أرشيف المقالات

منشور عام

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
في المسألة العربية العامة والفلسطينية خاصة إن النهضة الوطنية الفلسطينية في مدينة نيويرك العظمى قد عقدت اجتماعًا عامًّا بعدما اتصل بها من تصديق عصبة الأمم على الوصايات، وقررت بإجماع الأصوات إصدار هذا النداء لكل الجمعيات والمؤتمرات السورية والفلسطينية ولجميع السلطات العربية لتقرر الجمعيات خطة دفاعية عامة تجاه ما لَحِق بالبلاد من الأذى والعبودية، على أن يحتوي على المواد الآتية: أولاً - إن الحلفاء قد خاضوا غمرات الحرب واتخذوا لأنفسهم مبدأ تحرير الشعوب المستضعفة، كما صرَّحوا بلسان وزرائهم في أثناء الحرب العظمى وبعدها، وكما صرح المستر ولسن في خطبه وفي مواده الأربع عشرة؛ فاستنادًا على هذا المبدأ ووفقًا للمعاهدة المربوطة بين جلالة الملك حسين الأول وبين بريطانية العظمى سنة 1915 بلسان العميد البريطاني بمصر السر هنري مكماهون، ووفقًا للرسائل المتبادلة بين الحكومة الحجازية والإنكليزية قد ساعد العربُ الحلفاءَ منذ سنة 1916 بدخولهم الحرب وإعلانهم الثورة ضد الحكومة العثمانية [1] . ولم يكن حق العرب في الاستقلال يقتصر على الوعود والمعاهدات الدولية، ولا على نظام عصبة الأمم ولا على مواد الرئيس ولسن الأربعة عشرة، بل على ما للعرب السوريين من تراث المجد والوطنية وما فُطِرُوا عليه من التقاليد وما هم عليه من الكفاءة السياسية والإدارية كما يدل على ذلك وجود نواب العرب من الندوة العثمانية في الدور العثماني وإدارة كثير منهم مناصب رفيعة من سياسية وعسكرية وإدارية وعلمية مما يجعل للعرب حقًّا أكيدًا فوق ما لهم من الحق الطبيعي في الاستقلال والحرية، غير أن الحلفاء قد ساروا فعلا على طريقة الاستعمار واضطهاد الشعوب ونفع الذات.
فوعدت الحكومة الإنكليزية بكتاب حِبِّي أرسله المستر بلفور إلى اللورد روتشلد في 2 نوفمبر سنة 1917 بوطن قومي في فلسطين وتواطأ المسيو كليمانصو والمستر لويد جورج بعد الحرب على اتفاق سايكس بيكو، فتقسمت البلاد السورية إلى أجزاء ولحق بها من الضرر والحَيْف والظلم والجَوْر والعبودية ما لم نتوقعه، فهدمت بذلك جميع المبادئ التي افتخر الحلفاء باتخاذها مبدأً لهم ورموا بالعهود والوعود التي ربطوها بعد الحرب عرض الحائط! والأغرب من ذلك أن عصبة الأمم التي ولدتها المبادئ الديموقراطية الحديثة والتي لها السلطة في رؤية عهود الوصايات، والتي من جملة وظائفها حماية الأقوام المستضعفة كما خوَّلَها هذا الحق عهد الجمعية الموقع عليه في فرسايل في 28 يونيو سنة 1919 قد صمَّتْ آذانها عن سماع صوتنا الممزوج بحلاوة الحق وتغاضت عن كل المساوئ التي يقترفها الأوصياء في بلادنا، فصدقت بلا تردد بعد جلسة سرية عهود الوصايات، اللهم إلا العراق وبذلك تحقق الرأي القائل: إن عصبة الأمم لم تكن إلا للتوفيق بين الروح القومية الجديدة والسياسة الاستعمارية القديمة.
ولما كان العرب قد فشلوا في جميع الأعمال السياسية الخارجية ولم يلاقوا من الأوربيين إلا تصلفًا كلما ازدادوا تقربًا إليهم - وجب عليهم أن يحصروا أعمالهم في بلادهم وفيما يهمهم من أمرها من حيث هي بلاد عربية أو بلاد دينية مقدسة مع المثابرة في الجهاد سياسيًّا واقتصاديًّا وعلميًّا. ثانيًا - إن القضية العربية كانت في بدء نشأتها جامعة لكل الأقطار العربية من سورية (شمالية وجنوبية) وعراقية وحجازية وكانت الوعود التي يستند عليها العرب تتضمن كل هذه الأقطار حتى اشترك في الجيش العربي أناس من مختلفي الأقطار والأمصار من سائر بلاد العرب، غير أن الدول الاستعمارية الأجنبية قد جَزَّأَتْ بلادنا وفَكَّكَتْ أوصالها وجعلت لكل قطر منها قضية تختلف عن قضية القطر الآخر من حيث طريقة الحل وارتباطها بحكومة خاصة؛ تأييدًا لسياستهم في تفريق كلمة العرب ليعسُر بذلك حل القضايا العربية التي هي متمم بعضها لبعض، وفضلاً عن أن القضية العربية قد ابتدأت شاملة جامعة فإن موقع بلاد العرب الجغرافي من حيث فقدان الحواجز الطبيعية بينها وافتقار كل قطر إلى آخر لاختلاف تربته وموارده مما يزيد الترابط الطبيعي بين العرب بالنظر لجامعة اللغة والعنصر، ومما يجعلنا نؤكد أن هذه القضية المتحدة سياسيًّا واقتصاديًّا يجب أن يشترك في حلها العرب كلهم ويتعاونوا على دَرْء الخطر في كل الأقطار كما كان في بدء الحركة العربية سنة 1915 ولما كانت الأمة العربية قد امتشقت حسامها لتأييد استقلالها - فالنهضة ترى أن الوسيلة الأولى التي تجب أن يتخذها الفلسطينيون هي نشر الدعوة في بلاد العرب كلها لتتعاون على درء العبودية عنا على أن يكون مبدأ التعاون وسيلة لاستقلال البلاد عن طريق الجامعة العربية وبذلك يجب على العرب مقاومة الصهيونية والأجانب المستعمرين على السواء كما يقاومهم الفلسطينيون فيما لو كانوا منفردين.
فلهذا تحبذ النهضة إجماع الرأي على طريقة هذا الجهاد السياسي الفعلي وينظر إلى تقوية هذا الجهاد بالطرائق العلمية الواجبة التي يقر عليها الرأي. ثالثًا - مقاطعة اليهود، على أن يباح لهم ما عدا الأراضي (أي الأموال المنقولة فقط) ويحرم الشراء منهم، وتأييدًا لذلك فالنهضة تهتم الآن بمشروع تأسيس بنك في فلسطين لتكون المقاومة على أساس اقتصادي علمي عملي ليستفيد المزارع والتاجر، ولكي لا تضر المقاطعة بالوطن، وهنا لا يسعنا إلا أن نصرح أن فشل هذا المشروع ونجاحه يتوقف على أهل البلاد، فإذا لم ير المهاجرون الذين يعملون في سبيل القضية كل ما يمكن عمله إقدامًا من أهل البلاد على شراء الأسهم، فالمشروع سيبقى في طي الخفاء كما أن ذلك يدل على أن أهل البلاد لا يفقهون للطرق الوطنية الحقيقية معنًى.
نحن لا نرى أن الجهاد الاقتصادي هو بتحبير المقالات على أعمدة الجرائد بل بالعمل، وهذا المشروع هو أعظم العمل فائدة من هذه الوجهة. رابعًا - نشر الدعوة بين جميع العامة في المدن والقرى: إما بتأسيس النوادي، وإما بإلقاء الخطب والمواعظ في أوقات معينة لإضاءة الأقطار بنور المعرفة وبالقضية الوطنية وبالأضرار التي تنجم عن بيع الأراضي، وبتصوير العبودية التي تلحق بالأهالي، وللجوامع والكنائس في هذا العمل قسط وافر. خامسًا - من أهم الأسباب القويمة لحفظ كيان أمتنا وحصولنا على أمانينا الوطنية، انتشار العلم، فعلى كل رجل أن يرسل ابنه إلى المدارس لطلب العلم، وعلى الأخص المدارس الوطنية؛ لأنها تولد في النفوس غريزة الوطنية الصحيحة. سادسًا - تتخذ النهضة ما تضمنته البنود السالفة مبدأ لها في جهادها المقبل راجية من كل جمعية أو سلطة عربية إبداء أي اقتراح يتعلق بالعمل الأساسي للنهضة، كما أننا نرغب في مراسلتنا لاتخاذ الطرق الفعالة المشتركة للحصول على أمانينا الحقة. الخاتمة - قد أدرك العرب بعد أن حلب الدهر شطريهم، ورأوا من صنوف العذاب ما رأوا أن وقت الاحتجاج والصراخ قد مضى وأن الطريقة الوحيدة لوصولنا إلى حقنا وبلوغ أمانينا الوطنية هي أن نكون أقوياء.
وكما أن الضعف فينا سبب في اضطهادنا وامتهان كرامتنا العربية، فالقوة ستكون سببًا حقيقيًّا في إيصالنا إلى ما نبتغي من الحرية والاستقلال، فما مضى بنا من العبر السياسية والتجارب الزمنية علَّمنا أن ضعف العرب في تفرقهم وتشتيت شملهم، ولولا ذلك لما رأينا للأجنبي إصبعًا تلعب في مقدرات الأمة العربية، فكفى فيما سبق عبرة لنا، وآن لنا أن نحيي الاستقلال والحرية بقلوب مرتبطة معتمدين على أنفسنا في هذا الجهاد الشريف. لتحي فلسطين عربية حرة، لتحي سورية متحدة، لتحي الجامعة العربية. ...
...
...
...
...
...
النهضة الوطنية الفلسطينية.
نيويرك ...
...
...
...
...
...
...
نظمي عنتباوي.
النابلسي (1) المنار: إن ما ذكر من الرسائل بين الحجاز والإنكليز، وما سماه معاهدة هو خزي للعرب! خُدعوا به فيجب أن يردوه على صاحب الحجاز ولا يعترفوا به؛ لأنه يعُدُّهم بالصراحة قاصرين تحت حجر الإنكليز، أفما آن لهم أن يدركوا ويعقلوا؟ .

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١