شرح السنة [3]


الحلقة مفرغة

قال أبو محمد الحسن بن علي البربهاري رحمه الله:

[ وآدم عليه السلام كان في الجنة الباقية المخلوقة فأخرج منها بعدما عصى الله عز وجل ].

قوله: (المخلوقة) فيه إشارة إلى خلاف بعض الفرق الذين زعموا أن الجنة التي خرج منها آدم ليست هي الجنة التي وعد الله المتقين، وهناك من زعم أن جنة الآخرة لم تخلق ولم توجد بعد، وهذه كلها مذاهب خاطئة، فالجنة هي الجنة الأولى والباقية اليوم وإلى ما شاء الله، وهي أيضاً جنة الآخرة الأبدية، فالجنة واحدة، ومخلوقة وموجودة، وهي في السماء، عرضها كعرض السماوات والأرض أعدت للمتقين، نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم.

قال رحمه الله تعالى: [ والإيمان بـالمسيح الدجال ، والإيمان بنزول عيسى بن مريم عليه السلام ينزل فيقتل الدجال ، ويتزوج ويصلي خلف القائم من آل محمد صلى الله عليه وسلم، ويموت ويدفنه المسلمون ].

يقصد بالقائم المهدي الذي وردت به الآثار، وهو أيضاً من آل محمد صلى الله عليه وسلم، يصلحه الله في ليلة كما ورد في الآثار، وتكون على يده آخر الملاحم، ثم ينزل عيسى عليه السلام عليه وعلى المؤمنين، ويقيم بينهم حتى يتوفاه الله عز وجل، ثم يدفن عيسى عليه السلام، بل كل المؤمنين يحصل لهم بعد عيسى بقليل حياة ليست طويلة، ثم يقبض الله أرواحهم بريح طيبة، فلا يبقى في الأرض آخر الزمان إلا شرار الخلق نسأل الله العافية.

ونزول عيسى من علامات الساعة الكبرى، ويكون من الأشياء التي تصاحب عيسى آخر مراحل الدجال ؛ لأن عيسى ينزل والمسلمون يقاتلون الدجال ، فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الملح الماء؛ لأنه عرف اليقين الذي وعد الله به، فيقتله عيسى عليه السلام، ثم أيضاً يحدث في وقت عيسى من الآيات الكبرى يأجوج ومأجوج، فهم يخرجون وعيسى في ظهراني المسلمين.

ويحدث أيضاً من العلامات الريح التي تقبض أرواح المؤمنين، لكن قيل إنها بعد وفاة عيسى، وهو الراجح.

قال رحمه الله تعالى: [ والإيمان بأن الإيمان قول وعمل، وعمل وقول ونية وإصابة، يزيد وينقص، يزيد ما شاء الله، وينقص حتى لا يبقى منه شيء ].

يبدو لي أن هذا من باب تنويع العبارة لتأكيدها قوله: (الإيمان بأن الإيمان قول) المقصود به قول القلب وقول اللسان، فاللسان معبر عن القلب.

(وعمل) يعني: عمل القلب وعمل الجوارح لا عمل الجوارح فقط؛ فعمل القلب هو المتمثل بالمحبة والرجاء والخوف واليقين والإنابة والتوكل..، هذه كلها تسمى أعمال القلوب، فدخلت في العمل، وهي تزيد وتنقص، وكذلك عمل الجوارح يسمى عملاً، وأعمال الجوارح تزيد وتنقص، فيبدو لي أن التقديم والتأخير هنا لإحكام المسألة.

ثم قال بعد ذلك: و(نية) والمقصود بالنية الإخلاص، لأن النية هنا موجهة إلى العمل المطلوب، والصحيح أن: (لكل امرئ ما نوى)، فمن نوى وجه الله عز وجل فله ذلك، ومن نوى غير وجه الله خسر دينه وإن كسب ما ينويه من أمور الدنيا، لكن المقصود هنا النية الخالصة، وذلك أن الإيمان لا يصح إلا بالإخلاص، فكما أنه قول وعمل فهو كذلك إخلاص لله عز وجل.

قوله: (وإصابة) أي: موافقة للسنة، وهي أيضاً من شرائط صحة الإيمان.

ثم قال: (يزيد وينقص) أي: كل ذلك يزيد وينقص قول القلب عمل القلب وعمل الجوارح، فالزيادة والنقصان تشمل جميع هذه الأقوال.

كذلك النية، النية قد تكون خالصة وقد تكون مشوبة، فالنية الخالصة يزيد بها الإيمان والنية المشوبة ينقص بها الإيمان، وكذلك الإصابة الكاملة يكمل بها الإيمان، والإصابة المشوبة التي فيها شيء من الجهل أو نحو ذلك، أو الإصابة التي تكون خاطئة لكنها عن اجتهاد قد ينقص بها الإيمان، وليس كمالها ككمال الإصابة الكاملة.

إذاً: كل هذه الأمور تعتبر من الإيمان، وكل ذلك يزيد ما شاء الله، وينقص حتى لا يبقى منه شيء، فيزيد بقدر ما يسدد الله العبد من أعمال الآخرة والنيات والصدق والإخلاص في الأعمال الظاهرة.

قوله: (وينقص) أي: الإيمان (حتى لا يبقى منه شيء) أي: في حالة ما إذا خرج الإنسان من الإيمان بالكلية نسأل الله العافية، وهي الردة أو النفاق الخالص أو الشرك، فهذه لا يبقى معها من الإيمان شيء.

وكذلك قد لا يبقى من أثر الإيمان شيء في لحظات كما فسره بعض السلف في حديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، قال بعضهم: لا يبقى عنده من الإيمان شيء إلا الأصل، لكن ثمرة الإيمان تنمحي في ذلك الوقت من المؤمن.

أفضل الصحابة الثلاثة الخلفاء

قال رحمه الله تعالى: [ وخير هذه الأمة بعد وفاة نبيها أبو بكر وعمر وعثمان ، هكذا روي لنا عن ابن عمر قال: (كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا: إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان ويسمع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلا ينكره) ].

النصوص في ترتيب أفضلية الصحابة وردت متدرجة في ذكر أفضلية الصحابة في نوعها وفي حجمها، فأكثر الفضائل فضائل أبي بكر رضي الله عنه، ثم ذكر فضائل أبي بكر مع عمر في الدرجة الثانية، ثم الدرجة الثالثة: ذكر الثلاثة، وكثيراً ما ترد نصوص فيها الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان ، ثم الدرجة الرابعة في الأربعة بإضافة علي رضي الله عنه، وهذه أقلها.

ولذلك يذكر بعض السلف الثلاثة ولا يذكر علياً ، لا استنقاصاً لـعلي رضي الله عنه؛ لكن لبيان أن الثلاثة ورد ذكرهم منفردين في نصوص كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة كذلك، ولأن الثلاثة من الخلفاء الراشدين لم يختلف عليهم الناس، واختلفوا على علي رضي الله عنه ولا يعني هذا أن الاختلاف عليه سائغ؛ لكنه وقع من قبل أهل الأهواء أو المجتهدين الذين ما أصابوا في اجتهادهم، وإلا فالأولى عند ترتيب مقامات الصحابة أن يذكر الأربعة بما فيهم علي رضي الله عنه دفعاً للبس، ومع ذلك وردت أحاديث مستفيضة في ذكر أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، ووردت بعدها في الدرجة الرابعة ذكر علي مع هؤلاء الثلاثة فيكونون أربعة.

ولذلك كثيراً ما ينص عليهم بأنهم الأربعة الخلفاء، وأن أفضل الصحابة الأربعة، وهكذا.

أفضل الناس بعد الثلاثة بقية العشرة ثم بقية الصحابة

قال رحمه الله تعالى: [ ثم أفضل الناس بعد هؤلاء علي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة عامر بن الجراح وكلهم يصلح للخلافة ].

هنا عد بقية العشرة المبشرين بالجنة، فمنهم الأربعة الخلفاء الراشدون ثم طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة ، هؤلاء الستة مع الأربعة هم المبشرون بالجنة، وقد ورد إفرادهم في حديث ذكره الشيخ.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، القرن الأول الذي بعث فيهم المهاجرون الأولون والأنصار، وهم من صلى إلى القبلتين، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أو شهراً أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ].

بمعنى أن كل من صحب الرسول صلى الله عليه وسلم فهو من الصحابة ولو يوماً، والأولى أن يقال: من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو شهراً أو يوماً.

واجبنا نحو الصحابة

قال رحمه الله تعالى: [ ترحم عليه، وتذكر فضله، وتكف عن زلته، ولا نذكر أحداً منهم إلا بخير، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) ].

الشيخ: هذا الحديث صحيح، وأوضح منه الحديث الذي رواه عدد من أصحاب السنن وأحمد في المسند وغيرهم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، هذا الحديث صحيح صححه الألباني وغيره.

أما الحديث التالي الذي سيذكره فهو موضوع.

قال رحمه الله تعالى: [ وقال سفيان بن عيينة : (من نطق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة فهو صاحب هوى).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) ].

هذا الحديث لا أصل له والله أعلم.

قال رحمه الله تعالى: [ وخير هذه الأمة بعد وفاة نبيها أبو بكر وعمر وعثمان ، هكذا روي لنا عن ابن عمر قال: (كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا: إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان ويسمع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلا ينكره) ].

النصوص في ترتيب أفضلية الصحابة وردت متدرجة في ذكر أفضلية الصحابة في نوعها وفي حجمها، فأكثر الفضائل فضائل أبي بكر رضي الله عنه، ثم ذكر فضائل أبي بكر مع عمر في الدرجة الثانية، ثم الدرجة الثالثة: ذكر الثلاثة، وكثيراً ما ترد نصوص فيها الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان ، ثم الدرجة الرابعة في الأربعة بإضافة علي رضي الله عنه، وهذه أقلها.

ولذلك يذكر بعض السلف الثلاثة ولا يذكر علياً ، لا استنقاصاً لـعلي رضي الله عنه؛ لكن لبيان أن الثلاثة ورد ذكرهم منفردين في نصوص كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة كذلك، ولأن الثلاثة من الخلفاء الراشدين لم يختلف عليهم الناس، واختلفوا على علي رضي الله عنه ولا يعني هذا أن الاختلاف عليه سائغ؛ لكنه وقع من قبل أهل الأهواء أو المجتهدين الذين ما أصابوا في اجتهادهم، وإلا فالأولى عند ترتيب مقامات الصحابة أن يذكر الأربعة بما فيهم علي رضي الله عنه دفعاً للبس، ومع ذلك وردت أحاديث مستفيضة في ذكر أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، ووردت بعدها في الدرجة الرابعة ذكر علي مع هؤلاء الثلاثة فيكونون أربعة.

ولذلك كثيراً ما ينص عليهم بأنهم الأربعة الخلفاء، وأن أفضل الصحابة الأربعة، وهكذا.

قال رحمه الله تعالى: [ ثم أفضل الناس بعد هؤلاء علي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة عامر بن الجراح وكلهم يصلح للخلافة ].

هنا عد بقية العشرة المبشرين بالجنة، فمنهم الأربعة الخلفاء الراشدون ثم طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة ، هؤلاء الستة مع الأربعة هم المبشرون بالجنة، وقد ورد إفرادهم في حديث ذكره الشيخ.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، القرن الأول الذي بعث فيهم المهاجرون الأولون والأنصار، وهم من صلى إلى القبلتين، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أو شهراً أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ].

بمعنى أن كل من صحب الرسول صلى الله عليه وسلم فهو من الصحابة ولو يوماً، والأولى أن يقال: من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو شهراً أو يوماً.

قال رحمه الله تعالى: [ ترحم عليه، وتذكر فضله، وتكف عن زلته، ولا نذكر أحداً منهم إلا بخير، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) ].

الشيخ: هذا الحديث صحيح، وأوضح منه الحديث الذي رواه عدد من أصحاب السنن وأحمد في المسند وغيرهم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، هذا الحديث صحيح صححه الألباني وغيره.

أما الحديث التالي الذي سيذكره فهو موضوع.

قال رحمه الله تعالى: [ وقال سفيان بن عيينة : (من نطق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة فهو صاحب هوى).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) ].

هذا الحديث لا أصل له والله أعلم.

قال رحمه الله تعالى: [ والسمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى، ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين ].

مسألة السمع والطاعة والولاية وما يستتبعها من أصول وقواعد، السمع والطاعة للأئمة طبعاً بالمعروف، لذلك قال: (فيما يحب الله ويرضى) وسيقرر هذا في قاعدة مستقلة فيما بعد.

قوله: (السمع والطاعة للأئمة) يعني: من ولاه الله أمر المسلمين.

صور نصب الولاة والأئمة

ثم ذكر صورة من صور الولاية وهي: (ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين).

الصورة المثلى لقيام الخلافة أو الولاية، هي أن تكون الخلافة بإجماع الناس، وإجماع الناس يتحقق بصور شتى، فغالباً ما يكون باتفاق أهل الحل والعقد؛ لأن الناس في شعائر الدين الكبرى مثل الحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي مصالح الدنيا العظمى مثل البيعة والسمع والطاعة وغيرها، لا يتم أمرهم إلا بأهل الحل والعقد منهم، ومن سوى أهل الحل والعقد تبع لأهل الحل والعقد بالضرورة؛ لأن الدهماء والعامة والغوغاء والسواد الأعظم لا يمكن تحقيق رغبتهم جميعاً أو التعرف على آرائهم بطريق سليم، ولا يمكن أيضاً أن يكون عندهم من الفقه والرشد ما يجعلهم يعرفون المصالح العظمى للأمة كما يريد الله عز وجل، وكما هو على قواعد الشرع.

فعلى هذا فالإجماع ينعقد في مسألة الولاية والخلافة ببيعة أهل الحل والعقد، وهذه صورة من صور الولاية تتبعها أو تأتي دونها صور أخرى كالتغلب، فهو صورة من صور إقامة الإمامة في الدين، أما إمامة الناس في دينهم ودنياهم وهي الإمارة التي لها السمع والطاعة فقد تكون بالغلبة أيضاً، حتى لو لم يكن الأمر برضا أهل الحل والعقد، وبين الصورتين صور كثيرة.

ثم قال: [ ولا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن ليس عليه إمام ].

بمعنى أنه لا يحل لمسلم أن يبقى ليلة ليس في عنقه بيعة ما دام أمر المسلمين قائماً، سواء كانت الولاية على الشروط الشرعية أو تخلفت فيها الشروط الشرعية، فيجب أن يكون في عنق المسلم بيعة للإمام الواقع أو للإمامة الحاصلة في وقته، سواء كان هذا الإمام متوفرة فيه شروط الإمامة أو لا تتوفر، فيجب على كل مسلم أن يكون في عنقه بيعة وألا يبيت ليلة إلا وعليه إمام براً كان أو فاجراً كما ذكر أهل العلم، بناء على الأحاديث الواردة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

بيان من هم أهل الحل والعقد

أما من هم أهل الحل والعقد فإنهم يكونون بحسب حال المسلمين في أي زمان وفي أي مكان، وأساليب تحقيق الحل والعقد في الناس تختلف من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان، ومن أمة إلى أمة، فالعرب يختلفون عن العجم مثلاً في تحقيق وجود أهل الحل والعقد، لكن الصور المثلى أو الصور الظاهرة لأهل الحل والعقد على مدار التاريخ سواء منها ما ذكرته النصوص الشرعية أو ما عرف بالاستقراء كما يلي:

أولاً: أهل الحل والعقد هم العلماء أهل الفقه في الدين الذين يهمهم أمر المسلمين، كما حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من أئمة الصحابة، فهم أدركوا أن أهل الحل والعقد الجديرين بأن يكونوا هم أهل اختيار الولاية هم الذين تميزوا بالعلم الراسخ والفقه في دين الله عز وجل مع الرأي والمشورة، أي: تميزوا بصفات القيادة الشرعية والدنيوية، وهم أهل الشورى من الصحابة، وهذا هو الأمثل على مدار التاريخ.

فأول أهل الحل والعقد هم أهل العلم الذين يتوفر فيهم الفقه والرأي، ثم يليهم من دونهم ممن لهم اعتبار في الحل والعقد.

أحياناً أهل الحل والعقد يكون منهم الفاسق والفاجر لكنه مطاع في قومه، ولا يستتب أمر المسلمين إلا باعتباره، كرؤساء العشائر وقواد الجيوش وأمراء الأقاليم ونحو ذلك ممن له اعتبار في مصائر الناس بحيث يطاع وله رأي رشيد، فيدخل في عموم أهل الحل والعقد بحسب حال المسلمين.

وهذه الصور تكررت على مدار تاريخ الإسلام في القرون الأولى الفاضلة، فقد كان يعتبر من أهل الرأي من كان له اعتبار حتى لو لم يكن معروفاً بالفضل والاستقامة ما دام مطاعاً في قومه أو صاحب رأي سديد، وما دام له كيان كما نعبر في أسلوبنا المعاصر.

حكم الانتخابات

الانتخابات لها صورتان:

الصورة الأولى: انتخابات أهل الحل والعقد الذين تتوافر فيهم الشروط الشرعية والشروط الاعتبارية، فهذه واردة؛ لأن الصحابة كانوا يعملون ذلك، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه استعمل هذه الطريقة لكن مع النخبة من فقهاء الصحابة، فلما أعلن ترشيح عثمان قال: إني أرى الناس لا يعدلون بـعثمان ، ومعناه أنه استقرأ رأي أهل الحل ، حتى كان يطرق الأبواب يستشيرهم.

فهذه صورة من الصور الشرعية الصحيحة التي هي اعتبار التصويت والانتخابات في نخبة ممن تتوافر فيهم الشروط الشرعية.

الصورة الثانية: اعتبار التصويت لعموم الناس، وهذا يؤدي في الغالب إلى الغوغائية والفتنة ويؤدي إلى الخروج من مقتضى الدين؛ لأنه إذا استفتى عامة الناس والغوغاء وغير أهل الحل والعقد أو غير أهل الاعتبار والاستقامة، وأخذ تصويتهم في قضايا الأمة في دينها ودنياها، ففي الغالب أنهم يختارون ما يحقق أهواءهم بصرف النظر عن المصالح الشرعية، حتى وإن كانوا من المتدينين ما داموا لا يفقهون.

فهذا باب خطير يؤدي إلى الإعراض عن دين الله عز وجل، وهو من مسالك الجاهلية والأمم الضالة، ومن مسالك العلمنة، ولا اعتبار لهذا التصويت، فلو استفتي الناس اليوم في بعض المعاصي لاختاروها رغم أننا في مجتمع يعتبر من أفضل المجتمعات؛ قال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116].

ثم ذكر صورة من صور الولاية وهي: (ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين).

الصورة المثلى لقيام الخلافة أو الولاية، هي أن تكون الخلافة بإجماع الناس، وإجماع الناس يتحقق بصور شتى، فغالباً ما يكون باتفاق أهل الحل والعقد؛ لأن الناس في شعائر الدين الكبرى مثل الحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي مصالح الدنيا العظمى مثل البيعة والسمع والطاعة وغيرها، لا يتم أمرهم إلا بأهل الحل والعقد منهم، ومن سوى أهل الحل والعقد تبع لأهل الحل والعقد بالضرورة؛ لأن الدهماء والعامة والغوغاء والسواد الأعظم لا يمكن تحقيق رغبتهم جميعاً أو التعرف على آرائهم بطريق سليم، ولا يمكن أيضاً أن يكون عندهم من الفقه والرشد ما يجعلهم يعرفون المصالح العظمى للأمة كما يريد الله عز وجل، وكما هو على قواعد الشرع.

فعلى هذا فالإجماع ينعقد في مسألة الولاية والخلافة ببيعة أهل الحل والعقد، وهذه صورة من صور الولاية تتبعها أو تأتي دونها صور أخرى كالتغلب، فهو صورة من صور إقامة الإمامة في الدين، أما إمامة الناس في دينهم ودنياهم وهي الإمارة التي لها السمع والطاعة فقد تكون بالغلبة أيضاً، حتى لو لم يكن الأمر برضا أهل الحل والعقد، وبين الصورتين صور كثيرة.

ثم قال: [ ولا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن ليس عليه إمام ].

بمعنى أنه لا يحل لمسلم أن يبقى ليلة ليس في عنقه بيعة ما دام أمر المسلمين قائماً، سواء كانت الولاية على الشروط الشرعية أو تخلفت فيها الشروط الشرعية، فيجب أن يكون في عنق المسلم بيعة للإمام الواقع أو للإمامة الحاصلة في وقته، سواء كان هذا الإمام متوفرة فيه شروط الإمامة أو لا تتوفر، فيجب على كل مسلم أن يكون في عنقه بيعة وألا يبيت ليلة إلا وعليه إمام براً كان أو فاجراً كما ذكر أهل العلم، بناء على الأحاديث الواردة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أما من هم أهل الحل والعقد فإنهم يكونون بحسب حال المسلمين في أي زمان وفي أي مكان، وأساليب تحقيق الحل والعقد في الناس تختلف من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان، ومن أمة إلى أمة، فالعرب يختلفون عن العجم مثلاً في تحقيق وجود أهل الحل والعقد، لكن الصور المثلى أو الصور الظاهرة لأهل الحل والعقد على مدار التاريخ سواء منها ما ذكرته النصوص الشرعية أو ما عرف بالاستقراء كما يلي:

أولاً: أهل الحل والعقد هم العلماء أهل الفقه في الدين الذين يهمهم أمر المسلمين، كما حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من أئمة الصحابة، فهم أدركوا أن أهل الحل والعقد الجديرين بأن يكونوا هم أهل اختيار الولاية هم الذين تميزوا بالعلم الراسخ والفقه في دين الله عز وجل مع الرأي والمشورة، أي: تميزوا بصفات القيادة الشرعية والدنيوية، وهم أهل الشورى من الصحابة، وهذا هو الأمثل على مدار التاريخ.

فأول أهل الحل والعقد هم أهل العلم الذين يتوفر فيهم الفقه والرأي، ثم يليهم من دونهم ممن لهم اعتبار في الحل والعقد.

أحياناً أهل الحل والعقد يكون منهم الفاسق والفاجر لكنه مطاع في قومه، ولا يستتب أمر المسلمين إلا باعتباره، كرؤساء العشائر وقواد الجيوش وأمراء الأقاليم ونحو ذلك ممن له اعتبار في مصائر الناس بحيث يطاع وله رأي رشيد، فيدخل في عموم أهل الحل والعقد بحسب حال المسلمين.

وهذه الصور تكررت على مدار تاريخ الإسلام في القرون الأولى الفاضلة، فقد كان يعتبر من أهل الرأي من كان له اعتبار حتى لو لم يكن معروفاً بالفضل والاستقامة ما دام مطاعاً في قومه أو صاحب رأي سديد، وما دام له كيان كما نعبر في أسلوبنا المعاصر.




استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح السنة [8] 3053 استماع
شرح السنة [10] 2673 استماع
شرح السنة [2] 2631 استماع
شرح السنة [13] 2617 استماع
شرح السنة [19] 2588 استماع
شرح السنة [1] 2465 استماع
شرح السنة [17] 2372 استماع
شرح السنة [5] 2342 استماع
شرح السنة [14] 2282 استماع
شرح السنة [9] 2186 استماع