حدث في السنة الثانية من الهجرة (3)
مدة
قراءة المادة :
67 دقائق
.
حدث في السنة الثانية من الهجرة (3)9- وفي يوم الجمعة السابع عشر من رمضان من هذه السنة: وقعت غزوة بدر الكبرى.
الشرح:
سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن أبا سفيان بن حرب مقبلاً من الشام في عير لقريش عظيمة، فيها أموال لقريش، وتجارة من تجاراتهم، وفيها ثلاثون رجلاً من قريش أو أربعون، منهم: مخرمة بن نوفل، وعمرو بن العاص[1].
فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين إليهم، وقال هذه عيرُ قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفِّلكموها، فانتدب الناس، فخفَّ بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقى حربًا.
وكان أبو سفيان - حين دنا من الحجاز- يتحسس الأخبار، ويسأل من لقى من الركبان، تخوفًا على أمر الناس، حتى أصاب خبرًا من بعض الناس أن محمدًا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك، فاستأجر ضَمْضَم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشًا فيستنفرهم إلى أموالهم، ويُخبرهم أن محمدًا قد عرض لنا في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعًا إلى مكة[2].
وقد رأت عاتكة بنت عبدالمطلب، قبل قدوم ضمضم بثلاث ليال، رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا لقد أفظعتني وتخوفتُ أن يدخل عل قومك منها شر ومصيبة، فاكتم عني ما أحدثك به، فقال لها: وما رأيت؟ قال: رأيت راكبًا أقبل على بعير له، حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا يا آل غُدَر[3] لمصارعكم في ثلاث، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، فبينما هم حوله مَثَلَ به[4] بعيرُه على ظهر الكعبة، ثم صرخ بمثلها: ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، ثم مَثَلَ به بعيرُه على رأس أبي قُبيس[5]، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها، فأقبلت تهوي، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت[6] فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دارٌ إلا دخلتها منها فِلقة قال العباس: والله إن هذه لرؤيا! وأنت فاكتميها، ولا تذكريها لأحد.
ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة - وكان له صديقًا- فذكرها له واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث بمكة، حتى حدثت به قريش في أنديتها.
قال العباس: فغدوت لأطوف بالبيت، وأبو جهل ابن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة، فلما رآني أبو جهل قال: يا أبا الفضل، إذا فرغْتَ من طوافك فأقبل إلينا، فلما فرغتُ أقبلت حتى جلستُ معهم، فقال لي أبو جهل: يا بني عبد المطلب متى حَدَثَتْ فيكم هذه النبية؟ قال: قلت: وما ذاك؟ قال: تلك الرؤيا التي رأت عاتكة قال: فقلت: وما رأت؟ قال: يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى يتنبأ نساؤكم! قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال: انفروا في ثلاث، فسنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يك حقًا ما تقول فسيكون وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابًا أنكم أكذب أهل بيت في العرب.
قال العباس فوالله ما كان مني إليه كبير، إلا أني جحدتُ ذلك، وأنكرت أن تكون رأت شيئًا.
قال: ثم تفرقنا، فلما أمسيتُ لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني، فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع، ثم لم تكن عندك غَيرة لشيء مما سمعت! قال: قلت: قد والله فعلتُ، ما كان مني إليه كبير، وأيم الله لأتعرضنَّ له فإن عاد لأكفينَّكُنَّه.
قال: فغدوتُ في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة، وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أُحبُّ أن أدركه منه قال: فدخلت المسجد فرأيته، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فاقعُ به، وكان رجلاً خفيفًا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر، قال: إذ خرج نحو باب المسجد يشتدُّ، فقلت في نفسي: ما له لعنه الله أَكُلُّ هذا فَرَقٌ مني أن أُشاتمه؟! قال: وإذا هو قد سمع مالم أسمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفًا على بعيره، قد جدَّع بعيره[7] وحوَّل رَحْله، وشق قميصه، وهو يقول: يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة[8] أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تُدركوها الغوث الغوث.
قال: فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر، فتجهز الناس سراعًا، قالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟! كلا والله ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث رجلاً، وأوعبت قريش فلم يتخلف من أشرافها أحد إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب قد تخلف وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكان قد لأط[9] له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه، أفلس بها، فاستأجره بها، على أن يُجزئ عنه[10].
وكان أمية بن خلف أيضًا أراد أنْ يتخلف عن الخروج، وله في ذلك قصة يحكيها سَعْدُ بن مُعَاذٍ - رضي الله عنه - حيث كَانَ صَدِيقًا لِأُمَيَّةَ بن خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ بن معاذ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ فَقَالَ لِأُمَيَّةَ: انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَلَقِيَهُمَا أبو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: سَعْدٌ، فَقَالَ لَهُ أبو جَهْلٍ: أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا وَقَدْ أَوَيْتُمْ الصُّبَاةَ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أبي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لَأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أبي الْحَكَمِ سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي، فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ»، قَالَ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ؟ قَالَتْ: وَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ أُمَيَّةُ: وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أبو جَهْلٍ النَّاسَ، قَالَ: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ فَأَتَاهُ أبو جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ إِنَّكَ مَتَى مَا يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أبو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ: أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي فَوَاللَّهِ لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: لَا، مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبًا، فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ الله - عز وجل - بِبَدْرٍ[11].
فتأهبت قريش للخروج بجيش قوامه نحو ألف مقاتل بما معهم من جمال وخيول وعتاد وعُدة، للدفاع عن عيرها وأموالها، كما أخذوا معهم نساءهم وأبناءهم وأموالهم، وكانت العربُ تفعل ذلك لتحفيز جنودها على القتال، فإن الرجل إذا ما خارت قوته ووهنت عزيمته وأراد أن يفر من ساحة المعركة تذكر ما خلفه من نساء وأبناء وأموال فكان ذلك حافزًا له على القتال بقوة وبأس وعدم الفرار من أرض المعركة.
وفي المقابل تأهب جيش المسلمين للخروج سريعًا للحاق بقافلة أبي سفيان فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد أرسل بُسَيْسَةَ عَيْنًا يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أبي سُفْيَانَ[12]،فلما جاء بُسيسة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بأن القافلة قد قربت حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخروج بسرعة حتى لا تفوته القافلة، حتى إنه من شدة حرصه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك لم ينتظر من كانت ظُهْرَانِهِمْ[13]في عوالي المدينة فجعلوا يستأذنونه أن يُحضِروا ظُهرانهم فَقَالَ: «لَا إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا»[14].
فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جيش تعداده بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَ مِائَةٍ مقاتل[15] منهم من الْأَنْصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ومن المهاجرين نَيِّفًا وسِتِّينَ[16] ليس معهم إلا فرسٌ واحدٌ للمقداد بن عمرو[17] وسبعون بعيرًا[18] يعتقب كُلُّ ثَلَاثَةٍ بعيرًا[19] فكَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وَعَلِيُّ وأبو لُبَابَةَ يعتقبون بعيرًا فلما كَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -[20] قَالَا: نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ يا رسول الله، فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا»[21].
وفي أثناء السير ولما بلغ الجيش الروحاء - وهي على أربعين ميلاً من المدينة - ردَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبا لبابة أميرًا على المدينة وكان قد ترك ابن أم مكتوم ليصلي بالناس[22].
أما أبو سفيان فقد تمكن في خِضَمِّ ذلك أن يفر بقافلته فأخذ بها طريق الساحل - وهو غير طريقهم المعتاد- وأُخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته بفرار القافلة، وبأن قريشًا خرجت بجيش كبير لمحاربة المسلمين.
فحينها استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في الأمر فبعضهم كره القتال، وفي ذلك، يقول الله تعالى: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ﴾ [الأنفال: 5، 6] والحق الذي تبين هو أن الله تعالى قد وعدهم إحدى الطائفتين إما أخذ القافلة وغنيمتها، وإما القتال، فلما فرت القافلة كان الحق الذي تبين هو القتال فكره بعض المسلمين ذلك يقول تعالى: ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 7، 8].
وكان هؤلاء يرون أن القتال لا فائدة منه لأن القافلة نجت فلا غنيمة تُفيد المسلمين، ولأن المسلمين غير مستعدين للحرب كما استعدت قريش، ولكن الله تعالى قد بين الحكمة من القتال في الآيتين السابقتين من سورة الأنفال.
فلما عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر قام أبو بكر الصديق فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْك الغِماد[24] لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرًا ودعا له به.
ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أشيروا عليّ أيها الناس» وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس[25] وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا برآء من ذلك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا، نمنعك مما نمنع منه نساءنا وأبناءنا، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم، فلما قال ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله، قال: «أجل» قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ في اللقاء، لعلَّ الله يريك منا ما تقرُّ به عينك، فَسِرْ بنا على بركة الله، فَسُرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: «سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم»[26].
وكان لواء المسلمين في هذه المعركة مع مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وكان أبيض وكان أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب يقال لها: العُقاب، والأخرى مع بعض الأنصار[27].
فسار النبي - صلى الله عليه وسلم - مستعينًا بالله - عز وجل - على هؤلاء المجرمين الذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورءاء الناس ليصدوا عن سبيل الله.
وفي الطريق وتحديدًا وهم بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ[28] أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ»، ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كان بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، قَالَ: «فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ»، ثُمَّ رَجَعَ الرجل مرة أخرى وهم بِالْبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ: «تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ»، قَالَ الرجل: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «فَانْطَلِقْ»[29].
وفي الطريق أيضًا ردَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - البراء بن عازب وابن عمر لصغرهما[30].
وعلى الجانب الآخر فإن كفار قريش كادوا أن يرجعوا بلا قتال حيث تذكروا الذي كان بينهم وبين بني بكر من خصومة وخافوا أن يأتوهم من خلفهم فيُعينون عليهم جيش المسلمين، وبينما هم على ذلك إذ جاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك - وكان من أشراف بني كنانة- فقال لهم: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه فخرجوا[31].
وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 48].
حيث فر الشيطان من ساحة المعركة عندما رأى الملائكة تتنزل لنصرة المؤمنين كما سيأتي.
إن شاء الله.
وأيضًا أشار عتبة بن ربيعة عليهم بالرجوع لئلا تَكْثر التِراتُ بين الطرفين وبينهم أرحام وقرابات، ولكن أصر أبو جهل على القتال وغلب رأيه أخيرًا[32].
ثم وصل الفريقان إلى بدر التي تبعد عن المدينة بنحو (160) كيلو مترًا، وكان جيش المسلمين أسبق إلى هناك فلما أمسى القوم بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليَّ بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر له عليه، فأصابوا راوية[33] لقريش فيها أسلم، غلام بني الحجاج، وعَريض أبو يسار، غلام بني العاص بن سعيد، فأتوا بهما فسألوهما، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي، فقالا نحن سقاة قريش، بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهما ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما فلما أذلقوهما[34] قالا نحن لأبي سفيان، فتركوهما، وركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسجد سجدتيه ثم سلم، وقال: «إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا والله إنهما لقريش أخبراني عن قريش؟» قالا: هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعُدوة القصوى، فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كم القوم؟» قالا: كثير، قال: «ما عدتهم؟» قالا: لا ندري، قال: «كم ينحرون كل يوم؟» قالا: يومًا تسعًا، ويومًا عشرًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «القوم فيما بين التسعمائة والألف»، ثم قال لهما: «فمَن فيهم من أشراف قريش؟» قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عديِّ بن نوفل، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، ونُبيه، ومنبِّه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ودٍّ، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس فقال: «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها»[35]، ثم قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ» - وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ هَاهُنَا هَاهُنَا- فَمَا مَاطَ[36] أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -[37]، فبات المسلمون تلك الليلة بالعدوة الدنيا - أي القريبة من المدينة، وبات المشركون بالعدوة القصوى- أي البعيدة عن المدينة من ناحية مكة، وقد ذكر القرآن الكريم هذا الموقف في قوله تعالى: ﴿ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ ﴾ [الأنفال: 42] أي العير الذي فيه أبو سفيان ﴿ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ﴾ أي مما يلي ساحل البحر، ﴿ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 42] ليصير الأمر ظاهرًا، والحجة قاطعة، والبراهين ساطعة، ولا يبقى لأحد حجة ولا شبهة، فحينئذ يهلك من هلك أي: يستمر في الكفر من استمر فيه على بصيرة من أمره أنه مبطل، لقيام الحجة عليه ويحيى من حيَّ أي: يؤمن من آمن عن بينة أي: عن حجة وبصيرة، ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 42] أي: لدعائكم وتضرعكم واستغاثتكم به عليم بكم وأنكم تستحقون النصر على أعدائكم الكفرة المعاندين[38].
وكان الوادي الذي نزل به المسلمون لينًا سهلاً لا تثبت فيه أقدام الخيول، والوادي الذي نزل به المشركون صلبًا تتحرك فيه الخيل بسهولة، فأنعم الله تعالى على المسلمين بأن أرسل عليهم من السماء ماءً ليثبت به أقدامهم، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾ [الأنفال: 11] تطهير الظاهر من الحدث الأصغر أو الأكبر، ﴿ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ﴾ [الأنفال: 11] من وسوسة أو خاطر سيء وهو تطهير الباطن ﮋﮂ ﮃ ﮄﮊ بالصبر والإقدام على مجالدة الأعداء، ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾ [الأنفال: 11]، حيث تصلبت الأرض وتوطأت، فثبتت به أقدام المسلمين في مواجهة عدوهم[39].
ثم أنزل الله تعالى على المؤمنين النعاس أمانًا لهم، وراحة من عناء السفر، حتى إذا ما بدأت المعركة كانوا في ذروة النشاط والاستعداد.
أمَّا النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينم، بل ظلَّ في عريشه الذي بناه له الصحابة بمشورة سعد بن معاذ - رضي الله عنه -، حيث قال: يا نبي الله، ألا نبنى لك عريشاً تكون فيه ونعُدُّ عندك ركائبك؟ ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا، كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى، جلست على ركائبك، فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلَّف عنك أقوام، يا نبي الله، ما نحن بأشدِّ لك حبَّاً منهم، ولو ظنُّوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، ينصحونك ويجاهدون معك، فأثنى عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - خيراً، ودعا له بخير، ثم بني لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عريش، فكان فيه[40].
فظلَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك العريش يدعو ربه، ويستغيث به، ويستنصره.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي قُبَّةٍ له: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللهمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعبد بَعْدَ الْيَوْمِ» فَأَخَذَ أبو بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ الله فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ، وَهُوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ﴾ [القمر: 45، 46][41].
وعن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ الله إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعبد فِي الْأَرْضِ» فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أبو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ الله كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ الله - عز وجل -: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9][42].
وظلَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على تلك الحالة ليلة السابع عشر من شهر رمضان حتى أصبح.
عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ، إِلَّا رَسُولَ الله تَحْتَ شَجَرَةٍ يُصَلِّي وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ[43]، وعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - أيضًا قَالَ: أَصَابَنَا مِنْ اللَّيْلِ حشٌّ[44] مِنْ مَطَرٍ، فَانْطَلَقْنَا تَحْتَ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ[45] نَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا مِنْ الْمَطَرِ، وَبَاتَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو رَبَّهُ - عز وجل - وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْفِئَةَ لَا تُعْبَدْ»، قَالَ: فَلَمَّا أَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ نَادَى: الصَّلَاةَ عِبَادَ الله فَجَاءَ النَّاسُ مِنْ تَحْتِ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ، فَصَلَّى بنا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَحَرَّضَ عَلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ جَمْعَ قُرَيْشٍ تَحْتَ هَذِهِ الضِّلَعِ الْحَمْرَاءِ مِنْ الْجَبَلِ»، فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ مِنَّا وَصَافَفْنَاهُمْ إِذَا رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ يَسِيرُ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَلِيُّ نَادِ لِي حَمْزَةَ» - وَكَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ- وَمَاذَا يَقُولُ لَهُمْ؟ فَجَاءَ حَمْزَةُ فَقَالَ: هُوَ عُتْبَةُ بن رَبِيعَةَ، وَهُوَ يَنْهَى عَنْ الْقِتَالِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: يَا قَوْمُ إِنِّي أَرَى قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ، لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِمْ وَفِيكُمْ خَيْرٌ، يَا قَوْمُ اعْصِبُوهَا الْيَوْمَ بِرَأْسِي وَقُولُوا: جَبُنَ عُتْبَةُ بن رَبِيعَةَ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَسْتُ بِأَجْبَنِكُمْ، فَسَمِعَ ذَلِكَ أبو جَهْلٍ فَقَالَ: أَنْتَ تَقُولُ هَذَا، وَاللَّهِ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هَذَا لَأَعْضَضْتُهُ قَدْ مَلَأَتْ رِئَتُكَ جَوْفَكَ رُعْبًا، فَقَالَ عُتْبَةُ: إِيَّايَ تُعَيِّرُ يَا مُصَفِّرَ اسْتِهِ[46]؟ سَتَعْلَمُ الْيَوْمَ أَيُّنَا الْجَبَانُ، قَالَ: فَبَرَزَ عُتْبَةُ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ حَمِيَّةً، فَقَالُوا: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَخَرَجَ فِتْيَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ سِتَّةٌ، فَقَالَ عُتْبَةُ: لَا نُرِيدُ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ يُبَارِزُنَا مِنْ بني عَمِّنَا مِنْ بني عبد الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «قُمْ يَا عَلِيُّ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ، وَقُمْ يَا عُبَيْدَةُ بن الْحَارِثِ بن عبد الْمُطَّلِبِ» فَقَتَلَ الله تَعَالَى عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدَ بن عُتْبَةَ، وَجُرِحَ عُبَيْدَةُ - رضي الله عنه -[47].
حيث أَقْبَلَ حَمْزَةُ إِلَى عُتْبَةَ، وَأَقْبَل عليٌّ إِلَى شَيْبَة، وَاخْتُلِفَ بَيْنَ عُبَيْدَةَ وَالْوَلِيدِ ضَرْبَتَانِ، فَأَثْخَنَ[48] كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ مِال عَلَى وحمزة على الْوَلِيدِ فَقَتَلَاه، وَاحْتَمَلَا عُبَيْدَةَ[49].
وفيهم نزلت: ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴾ [الحج: 19][50] فمات عبيدة - رضي الله عنه - بالصفراء[51] منصرفه من بدر فدُفن هنالك[52].
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد منع الجيش من التقدم أو الالتحام مع المشركين إلا أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المتقدم أولًا، فَقَالَ لهم: «لَا يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ»[53].
ونصح النبي - صلى الله عليه وسلم - جنده وأمرهم، فقَالَ لهم: «إِذَا أَكْثَبُوكُمْ[54] فَارْمُوهُمْ، وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ»[55]، أي: ابقوا على نبلكم ولا تستعملوه حتى يقتربوا منكم، حفاظًا على السهام وحتى لا تنفذ من غير فائدة، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يضربوا إلا مِنْ قريب، حتى تصيب القوم، فلما أقبل المشركون ودنوا من جيش المسلمين أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - ترابًا من الأرض ثم رماه في وجوه المشركين فما وقع منها شيء إلا في عين رجل منهم[56].
وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 17].
ثم أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهجوم، فَقَالَ لهم: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ»، فقَالَ عُمَيْرُ بن الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ الله جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؟! قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: بَخٍ، بَخٍ[57].
فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ، بَخٍ؟»، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ الله إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: «فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا» فَأَخْرَجَ - عمير بن الحمام- تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ[58] فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ[59].
والْتحم الجيشان التحامًا شديدًا، وحمى الوطيس، وظهرت بطولات الصحابة رضي الله عنهم، يتقدمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو أشجع الشجعان، حتى إنَّ عليًا - رضي الله عنه - يقول: لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَلُوذُ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ أَقْرَبُنَا إِلَى الْعَدُوِّ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَأْسًا[60].
ونزلت الملائكة في ميدان المعركة بقيادة الأمين جبريل -عليه السلام.
قال ابن إسحاق:
خفق النبي - صلى الله عليه وسلم - خفقة في العريش ثم انتبه فقال: «أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله فهذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع»[61].
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ»[62].
وعن ابْن عَبَّاس - رضي الله عنه - أيضًا قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ»[63].
وأسر رجل من المسلمين الْعَبَّاسَ بن عبد الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ هَذَا وَاللَّهِ مَا أَسَرَنِي، لَقَدْ أَسَرَنِي رَجُلٌ أَجْلَحُ[64] مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ مَا أُرَاهُ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا أَسَرْتُهُ يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ: «اسْكُتْ، فَقَدْ أَيَّدَكَ الله تَعَالَى بِمَلَكٍ كَرِيمٍ»[65].
وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 9، 10][66].
مقتلُ عدو الله أبي جهل:
عَنْ عبد الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَما أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ، حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا[67]، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ[68] حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، قَالَ: فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ: مِثْلَهَا، قَالَ: فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أبي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ[69]، فَقُلْتُ: أَلَا تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، قَالَ: فَابْتَدَرَاهُ فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟» فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُ، فَقَالَ: «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟» قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: «كِلَاكُمَا قَتَلَهُ»، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بن عَمْرِو بن الْجَمُوحِ.
وَالرَّجُلَانِ مُعَاذُ بن عَمْرِو بن الْجَمُوحِ وَمُعَاذُ بن عَفْرَاءَ[70].
وفي لفظ: وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ[71].
الزبير يقتل عُبيدة بن سعيد بن العاص:
عن الزُّبَيْر قال: لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بن سَعِيدِ بن الْعَاصِ وَهُوَ مُدَجَّجٌ[72] لَا يُرَى مِنْهُ إِلَّا عَيْنَاهُ، وَهُوَ يُكْنَى أبو ذَاتِ الْكَرِشِ، فَقَالَ: أَنَا أبو ذَاتِ الْكَرِشِ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالْعَنَزَةِ[73] فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ فَمَاتَ[74].
مقتل عدو الله أمية بن خلف:
بعدما قَتَلَ أبطال المسلمين في بداية المعركة ثلاثة من أَلدِّ أعداء الإسلام الذين طالما آذوا المسلمين، وصدوا عن سبيل الله، وهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، وتمكنوا أيضًا في وسط المعركة من قتل صنديد آخر من صناديد قريش وهو أبو جهل، أعانهم الله في آخر المعركة على قتل واحدٍ من أَلدِّ أعداء الإسلام في مكة، وأشدها ظلمًا لضعفاء المسلمين، وهو أمية بن خلف.
عن عبدالرحمن بن عوف قال: كان أمية بن خلف لي صديقًا بمكة، وكان اسمي عبد عمرو، فَتَسَمَّيتُ -حين أسلمتُ- عبد الرحمن، ونحن بمكة، فكان يلقاني إذ نحن بمكة فيقول: يا عبد عمرو، أرغبت عن اسم سمَّاكه أبوك؟ فأقول: نعم، فيقول: فإني لا أعرف الرحمن، فاجعل بيني وبينك شيئًا أدعوك به، أمَّا أنت فلا تجيبني باسمك الأول، وأما أنا فلا أدعوك مما لا أعرف! قال: فكان إذا دعاني: يا عبد عمرو، لم أجبه، قال: فقلتُ له: يا أبا علي اجعل ما شئت، قال: فأنت عبد الإله، قال: فقلت نعم، قال: فكنت إذا مررتُ به قال: يا عبد الإله فأجيبه فأتحدث معه، حتى إذا كان يوم بدر مررتُ به وهو واقف مع ابنه عليِّ بن أمية، آخذ بيده، ومعي أدراع قد استلبتها، فأنا أحملها، فلما رآني قال لي: يا عبد عمرو، فلم أجبه، فقال: يا عبد الإله فقلتُ: نعم، قال: هل لك فيَّ، فأنا خير لك من هذه الأدرع التي معك؟ قال: قلتُ: نعم، ها الله[75] إذًا، قال: فطرحتُ الأدراع من يدي، وأخذت بيده ويد ابنه وهو يقول: ما رأيتُ كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن - أي من أَسَرَني افتديتُ منه بإبل كثيرة اللبن- ثم خرجت أمشي بهما، فقال أمية بن خلف: يا عبد الإله، من الرجل منكم المعَلَّم بريشة نعامة في صدره؟ قال: قلتُ: ذاك حمزة بن عبد المطلب، قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل، قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي - وكان هو الذي يعذب بلالاً بمكة على ترك الإسلام-، فيخرجه إلى رمضاء[76] مكة إذا حَمِيَتْ، فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتُوضع على صدره، ثم يقول: لا تزال هكذا أو تُفارق دين محمد، فيقول بلال: أحدٌ أحد قال: فلما رآه قال: رأسُ الكفر أمية بن خلف، لا نجوتُ إن نجا، قال: قلتُ: أي بلال، أَبِأَسيري؟! قال: لا نجوتُ إن نجا، قال: قلتُ: أتسمع يا ابن السوداء؟ قال: لا نجوتُ إن نجا، قال: فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المَسَكَة[77] وأنا أذبُّ عنه، قال: فأخلف رجلٌ السيفَ[78]، فضرب رِجْلَ ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعتُ مثلها قط، قال: فقلتُ: انج بنفسك، ولا نجاء بك، فوالله ما أُغْني عنك شيئًا، قال: فهبروهما[79] بأسيافهم، حتى فرغوا منهما، قال: فكان عبد الرحمن يقول: يرحم الله بلالاً، ذَهَبتْ أدراعي، وفجعني بأسيري[80].
فانتهت المعركة بهزيمة المشركين هزيمة نكراء، ونصر كبير للمسلمين.
عدد القتلى والأسرى من المشركين في المعركة:
عن الْبَرَاء بن عَازِبٍ قَالَ: وكان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً، سَبْعِينَ أَسِيرًا، وَسَبْعِينَ قَتِيلًا[81].
بعد انتهاء المعركة:
عن أَنَس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يَنْظُرُ لَنَا مَا صَنَعَ أبو جَهْلٍ؟»، فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَكَ، قَالَ: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، فَقَالَ: آنْتَ أبو جَهْلٍ؟ فَقَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ[82] أَوْ قَالَ: قَتَلَهُ قَوْمُهُ، ثم قَالَ أبو جَهْلٍ: فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي[83].
ومما حدث أيضًا بعد انتهاء المعركة أَنَّ النَبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ - وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ[84] ثَلَاثَ لَيَالٍ-، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ[85] فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: «يَا فُلَانُ بن فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ بن فُلَانٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمْ الله وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا» فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا رْوَحَ لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ»، قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمْ الله حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا[86].
ثم تحرك النبي - صلى الله عليه وسلم - من بدرٍ راجعًا إلى المدينة، حتى إذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله عليُّ بن أبي طالب، ثم خرج حتى إذا كان بعرْق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط[87].
وعَنْ عَائِشَةَ أنها قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أبي الْعَاصِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أبي الْعَاصِ قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: «إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا»، قَالُوا: نَعَمْ، وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ عَلَيْهِ، أَوْ وَعَدَهُ، أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ[88].
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - - لما فرغ من بدر- قد أرسل بشيرين إلى أهل المدينة، بعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة، وبعث عبد الله بن رواحة إلى أهل العالية يبشرونهم بفتح الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فوافق زيد بن حارثة ابنه أسامة حين سوى التراب على رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقيل له: ذاك أبوك حين قدم قال أسامة: فجئتُ وهو واقف للناس يقول: قُتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل ابن هشام ونُبيه ومنبِّه وأمية بن خلف فقلتُ: يا أبت أحق هذا؟ قال: نعم والله يا بنيَّ[89].
وقسَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - الغنائم على الصحابة رضوان الله عليهم.
عَنْ عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَشَهِدْتُ مَعَهُ بَدْرًا، فَالْتَقَى النَّاسُ فَهَزَمَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْعَدُوَّ، فَانْطَلَقَتْ طَائِفَةٌ فِي آثَارِهِمْ يَهْزِمُونَ وَيَقْتُلُونَ، فَأَكَبَّتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَسْكَرِ يَحْوُونَهُ وَيَجْمَعُونَهُ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَةٌ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً، حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ وَفَاءَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ الَّذِينَ جَمَعُوا الْغَنَائِمَ: نَحْنُ حَوَيْنَاهَا وَجَمَعْنَاهَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا نَصِيبٌ، وَقَالَ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ: لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهَا مِنَّا نَحْنُ أَحْدَقْنَا بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَخِفْنَا أَنْ يُصِيبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً، وَاشْتَغَلْنَا بِهِ، فَنَزَلَتْ: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1] فَقَسَمَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى فَوَاقٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ[90].
وحدث أيضًا كما يقول سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ الله قَدْ شَفَى صَدْرِي الْيَوْمَ مِنْ الْعَدُوِّ، فَهَبْ لِي هَذَا السَّيْفَ، قَالَ: «إِنَّ هَذَا السَّيْفَ لَيْسَ لِي وَلَا لَكَ»، فَذَهَبْتُ وَأَنَا أَقُولُ: يُعْطَاهُ الْيَوْمَ مَنْ لَمْ يُبْلِ بَلَائِي! فَبَيْنَا أَنَا إِذْ جَاءَنِي الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «أَجِبْ»، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ بِكَلَامِي، فَجِئْتُ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّكَ سَأَلْتَنِي هَذَا السَّيْفَ، وَلَيْسَ هُوَ لِي وَلَا لَكَ، وَإِنَّ الله قَدْ جَعَلَهُ لِي، فَهُوَ لَكَ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [الأنفال: 1] [91].
وأما عن الأسرى:
فعن عمر - رضي الله عنه - قال: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِأبي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟» فَقَالَ أبو بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ الله هُمْ بنو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى الله أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟»، قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ الله مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أبو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ - نَسِيبًا لِعُمَرَ- فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا قَالَ أبو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأبو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» - شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَنْزَلَ الله - عز وجل -: ﴿ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 68، 69] فَأَحَلَّ الله الْغَنِيمَةَ لَهُمْ[92].
ففدى النبي - صلى الله عليه وسلم - الأُسارى بمال.
وجاء في بعض الروايات أن قدر الفدية كان أربعة آلاف درهم[93].
وعن أَنَس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، قَالَ: وَاللَّهِ لَا تَذَرُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا[94].
وقال النَّبِيُ - صلى الله عليه وسلم - في أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بن عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ»[95].
فضائل من شهد بدرًا من الصحابة والملائكة:
عَنْ رِفَاعَة بن رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ - وهو مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ- قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالَ: «مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ» - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ[96].
وقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب لما قَالَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - - في قصة حاطب بن أبي بلتعة- دَعْنِي يَا رَسُولَ الله أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الله اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»[97].
وجاء عبد لِحَاطِب يَشْكُو حَاطِبًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقَالَ: يَا رَسُولَ الله لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ»[98].
وأُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ حارثة وَهُوَ غُلَامٌ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي، فَإِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ، وَإِنْ تَكُ الْأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وَيْحَكِ أَوَهَبِلْتِ أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ»[99].
المصدر: (الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية)
[1] «سيرة ابن هشام» 2/134.
[2] صحيح: «سيرة ابن هشام» عن ابن إسحاق 2/134، 135، بسنده إلىٰ ابن عباس، وصححه الشيخ الألباني ~ في تخريج فقه السيرة للغزالي (226).
[3] غُدَرُ: من غادر، ويستعمل هذا في النداء بالشتم.
[4] مثل به: أي قام به ماثلاً.
[5] جبل بمكة.
[6] ارفضَّت: أي تفتت.
[7] جدَّع بعيره: قطع أنفه.
[8] اللطيمة: الإبل تحمل الطيب.
[9] لأط: أي اقتضاه.
[10] «سيرة ابن هشام» 2/135، 136، رواه ابن إسحاق بإسنادين أحدهما عن ابن عباس، ولكن فيه مبهم حيث قال ابن إسحاق: فأخبرني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس به.
والثاني بإسناد صحيح إلىٰ عروة بن الزبير ولكنه مرسل، ويمكن أن يعتضدا ببعضهما.
[11] صحيح: أخرجه البخاري (3950) كتاب: المغازي، باب: ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من يقتل ببدر.
[12] صحيح: أخرجه مسلم (1901)، كتاب: الإمارة، باب: ثبوت الجنة للشهيد.
[13] الظهر: الدوابُّ التي تُركب.
[14] صحيح: أخرجه مسلم (1901)، كتاب: الإمارة، باب: ثبوت الجنة للشهيد.
[15] هناك حديثان صحيحان في عدد جيش المسلمين والمشركين:
أما الأول: ففي صحيح البخاري (3956، 3959).
وأما الثاني: ففي مسند أحمد (948) بإسناد صححه الشيخ الألباني في تحقيق فقه السيرة، وكذلك صححه الشيخ أحمد شاكر.
[16] صحيح: أخرجه البخاري (3956) كتاب: المغازي، باب: عدة أصحاب بدر، عن البراء بن عازب.
[17] صحيح: أخرجه أحمد في «المسند» (1023)، وابن خزيمة (899)، وابن حبان (2257)، والطيالسي (116).
وجاءت روايات أخرىٰ ضعيفة بأنهما كانا فرسين أحدهما للزبير والثاني للمقداد، وهو ضعيف.
[18] «سيرة ابن هشام» 2/138.
[19] يعتقبون البعير: أي يتبادلون الركوب عليه.
[20] أي: نوبته في المشي.
[21] صحيح: أخرجه أحمد (3901)، الحاكم 3/20 وقال: صحيح علىٰ شرط مسلم، وقال الألباني في تخريج فقه السيرة: سنده حسن، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
[22] «سيرة ابن هشام» 2/138، والحاكم في «المستدرك» 3/632 وسكت عنه الذهبي.
[23] الشوكة: القتال، وغير ذات الشوكة: هي الغنيمة التي لا قتال فيها.
[24] موضع بناحية اليمن.
[25] أي: أكثر الناس، فهم أكثر من المهاجرين.
[26] رواه ابن هشام في «السيرة» بهذا السياق عن ابن إسحاق بدون إسناد، وله شواهد أخرىٰ كثيرة تقويه، انظر: «صحيح البخاري» (3952)، مسلم (1779)، أحمد (3698، 4070، 4376، 11961)، والنسائي في «الكبرىٰ» (11140).
[27] «سيرة ابن هشام» 2/138.
[28] حَرَّةُ الوَبَرَة: موضع علىٰ نحوٍ من أربعة أميال من المدينة.
[29] صحيح: أخرجه مسلم (1817) كتاب: الجهاد والسير، باب: كراهة الاستعانة في الغزو بكافر.
[30] صحيح: أخرجه البخاري (3956) كتاب: المغازي، باب: عدة أصحاب بدر.
[31] «سيرة ابن هشام» 2/138 بإسناد مرسل عن عروة بن الزبير، وتشهد له الآية.
[32] «تاريخ الطبري» 2/425، بسند حسن.
نقلاً من «السيرة النبوية الصحيحة» 2/359.
[33] أي سُقاة للقوم يجلبون لهم الماء ليرتووا.
[34] أي بالغوا في ضربهما.
[35] «سيرة ابن هشام» 2/141، بسند صحيح صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث عن يزيد بن رومان عن عروة ابن الزبير، ولكنه مرسل، وروىٰ نحوه أحمد (948) من حديث علي بن أبي طالب بسند صححه الشيخان: أحمد شاكر، والألباني في تخريج «فقه السيرة» (229)، ورواه مسلم مختصرًا (1779)، كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة بدر.
[36] ماط: أي بَعُد.
[37] صحيح: أخرجه مسلم (1779)، كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة بدر.
[38] «مختصر تفسير ابن كثير» للشيخ أحمد شاكر 2/114.
[39] «مختصر تفسير ابن كثير» 2/94، 95 بتصرف.
[40] «سيرة ابن هشام» 2/144 عن ابن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبىٰ بكر أنه حدث: أن سعد بن معاذ قال، ثم ذكره، وله شاهد في «صحيح البخاري» عن ابن عباس، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في قبَّة، وهو الحديث الآتي.
[41] صحيح: أخرجه البخاري (2915)، كتاب: الجهاد والسير، باب: ما قيل في درع النبي - صلى الله عليه وسلم - والقميص في الحرب.
[42] صحيح: أخرجه مسلم (1763)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم.
[43] صحيح: أخرجه أحمد (1023).
[44] حشٌ: أي قليل.
[45] الحجف: أي التروس.
[46] هي كلمة تقال للمتنعم المترف الذي لم تحُكُّه التجارب والشدائد.
[47] صحيح: أخرجه أحمد (948)، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر، والألباني في «فقه السيرة» (229).
[48] أثخن: أي ضربه، ولكن لم يقتله.
[49] صحيح: أخرجه أبو داود (2665)، كتاب: الجهاد، باب: في المبارزة.
[50] صحيح: أخرجه البخاري (3965).
[51] اسم مكان.
[52] أخرجه الحاكم (4862)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وحسن إسناده الألباني «فقه السيرة» (233).
[53] صحيح: أخرجه مسلم (1901)، كتاب: الإمارة، باب: ثبوت الجنة للشهيد.
[54] أي: اقتربوا منكم.
[55] صحيح: أخرجه البخاري (3984)، كتاب: المغازي، باب: (10).
[56] «تفسير الطبري» 9/217، بأسانيد مرسلة عن قتادة، وعروة، وعكرمة، وتشهد له الآية.
[57] بخ، بخ: فيه لغتان أحدهما: إسكان الخاء، أو كسرها منونًا، وهي: كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير.
«شرح مسلم» للنووي 7/44.
[58] قرنه: بقاف وراء مفتوحتين، وهي الجُعبة.
[59] صحيح: أخرجه مسلم (1901)، كتاب: الإمارة، باب: ثبوت الجنة للشهيد.
[60] صحيح: أخرجه أحمد 2/228، وصححه الشيخ أحمد شاكر.
[61] النقع: الغبار.
قال الألباني في «فقه السيرة» (234): وفي «المغازي»، وعند ابن هشام 2/68، 69، بدون سند، لكن وصله الأموي من طريق ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير، وهذا سند حسن، وسكت عنه ابن كثير 3/284.اهـ.
[62] صحيح: أخرجه البخاري (3995) كتاب: المغازي، باب: شهود الملائكة بدرًا.
[63] صحيح: أخرجه مسلم (1763)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم.
[64] الأجلح: الذي انحسر شعره عن جانبي رأسه.
[65] صحيح: أخرجه أحمد 2/194، وصححه الشيخ أحمد شاكر.
[66] وأما عن حكمة اشتراك الملائكة بهذه الطريقة مع أن جبريل وحده قادر علىٰ إهلاكهم بأمر الله، فيوضح السبكي ذلك بقوله: وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وتكون الملائكة مددًا علىٰ عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسنتها التي أجراها الله تعالىٰ في عباده، والله تعالىٰ هو فاعل الجميع.
والله أعلم.
«فتح الباري» 7/364، في التعليق علىٰ الحديث رقم (3995)
[67] أضلع منهما: أقوىٰ منهما، أي: تمنيت لو كنت بين أقوىٰ منهما.
[68] أي لا يفارق شخصي شخصه.
[69] يزول بين الناس: أي يتحرك بسرعة شديدة بين الناس في ميدان المعركة.
[70] متفق عليه: أخرجه البخاري (3988)، كتاب: المغازي، باب: (10)، مسلم (1752)، كتاب: الجهاد والسير، باب: استحقاق القاتل سلب القتيل.
[71] السابق.
قلت: ومعاذ بن عمرو بن الجموح أخو معاذ بن عفراء من أمه، ففي الرواية الأولىٰ: نُسب إلىٰ أبيه عمرو بن الجموح، وفي الرواية الثانية: نُسب إلىٰ أمه.
وقد ضبط الحافظ ابن حجر ~ في «الإصابة» 3/1877 اسم معاذ بن عمرو بن الجموح فقال: (معوِّذ).
[72] مدججٌ: أي مغطىٰ بالسلاح ولا يظهر منه شيء.
[73] العنزة: الحربة الصغيرة.
[74] صحيح: أخرجه البخاري (3998)، كتاب: المغازي، باب: (12).
[75] مما يستعملونه في القسم أن يحذفوا حرف القسم ويذكروا في مكانه (ها) فكأنه قال: نعم والله إذًا.
[76] الرمضاء: الرمل الشديد الحرارة من الشمس.
[77] المَسَكَةُ: السوار، أو الأسورة.
[78] أي أخرجه من غمده.
[79] هبروهما: أي قطعوا لحمهما.
[80] حسن: أخرجه ابن هشام في «السيرة» 2/150، 151، بأسانيد حسنة إلىٰ عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -، وأخرجه البخاري (2301)، كتاب: الوكالة، باب: إذا وكَّل المسلم حربيًا في دار الحرب أو في دار الإسلام جاز.
مختصرًا.
[81] صحيح: أخرجه البخاري (3986)، كتاب: المغازي، باب: (10).
[82] أي: لا عار عليَّ في قتلكم إياي «شرح مسلم» للنووي.
[83] متفق عليه: أخرجه البخاري (3962)، كتاب: المغازي، باب: قتل أبي جهل، ومسلم (1800)، كتاب: الجهاد والسير، باب: قتل أبي جهل.
قَوْله: (فلَوْ غَيْر أَكَّار قَتَلَنِي؟!!) الْأَكَّار: الزَّرَّاع وَالْفَلَّاح, وَهُوَ عِنْد الْعَرَب نَاقِص, وَأَشَارَ أبو جَهْل إِلَىٰ اِبْنَيْ عَفْرَاء اللَّذَيْنِ قَتَلَاهُ، وَهُمَا مِنْ الْأَنْصَار, وَهُمْ أَصْحَاب زَرْع وَنَخِيل, وَمَعْنَاهُ: لَوْ كَانَ الَّذِي قَتَلَنِي غَيْر أَكَّار لَكَانَ أَحَبّ إِلَيَّ وَأَعْظَم لِشَأْنِي, وَلَمْ يَكُنْ عَلَيَّ نَقْص فِي ذَلِكَ.
«شرح مسلم» للنووي 6/339، 340.
[84] العرصة: أي الساحة، أي أقام بساحة المعركة.
[85] أي: البئر.
[86] متفق عليه: أخرجه البخاري (3976)، كتاب: المغازي، باب: قتل أبي جهل، ومسلم (2874)، كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه.
[87] انظر: «سيرة ابن هشام» 2/158، 159.
[88] حسن: أخرجه أبو داود (2692)، كتاب: الجهاد، باب: فداء الأسير بالمال، وحسنه الألباني.
[89] حسن: أخرجه الحاكم (4959)، كتاب: معرفة الصحابة من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني عبد الله ابن أبي بكر بن حزم، وصالح بن أبي أمامة بن سهيل عن أبيه به.اهـ.
وعبد الله (ثقة)، وقال الحاكم: علىٰ شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي 9/183.
[90] صحيح: أخرجه أحمد (22661) بإسناد صحيح.
[91] صحيح: أخرجه مسلم (1748)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الأنفال، وأبو داود (2740)، كتاب: الجهاد، باب: في النفل.
[92] صحيح: أخرجه مسلم (1763)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم.
[93] «مجمع الزوائد» 6/90، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في «الكبير»، «الأوسط» ورجاله رجال الصحيح.
[94] صحيح: أخرجه البخاري (4018)، كتاب: المغازي، باب: (12).
[95] صحيح: أخرجه البخاري (4024)، كتاب: المغازي، باب: (12).
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك وفاءً للمطعم، فالمطعم كان ممن مزقوا صحيفة قريش الجائرة وأخرجوا النبي - صلى الله عليه وسلم - من شعب أبي طالب، وأيضًا هو الذي أدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة في جواره بعد عودته من الطائف.
[96] صحيح: أخرجه البخاري (3992)، كتاب: المغازي، باب: شهود الملائكة بدرًا.
[97] متفق عليه: أخرجه البخاري (3983)، كتاب: المغازي، باب: فضل من شهد بدرًا، مسلم (2494)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أهل بدر وقصة حاطب بن أبي بلتعة.
[98] صحيح: أخرجه مسلم (2495)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أهل بدر وقصة حاطب بن أبي بلتعة.
[99] صحيح: أخرجه البخاري (3982)، كتاب: المغازي، باب: فضل من شهد بدرًا.