمات الحساسة التي ينبغي لطالب العلم أن يتفادى إطلاقها، وليست من الأمور الضرورية في تقرير العقيدة وإن أطلقها بعض السلف كما أطلقها الشيخ هنا، فإنما أطلقها على معنى صحيح لكنه غير شائع وغير مستعمل ويؤدي إلى حرج في إطلاق الصفات، فليس في الصفات ما يفوض على المعنى المفهوم عند المفوضة، إنما تفوض للكيفية؛ إطلاقها في الأمور الغيبية إلا مفسرة، بمعنى أن نقول: إن المفوض هو ما لا نعلمه وما لم نخاطب به، أما ما خوطبنا به فلا نفوضه وهو المعاني والحقائق.

وكذلك الحقائق تنقسم إلى قسمين حقائق بمعنى المعاني، هذه معلومة وحقائق بمعنى الكيفيات لا نفسر شيئاً منها بالرأي، بل إن تفسير هذه الأمور بالرأي يعتبر من كبائر الذنوب ومن البدع المغلظة، فإن الإيمان بها واجب، فمن فسر شيئاً منها بهواه أو رده فهو جهمي؛ لأن هذا هو منهج الجهمية الأوائل كانوا يردون النصوص ولا يبالون، فلما رأوا أن هذا المنهج فيه نوع مغالطة وأنه يصادم عقائد المسلمين وصار ينفر منه حتى العوام، سلكوا مسلكاً آخر وهو مسلك التأويل، وهو التفسير بالهوى.

هذه الفقرة تتعلق بقاعدة الإثبات والنفي فيما يتعلق بالله عز وجل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهذه القاعدة أشار الشيخ إلى شيء منها ثم ضرب لها أمثلة، ومن خلال كلامه أشار إلى بعض المناهج والقواعد عند السلف تجاه هذه الأمور الغيبية، ويمكن أن نلخص القواعد في هذا قبل أن نستعرض هذه الأمثلة التي ذكرها.

أولاً: أن كل ما جاء في القرآن أو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأخبار عن الله تعالى في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، يجب أن يسلم به المسلم، ويثبت لله عز وجل على الحقيقة كما يليق بجلال الله سبحانه.

ثانياً: لابد من التصديق والتسليم لهذه الأخبار؛ لأنها أخبار غيب ولأنها جاءت عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ولأنها جاءت بلسان عربي مبين، ولأننا خوطبنا بها ولا يمكن أن نخاطب بها إلا إذا كانت معانيها وحقائقها تحت مدارك البشر.

ثالثاً: لابد من الجزم بنفي المماثلة، أي عندما نثبت هذه الأمور لله عز وجل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله فإننا نعتقد أن الله ليس كمثله شيء، وأن المعنى معلوم لكن الكيفية غير معلومة، ولاشك أن هذه الأسماء والصفات والأفعال تشتمل على معاني الكمال لله عز وجل، والكمال يلزم منه نفي المماثلة ونفي توهم ما يرد في الخاطر أو ما يرد في القلب من تصور وتوهمات.

رابعاً: هذه الأمور كلها وغيرها مما ثبت عن الله تعالى فإن الله خاطبنا به؛ لأننا نعرف حقيقته على المعنى الذي يليق بالله عز وجل من وجه، وهو أنه حق وأن له معاني حقيقية، وأن هذه المعاني مدركة في الجملة، ولا نعرفه من وجه وهو الكيفيات، وهذا مما لم نطالب به أصلاً في مجرد التصور، فضلاً عن البحث والتنقيب والسؤال والشك والجدل والمراء والتقرير، فكل ذلك محرم علينا، بل من كبائر الذنوب أن نخوض فيما لا يدخل في مداركنا من كيفيات الأمور الغيبية، وأعلاها وأجلها ما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وقد ورد النهي الشديد عن الخوض في هذه الأمور.

والشيخ ضرب لهذه الأمور أمثلة منها ما يتعلق بالأفعال، ومنها ما يتعلق بالصفات الذاتية، ومنها ما يجمع بين هذا وذاك، ومنها ما يمكن أن يسمى صفات ومنها ما يمكن أن يكون من باب الأخبار عن الله عز وجل، والقاعدة في الأخبار كالقاعدة في الأسماء والصفات والأفعال لا فرق.

والمثال الأول قوله: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن)، هذا ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولابد أن نؤمن به على الحقيقة، لأننا خوطبنا به وأمرنا بأن نتدبره وأن نثبت الكمال لله عز وجل وأن لا نخوض في أكثر مما ورد؛ لأن الخوض في أكثر مما ورد محاولة للاطلاع على الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولأنه إساءة أدب مع الله، لكن نؤمن به كما جاء وأنه على حقيقته على ما يليق بجلال الله، فإثبات الأصبعين والأصبع لله عز وجل ثابت لكن مع نفي الكيفية قطعاً؛ لأن الله ليس كمثله شيء.

وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا)، هذا حق، والنزول لله سبحانه نزول حقيقي؛ لأن الله لا يخبرنا إلا بالحق ولا يتكلم عن نفسه ولا عن غيره إلا بالحق، فيلزم إثبات ذلك على معناه اللائق بجلال الله، والنزول يستلزم الكمال لله عز وجل ولا يستلزم معاني النقص، فإذا كان للنزول لوازم تشعر بالنقص فهي منفية قطعاً، ولا يجوز العدول عن إثبات صفة النزول لمجرد وجود لوازم؛ لأن اللوازم إنما هي مأخوذة من واقع تصورات البشر، وهي لا تحكم في صفات الله عز وجل في شيء.

والتكلم في لوازم صفة النزول التي يرى أهل التأويل أنها لوازم باطلة مثل قولهم يلزم من النزول الحركة، نقول: كلمة الحركة كلمة مجملة تشتمل على معنى حق يثبت به الكمال، وعلى معنى باطل لا يليق بالله عز وجل.

ثم يقولون: يلزم من النزول إخلاء مكان وشغور مكان آخر، أقول: إذا كان هذا يلزم في حق المخلوق فلأن المخلوق محدود محكوم ناقص والله عز وجل منزه عن هذه الأمور، فاللوازم التي قلتم بها وأولتم النزول لوازم باطلة.

قد يقولون: إننا نفهم من السياق أن الله عز وجل ينزل الرحمة، نقول: نعم، من لوازم نزول الله عز وجل الرحمة بالعباد، لكن لا يعني قصر الصفة على لازمها، فإنا نعرف أن كثيراً من الصفات لها لوازم إيجابية وهي كمال وأنها تثبت لله عز وجل من الكمالات؛ لكن لا يعدل إليها عن إثبات الصفة، فالصفة تثبت لله عز وجل كما جاءت في القرآن وكما ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن التشبيه والتمثيل منفي، وأن هذه الصفات تشتمل على معان صحيحة نثبتها، لكنا لا نحمل الصفة على بعض معانيها وبعض لوازمها.

وكذلك قوله: (ينزل يوم عرفة) و(ينزل يوم القيامة) و(جهنم لا يزال يطرح فيها حتى يضع عليها قدمه) هذا فيه إثبات القدم لله عز وجل على ما يليق بجلاله من غير معرفة للكيفية ولا تحكم بها.

وقول الله عز وجل للعبد: (إن مشيت إلي هرولت إليك)، الهرولة هنا غير مفسرة بالمعروف عند البشر، وقد اختلف أهل العلم هل الهرولة تثبت لله عز وجل على أنها فعل أو صفة أو مجرد خبر؟ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، لكن هذا النص يثبت لله عز وجل على ما يليق بجلاله والله أعلم بمراده به؛ لكن يختلف هذا النص وأمثاله من النصوص التي جاءت على سبيل المشاكلة والمجازاة عن النصوص الأخرى، فإنها مربوطة بأفعال البشر، فالله عز وجل ذكر عن العبد أنه إن مشى إليه مشى إليه، فقرن فعل الله عز وجل بفعل العبد، فإذا اقترن فعل الله بفعل العبد فهمت منه المجازاة، وهذا يشمل الهرولة ويشمل الاستهزاء والمكر، فهي من باب الأخبار.

فإثبات الهرولة لله عز وجل قد يكون من باب الصفة، وهي على ما يليق بجلال الله كما أثبتنا الأصبع وأثبتنا النزول على ما يليق بجلال الله، والهرولة المفهومة عند المخلوق ليست مثبتة لله عز وجل بل تثبت لله على وجه الكمال، هذا إن قلنا صفة، وإن قلنا إنه مجرد فعل من الأفعال فكذلك.

أفعال الله عز وجل لا حصر لها وتحمل على وجه الكمال مع الابتعاد عن تشبيهها بأفعال المخلوقين وكذلك إن كانت لمجرد الخبر فهي حق على ما يليق بجلال الله.

المهم أن الهرولة ليست محل اتفاق في إثباتها كصفة، إنما تثبت كخبر عن فعل من أفعال الله عز وجل.

وقوله: (إن الله ينزل يوم عرفة)، مكرر.