شرح السنة [9]


الحلقة مفرغة

قال أبو محمد الحسن بن علي البربهاري رحمه الله تعالى: [ والإيمان بأن الميت يقعد في قبره ويرسل الله فيه الروح حتى يسأله منكر ونكير عن الإيمان وشرائعه، ثم تسل روحه بلا ألم، ويعرف الميت الزائر إذا أتاه، ويتنعم في القبر المؤمن، ويعذب الفاجر كيف شاء الله ].

في هذه الفقرة يقرر أصلاً من أصول الدين القطعية، وهو ما يتعلق بالحياة البرزخية.

الحياة البرزخية هي حياة ثابتة، وهي جزء من الآخرة وليست من الحياة الدنيا، بل مرحلة بين الدنيا والآخرة؛ وسميت الحياة البرزخية من البرزخ، وهو الطريق الذي يصل بين زمنين أو بين مكانين.

والحياة البرزخية فيها أمور كثيرة ثابتة، منها سؤال الميت، وأنه يأتيه ملكان يسألانه عن ربه وعن دينه وعن نبيه، وورد في بعض النصوص تسمية الملكين وأنهما منكر ونكير، لكن بعض أهل العلم لا يصحح حديث التسمية.

وقد خلط بعض الناس بين عدم ثبوت الحديث في اسم منكر ونكير، وبين مسألة الملكين، فالسؤال للملكين ثابت قطعاً أما التسمية فبعض أهل العلم صحح الحديث الذي فيه اسم منكر ونكير وبعضهم لم يصححه.

ومن الحياة البرزخية كون الإنسان يأتيه عمله، فإن كان صالحاً أتاه على أحسن صورة، وإن كان غير صالح أتاه على أقبح صورة.

وإذا كان الميت من أهل الجنة فتح له باب إلى الجنة ورأى مقعده فيها، وإذا كان من أهل النار فتح له باب من النار فيرى مقعده فيها.

وكذلك عودة الروح للإنسان في قبره على نحو الله أعلم به، فإن الإنسان إذا دفن في قبره تأتيه روحه فيحس ويتنعم ويتألم ويشعر بمن حوله بعد الدفن مباشرة ويسمع وقع نعال الذين يدفنونه.

قال رحمه الله تعالى: [ واعلم أن لقضاء الله وقدره... ].

هنا كلام محذوف، ولكن على أي حال الأمور التي بقضاء الله وقدره كثيرة جداً، فالموت بقضاء الله وقدره، وبعض الأحداث الجسام في أمور البشر تكون بقضاء الله وقدره، وكل شيء بقضاء الله وقدره، لكن الغالب أن التنويه في مثل هذا المقام على الأمور التي تكون بقضاء الله وقدره يكون في الأمور التي هي ذات الشأن، فربما أنه أراد أن يقول: إن كل شيء من أفعال العباد أو كل ما يصيب العباد هو بقضاء الله وقدره، أو الموت ونحو ذلك من الأمور الهامة؛ لأن تنويع الأمور الهامة يندرج تحتها ما دونها من الأمور الجزئية.

المهم أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وكل ما يحدث للعباد ومنهم وعليهم مما هو في مقدورهم أو ليس في مقدورهم كل ذلك بقضاء الله وقدره.

قال رحمه الله تعالى: [ والإيمان بأن الله تبارك وتعالى هو الذي كلم موسى بن عمران يوم الطور، وموسى يسمع من الله الكلام بصوت وقع في مسامعه منه لا من غيره، فمن قال غير هذا فقد كفر بالله العظيم ].

يرد الشيخ هنا على عدة طوائف منهم الجهمية والمعتزلة الذين زعموا أن الله عز وجل هو الذي سمع كلام موسى، ولذلك حرفوا الآية فقالوا: وكلم الله موسى تكليماً، فتلوها على غير تلاوتها المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وبعضهم قد لا يحرف الآية لكن يتأولها بأن المقصود بالكلام أن الله عز وجل علم، ففسر الكلام بالعلم، يعني: أن الله عز وجل علم موسى كلامه ولم يسمعه سماعاً مباشراً.

وقالت طوائف من المعتزلة والفلاسفة وأهل الكلام إن الكلام الذي سمعه موسى إنما هو كلام خلقه الله بوسيلة أخرى، إما من كلام الشجرة التي كان عندها التكليم، أو بحروف وأصوات خلقها الله في الجو، أو بواسطة مخلوق تكلم كملك أو غيره، فاختلفوا في هذا اختلافات كثيرة، لكن كلهم أولوا الكلام أو أنكروه، وكل هذه التأويلات باطلة، فإن الله عز وجل كلم موسى تكليماً كما ورد في الآية، والتكليم معناه الإشارة إلى أن الكلام حقيقة من الله عز وجل لموسى على ما يليق بجلال الله عز وجل من غير مماثلة.

وجميع هذه التأويلات لا أصل لها، فكون الله عز وجل يرسل ملكاً فيتكلم لا يعني أن الله هو الذي تكلم، وكونه يخلق حروفاً وأصواتاً في الجو ثم يسمعها الشجرة أو يخلقها في الشجرة أو نحو ذلك كل هذه تأويلات لا دليل عليها، وهذا أمر غيب، والله عز وجل أكد أنه كلم موسى على ما يليق بجلاله جاء ذلك بتأكيد صيغة الكلام بقوله وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، بمعنى: كلاماً حقيقياً يليق بالله سبحانه.

ولذلك قال الشيخ: (وموسى يسمع من الله الكلام بصوت وقع في مسامعه منه لا من غيره) يقصد بذلك أن الكلام من الله عز وجل لموسى كلام حقيقي، وأن موسى سمع كلام الله، والعبارات الزائدة الأولى الاستغناء عنها.

أما أن الله عز وجل يتكلم بالصوت فهذا ثابت في نصوص أخرى، وقوله: (منه لا من غيره) أي: من الله عز وجل لا من غير الله، يقصد أنه لم يكن الكلام من الشجرة ولا من ملك ولا من مخلوق آخر، ولا من أصوات مخلوقة.

قوله: (وأن من قال غير هذا فقد كفر) يقصد أن من لم يؤمن بأن الكلام من صفات الله، وأنه كلم موسى كما يليق بجلاله عز وجل فقد أنكر القطعي من الدين، ومن أنكر القطعي من الدين فهو كافر؛ هذا على جهة العموم لكن المعين يحتاج إلى إجراء آخر.

قال رحمه الله تعالى: [ والعقل مولود، أعطي كل إنسان من العقل ما أراد الله، يتفاوتون في العقول مثل الذرة في السموات، ويطلب من كل إنسان من العمل على قدر ما أعطاه من العقل، وليس العقل باكتساب إنما هو فضل من الله تبارك وتعالى ].

العبارات فيها شيء من الاضطراب؛ فقوله: (العقل مولود) يعني: أن العقل من خلق الله عز وجل وأنه فطري وكأنه بذلك يشير إلى مذاهب الفلاسفة وغلاة المتكلمين الذين يرون أن العقل قوة قديمة أزلية، وأنه فيض عن الله، وأنها راجعة إلى صفات الله عز وجل، أو أن العقل المطلق كائن مستقل له وجود غير وجود سائر المخلوقات، وغير ذلك من المذاهب.

فكأن الشيخ يريد أن يقول إن العقل موهبة فطرية، وهذا معنى (مولود)، أي: يولد كما تولد وينشأ كما تنشأ المواهب الأخرى في الإنسان، فالعقل كالذكاء والفطنة والحفظ والإدراك والإرادة وغير ذلك في الإنسان، فكل هذه مولودات مع الإنسان، وكل إنسان أعطي من العقل بقدر ما أراد الله له ذلك.

فمن الناس من عقله كامل، ومنهم دون ذلك ومنهم من يكون عقله ضعيفاً، وذلك كسائر القدرات والمواهب عند الإنسان.

أما قوله: (مثل الذرة في السموات) فلم أفهم له وجهاً.

وقوله: (ويطلب من كل إنسان من العمل على قدر ما أعطاه من العقل) يعني: أن الله عز وجل جعل العقل جزءاً من الاستطاعة التي كلف بها البشر، فالعقل مثل سائر مواهب البشر، فهو مثل الاستطاعة والقدرة العملية والقدرة على الحركة والقدرة على التفهم والذكاء والفطنة والحفظ وغير ذلك، فهذه مواهب تتفاوت عند الإنسان، وكل إنسان يكلف بقدر استطاعته، وبقدر ما أعطاه الله من المواهب، فالإنسان الذي أعطاه الله عقلاً كاملاً عليه من التكاليف بقدر ذلك.

والإنسان الضعيف العقل ربما يعفى من كثير من أمور الشرع التي لا يفهمها أو لا يدركها عقله.

إذاً: على قدر هذه النعمة التي يعطيها الله الإنسان يكون محاسباً على ذلك، ولا يحاسب إلا على ما يستطيعه مما يعقله، ولذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يعذر بعض البسطاء إذا لم يدركوا بعض أصول الشرع أو بعض أموره؛ لأنهم لا يستطيعون، وبعضهم قد لا يدرك بعض ما نسميه بدهيات لضعف مداركه، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

إذاً: كل إنسان يطلب منه من العمل من حيث المحاسبة والتكليف الشرعي على قدر ما أعطاه الله من العقل.

قوله: (وليس العقل باكتساب) يقصد بذلك أن التعقل والعقل لا يحصل بالرياضة مثلاً ولا يحصل بالتعلم، نعم مدارك العقل تزداد بالتجارب فينتفع منها؛ لكن العقل على حد واحد، فالإنسان الذي عقله ضعيف مهما تعطيه من المعلومات التي ليست في حدود عقله لا يدركها، والإنسان الذكي العاقل الحصيف يدرك أشياء كثيرة بالعقل، وعلى هذا فلا يستطيع الناس أن ينموا الموهبة الأساسية في العقل لكن الإنسان تزداد مداركه بالتدريب على أمور ممكن تنمى عنده المواهب.

قوله: (إنما هو فضل من الله تبارك وتعالى)، وهنا أحب أن أنبه إلى أن مقاصد الناس تختلف في التعبير عن العقل، فقد يقصد بالعقل الموهبة الذاتية عند الإنسان، وهذا هو الغالب في تعبير النصوص الشرعية وكلام السلف، وهذه لا يمكن أن يزيد الناس فيها أو ينقصوا منها، وقد يقصد بالعقل وظائف العقل من التفكر والتعقل وازدياد المعلومات والثقافة، فهذه وإن سماها الناس عقلاً فإنما هي من وظائف العقل، وهي تزداد وتنقص بقدر ما يكسبه الإنسان.

لكن العقل الذي هو القدرة على التعقل والتفكر يقف إلى الحد الذي وهبه الله الإنسان، ثم تصقل وتهذب.

قال رحمه الله تعالى: [ واعلم أن الله فضل العباد بعضهم على بعض في الدين والدنيا عدلاً منه، لا يقال جار ولا حابى، فمن قال إن فضل الله على المؤمن والكافر سواء فهو صاحب بدعة، بل فضل الله المؤمنين على الكافرين، والطائع على العاصي، والمعصوم على المخذول عدل منه، هو فضله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ].

هذه قاعدة متعلقة بالقدر، وهو أن الله عز وجل فضل بين العباد فيما يتعلق بالهداية والضلال، أو السعادة والشقاوة، فالله عز وجل يهدي من يشاء فضلاً منه، وأيضاً جعل الهداية متفاوتة بين عباده الصالحين.

وكذلك الله عز وجل قدر على من يشاء الضلال، والضلال أيضاً متفاوت، وكما فاوت بين العباد في مسألة الهداية والإضلال ومسألة السعادة والشقاوة فاوت بينهم في الرزق في الدنيا وفي حظوظ الدنيا من الأعمار والصحة والمال والجاه وغير ذلك من مكاسب الدنيا، فإن الله عز وجل فاوت بين العباد لحكمة يعلمها سبحانه، ولا يسأل الله عز وجل عن ذلك، والعباد عباده يفعل فيهم ما يشاء؛ لكن ينبغي أن نعود في مسألة الإضلال والهداية والشقاء والسعادة إلى القاعدة الأخرى ونربطها بهذه القاعدة ليصفو التصور، وهو أن الله عز وجل حينما قدر على بعض العباد الهداية فذلك لسابق علمه أنهم سيعملون بعمل أهل الهداية، وحينما قدر على الآخرين الضلال والشقاوة فذلك لسابق علمه سبحانه بأنهم سيختارون طريق الضلال والشقاوة.

فضل الله تعالى المشترك بين العباد

وقوله: (فمن قال إن فضل الله على المؤمن والكافر سواء فهو صاحب بدعة) بمعنى أن الله عز وجل حينما تفضل على المؤمنين فلا يعني ذلك أن فضله ونعمته على الكفار غير موجودة، فإن لله نعماً على جميع العباد، فقد أنعم على الكفار بالخلق كما أنعم على المؤمنين، وأنعم على الكفار بأن مكنهم في هذه الدنيا وأعطاهم عقولاً وأرسل إليهم رسلاً لكنهم تنكبوا طريق الرسل، وأنعم الله عليهم بأن زين لهم طريق الخير وأرشدهم إليه وأمرهم به ووعدهم عليه، وبين لهم طريق الشر وحذرهم منه وتوعدهم عليه، ففضل الله عز وجل على العباد جميعاً، لكن هناك من الفضل ما يخص الله به بعض العباد لعلمه سبحانه أنهم يستحقون هذا الفضل، وحجب هذا الفضل -فضل الهداية- عن آخرين لعلمه سبحانه أنهم لا يستحقون الهداية.

فلذلك قال: (من قال إن فضل الله على المؤمن والكافر سواء) يعني في مسألة الهداية ومسألة التوفيق، فلا شك أن ليس فضل الله على هؤلاء سواء، لكن من قال إن فضل الله على المؤمن والكافر في الرعاية والحفظ وإقامة الحجة فلا شك أن فضل الله على العباد من هذا الوجه سواء؛ لكن من حيث الهداية والتوفيق فليس الفضل سواء، فإن الله عز وجل خص برحمته من قدر لهم ذلك من عباده.

تفضيل الله للمؤمنين على الكافرين والطائعين على العاصين

ويقصد بقوله: (فمن قال إن فضل الله على المؤمن والكافر سواء) الذين لا يفرقون بين الحق والباطل، ولا بين المسلم والكافر، ولا بين الهدى والضلال، وهم الفلاسفة وغلاة الجهمية والباطنية وكثير من غلاة المتصوفة وأغلب الزنادقة في جميع الأمم وكذلك الأمم الدهرية والمشركة، فكثير منهم يعتقدون أن فضل الله على هؤلاء سواء، ولذلك لا يفرقون بين المؤمن والكافر، بل يعتقد كثير منهم أن مصير هؤلاء في الآخرة سواء، ويمثل هذا الاتجاه بشكل واضح ابن عربي ، فإنه لا يرى لمؤمن على كافر فضلاً، ولا يرى أن هناك تمييزاً بين المسلم والمجرم.

والله عز وجل يقول: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35-36]، لكنه يرى أنه لا فرق وأن الفرق شكلي: بمعنى كأنه يرى أن هذا الفرق في الدنيا والآخرة تمثيل.

ولذلك لما حكى قصص الأنبياء مع خصومهم صور الأنبياء على أنهم أناس عندهم شيء من السذاجة والسطحية، وأن خصوم الأنبياء من المشركين هم أهل الحق والحقيقة، وأنهم هم الأذكياء الذين عرفوا حقيقة التوحيد!

ولذلك كتب كتابه (إيمان فرعون) وصور موسى وهارون على أنهما ليسا صاحبي حق، وأن الذين كذبوا موسى هم أصحاب الحقيقة.. إلى آخره.

يزعم أصحاب هذا الاتجاه أن مصير البشر في الآخرة سواء، وأن فضل الله على الجميع سواء، ولذلك فسر ابن عربي عذاب النار بأنه عذاب شكلي وأن الكافرين يتلذذون بالعذاب كما يتلذذ أهل الجنة بالجنة، فالشيخ كأنه يريد الرد على أصحاب هذه المقولة.

قوله: (بل فضل الله المؤمنين على الكافرين) يعني: بأن جعلهم خياراً وجعلهم هداة مهتدين صالحين، المخالفون لهم على عكس ذلك.

قوله: (والطائع على العاصي، والمعصوم على المخذول، كل ذلك عدل منه، هو فضله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء) وهذا أيضاً يرجع إلى قول الله عز وجل: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35-36]، فإن الله فرق بين المسلمين والمجرمين، وهذا يؤكد ضرورة تنبيه المسلمين في هذا العصر على أهمية التميز للمسلم عن الكافر، وأن يتميز الصالح عن الفاجر، وهذا مما يؤكد ضرورة إعلان الولاء والبراء وتطبيق ذلك في سلوك الناس ومعاملاتهم؛ لأن هذا هو مقتضى تفضيل الله المؤمنين على الكافرين والطائعين على العاصين والمعصومين على المخذولين، فلابد من إظهار هذا التفضيل في الأحوال القلبية وأحوال التعامل، ولابد من إظهاره في حياة الناس جملة وتفصيلاً على نحو معتدل يستقيم مع قواعد الشرع وأصوله بلا غلو ولا تفريط.

وقوله: (فمن قال إن فضل الله على المؤمن والكافر سواء فهو صاحب بدعة) بمعنى أن الله عز وجل حينما تفضل على المؤمنين فلا يعني ذلك أن فضله ونعمته على الكفار غير موجودة، فإن لله نعماً على جميع العباد، فقد أنعم على الكفار بالخلق كما أنعم على المؤمنين، وأنعم على الكفار بأن مكنهم في هذه الدنيا وأعطاهم عقولاً وأرسل إليهم رسلاً لكنهم تنكبوا طريق الرسل، وأنعم الله عليهم بأن زين لهم طريق الخير وأرشدهم إليه وأمرهم به ووعدهم عليه، وبين لهم طريق الشر وحذرهم منه وتوعدهم عليه، ففضل الله عز وجل على العباد جميعاً، لكن هناك من الفضل ما يخص الله به بعض العباد لعلمه سبحانه أنهم يستحقون هذا الفضل، وحجب هذا الفضل -فضل الهداية- عن آخرين لعلمه سبحانه أنهم لا يستحقون الهداية.

فلذلك قال: (من قال إن فضل الله على المؤمن والكافر سواء) يعني في مسألة الهداية ومسألة التوفيق، فلا شك أن ليس فضل الله على هؤلاء سواء، لكن من قال إن فضل الله على المؤمن والكافر في الرعاية والحفظ وإقامة الحجة فلا شك أن فضل الله على العباد من هذا الوجه سواء؛ لكن من حيث الهداية والتوفيق فليس الفضل سواء، فإن الله عز وجل خص برحمته من قدر لهم ذلك من عباده.