شرح السنة [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فنبدأ مستعينين بالله درسنا الجديد (شرح السنة) لإمام أهل السنة والجماعة في عصره أبي محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري المتوفى سنة (329)، وكان من كبار أئمة السنة الذين اشتهروا بتقرير العقيدة والدفاع عنها، وكان قوياً صلباً في الحق، وعقيدته هذه من أقدم ما كتب في عقائد السلف، وهي تتميز بالشمول والإيجاز، كما أنه أيضاً تحرى فيها مذهب أهل السنة في كثير من أصولهم ومناهجهم، وإن كانت له بعض الآراء التي قد يخالفه فيها غيره، لكنها من الأمور التي لا تخرج عن مجال الاجتهاد السائغ أو مما قد يكون للعالم فيه قول قد يبالغ فيه أو يتجاوز ما عليه الأئمة عن اجتهاد، ولا يسلم البشر من مثل هذه الأمور، ومع ذلك فإن شرح السنة للبربهاري من عقائد السلف المعتمدة عند أئمة السنة.

ونبدأ الآن بأول هذه العقيدة، والنسخة التي بين يدي هي النسخة المحققة بتحقيق الردادي ، وهناك نسخة سبقتها وهي نسخة الشيخ محمد سعيد القحطاني ، وكلاهما جيدة ولا أفضل واحدة على الأخرى.

قال الإمام أبو محمد الحسن بن علي البربهاري رحمه الله تعالى: [ الحمد لله الذي هدانا للإسلام ومن علينا به، وأخرجنا في خير أمة، فنسأله التوفيق لما يحب ويرضى، والحفظ مما يكره ويسخط.

اعلموا أن الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام، ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر ].

أحسن المحقق في ترقيم هذه الفقرات، وهذه هي الفقرة الأولى، فبدأ في الفقرة الأولى حسب ترقيم المحقق بشرح معنى السنة، وهذا مدخل طيب؛ ذلك أن موضوع الكتاب هو شرح السنة، فمن المناسب جداً أن يبين معنى السنة، وقد لخص معنى السنة بمفهوم شرعي موجز كعادة السلف في القرون الثلاثة الفاضلة في تعريفهم للمعاني الشرعية، وذلك أنهم يقتصرون على الألفاظ الشرعية ويوجزون بأبلغ عبارة، وما كانوا يتكلفون التشقيق والتفريع، وما جاء تشقيق العبارة وتفريعها إلا في القرن الرابع وما بعده.

فقوله: (اعلموا أن الإسلام هو السنة)، هذا أيضاً ينعكس فإن السنة هي الإسلام، وقصده أن الإسلام الذي أمر الله بالأخذ به هو ما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم، من السنة بمعناها العام التي هي الإسلام.

إذاً نقول: كما أن الإسلام هو السنة، فكذلك السنة هي الإسلام، فهما مترادفان على هذا المعنى الشامل.

قوله: (ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر)، معناه: لا تستقيم السنة إلا بالتسليم والإذعان لله عز وجل، وكذلك لا تتم ثمرة الإذعان والتسليم إلا بالعمل بالسنة، وهذه من الكلمات الجوامع التي تجمع معاني الإسلام بألفاظ موجزة، وهذا المعنى -أي: شرح الإسلام بالسنة وشرح السنة بالإسلام- يجعلنا نقف قليلاً في شرح معاني السنة التي تتفرع عن هذا المعنى الإجمالي، فالسنة لها معان كثيرة أولها هذا المعنى الذي ذكره البربهاري ، وهو أنها تعني الإسلام بجملته، أي: ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلاً فهو السنة.

ثانياً: تطلق السنة مقابل القرآن، أي المصدر الثاني للدين، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في وصيته: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي) فجعل السنة نوعاً آخر من مصادر الدين بعد القرآن.

والمعنى الثالث: التقرير والهدي، وهذا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) يعني: جملة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال والتقريرات والهدي، وهذا المعنى يرادف المعنى الأول، لكن هذا أكثر تفصيلاً.

الرابع من معاني السنة: أنها تطلق في مقابل البدعة، يقال: هذه سنة وهذه بدعة، كما أنها تطلق مغايرة للبدعة، فالسنة خلاف البدعة، أي: ما شرع بدليل شرعي، ويقابل هذا ما جاء في بعض الآثار: ما أحدث الناس بدعة إلا تركوا من السنة مثلها، فهي تطلق مقابل البدعة.

المعنى الخامس: تطلق السنة على ما عليه السلف من العلم والعمل.

المعنى السادس: تطلق السنة مقابل الواجب، فتأتي بمعنى النافلة وبمعنى المستحب أو الأمر الشرعي غير المؤكد، وقد تطلق على المؤكد مما دون الفرض، وهذا في جانب التشريع والأحكام، وكثيراً ما يقال هذا سنة أي: ليس بفرض، أو يقال: هذه سنة أي: ليست بواجبة.

فالسنة ترادف الأمر المؤكد الذي لا يجب، أو الأمر المستحب مما دون المؤكد، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه)، فالفرض أعظم من السنة، والسنة دون الفرض.

وهذا كثير في ألفاظ الشرع وكثير أيضاً عن الأئمة والفقهاء، فقد يقولون: سنة يعني ليس بواجب وليس بمفروض، وكل هذه الإطلاقات صحيحة، لكن أشملها وأعظمها وأكثرها مدلولاً هو السنة بالمعنى الأول، أي: أنها الإسلام، وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتقاد والقول والعمل والهدي والتقرير وسائر الدين.

قال رحمه الله تعالى: [ فمن السنة لزوم الجماعة، فمن رغب غير الجماعة وفارقها، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وكان ضالاً مضلاً ].

وهذه هي الفقرة الثانية، ويمكن أن يعنون لها: بأساس السنة أو من ركائز السنة.

فمن ركائز السنة لزوم الجماعة، فهي من الأسس العظيمة للسنة، فالسنة لا تتحقق بمعناها الشامل، ولا يتحقق تطبيق الشرع كما أمر الله إلا بلزوم الجماعة بمعناها العام، أعني جماعة أهل الحق في الاعتقاد والقول والعمل، وفي مصالح الأمة العظمى.

الجماعة التي تجتمع على الإمام، وتجتمع على الحق، وتجتمع على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الهدى.

والإشارة إلى أن أساس السنة لزوم الجماعة يجعلنا نقف قليلاً عند معاني الجماعة؛ لأن الشيخ سيذكر هذه المعاني كثيراً في الكتاب كما يذكرها السلف أيضاً كثيراً، فالجماعة ترد على معان مختلفة بعضها شاملة وبعضها دون ذلك، فهي في ذلك كالسنة.

جماعة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

فأول ما تطلق الجماعة على جماعة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وهم الذين مثل بهم النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالاستمساك بالجماعة قيل: (من هم الجماعة؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي)، فالجماعة تعني النموذج الأول لجماعة المسلمين وهم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ولزومهم أي: باقتفاء أثرهم في الاعتقاد والقول والعمل.

أئمة الدين المقتدى بهم

المعنى الثاني: تطلق الجماعة على أئمة الدين المقتدى بهم، أئمة أهل السنة والجماعة، فهم أول من يندرج تحت مسمى الجماعة بعد الصحابة، في كل عصر بحسب حاله، فأئمة الدين الأحياء منهم والأموات هم الجماعة، وهم أئمة الهدى القدوات.

الاجتماع على السنة والمصالح الكبرى للأمة

المعنى الثالث: أن الجماعة قد تطلق على معنى الاجتماع على السنة والحق والمصالح الكبرى للأمة.

والاجتماع على السنة قد يكون معنى حسياً، وقد يكون حسياً واعتبارياً، وقد يكون اعتبارياً فقط، بمعنى أنه قد تتحقق الجماعة في زمن غربة الإسلام بمن يستمسك بها وإن تفاوتت أوطانهم وتباعدت أجسادهم؛ لأنهم يجتمعون على السنة، فقد تكون مجموعة منهم في هذه البلاد، وأخرى في الشام، وأخرى في أفريقيا، وثالثة في أقصى الدنيا، وقد يكون من الجماعة أفراد ولو في الصين، وقد يكون فرد على السنة والجماعة، فيدخل في مسمى الجماعة بهذا المفهوم الشرعي الأصيل.

إذاً: الجماعة هم الذين اجتمعوا على السنة وإن تفارقت أجسادهم، واجتمعوا على الحق وإن اختلفت أوطانهم وأزمانهم، وهم أيضاً من اجتمعوا على المصالح العظمى للأمة سواء في بلد معين أو في بلد مختلف.

عموم المسلمين

والمعنى الرابع للجماعة: هم عموم المسلمين الذين لا يزالون على أصل الإسلام.

قد يتمثل فيهم معنى الجماعة خاصة عندما تحيط بالأمة الأزمات والنكبات والمصائب العظمى، فإنه قد يجتمع شمل المسلمين على ما هم فيه من اختلاف في المذاهب الفقهية، وعلى ما هم فيه أحياناً من اختلاف في الآراء، فقد يتحقق فيهم المعنى العام لجماعة المسلمين ما داموا على الحق، بما في ذلك العامة وبما في ذلك الذين عندهم شيء من الأخطاء التي لا تصل إلى حد الخروج عن أهل السنة والجماعة خروجاً متعمداً، حتى من ارتكب بدعة من غير قصد يدخل في مسمى الجماعة ما لم تكن بدعته مكفرة، أما إذا قصد وصار داعية بدعة خرج من مسمى الجماعة.

إذاً: من إطلاقات الجماعة جماعة عموم المسلمين وهو ما يعبر عنه بالسواد الأعظم، وهذا مشروط بمن كان على الحق أئمتهم وولاتهم وعامتهم.

أهل الحل والعقد

الخامس من معاني الجماعة: تطلق الجماعة على أهل الحل والعقد، وهذا كثير خاصة فيما يتعلق بالوُلاية أو الوَلاية، ويتعلق بالسلطان.

فتطلق الجماعة على أهل الحل والعقد، وعلى رأسهم الولاة والعلماء، ثم من كان له أثر في الأمة بحكم مسئوليته وموقعه، فيدخل في ذلك أمراء وقواد الجيوش، ويدخل في ذلك الوزراء ورؤساء العشائر، والزعماء المطاعون في أقوامهم، ويدخل في ذلك أهل الرأي والمشورة الذين لرأيهم أثر في مصالح الأمة، وينتظم بهم معنى الجماعة عند الخطوب وإن لم يكونوا على الاستقامة.

وهذا أمر خالفت فيه جميع الفرق ولم يجتمع عليه إلا أهل السنة والجماعة، فإنهم لما نظروا إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وجدوا أنه أمر بالاجتماع على الأمراء والسلاطين، وعلى أهل الحل والعقد، وعدم الخروج عن الجماعة على هذا المعنى، حتى وإن كان في الأمراء والسلاطين تقصير وأثرة وظلم؛ لأن الاجتماع يتحقق به الخير وتندفع به المفاسد، وبالفرقة يحصل الفساد في الدنيا والدين، وهذا يخالف قواعد الدين وغايات الشرع.

إذاً: أهل الحل والعقد يدخلون في مفهوم الجماعة في كثير من الحالات، وليس في كل الحالات، إذا استغنت الأمة بإمامة راشدة وبالعلماء الراسخين فقد يجتمع فيهم جميع هذه المعاني، أما إذا تخلفت شروط الولاية، أو وجد في الأمة نقص وتقصير، فإنه لا بد أن ترجع الأمة إلى أدنى من يمكن أن يجتمع عليه، فمن اجتمعت عليه الأمة من أهل الحل والعقل فهو داخل في مفهوم الجماعة، ومن خالفهم فهو داخل في الوعيد الوارد في الخروج على الجماعة، وهذا المعنى أكثر المعاني غموضاً عند كثير من الناس، وهي التي يكون فيها الخلاف والنزاع بين أهل السنة ومخالفيهم.

الاجتماع على مصالح الناس

المعنى الأخير للجماعة: هم الفريق من الناس الذين يجتمعون على مصلحة الناس، سواء كانت دينية وهو الأولى مثل جماعة المسجد، جماعة الحي، جماعة الحسبة، جماعة الجهاد، فهؤلاء جماعة ولهم حقوق شرعية مرعية، فجماعة المسجد لها حقوق فلا تصح الصلاة للرجل إلا في المسجد، والمسجد أيضاً ينبغي أن يكون منطلق شورى لأهل الحي وجماعة المسلمين، وكثير من قضايا الأمة وعقودها الضرورية تعقد في المسجد.

فالفريق من الناس الذين يجتمعون على عمل ما سواء المصالح الدينية كما ذكرت، أو اجتماعات دنيوية كالجماعة الذين في سفر يتحقق فيهم معنى الجماعة، وقد يكون الشذوذ عنهم إثماً، حتى وإن كانت المصلحة دنيوية، لكن يتفاوت هذا الإثم، فالإثم في الخروج على الجماعة الدنيوية ليس كإثم الخروج عن الجماعة التي يتحقق بها معنى الدين ومصالح الأمة الكبرى.

إذاً: كل هذه المعاني تدخل في قول الشارح: (فمن السنة لزوم الجماعة، فمن رغب غير الجماعة وفارقها فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وكان ضالاً مضلاً)، وقد تكون بعض صور الجماعة لا يقتضي الخروج عنها الخروج من الملة، لكن الصور الكبرى التي ذكرتها وهي الأولى والثانية والثالثة وكذلك الرابعة، فهذه الغالب أنها تكون فيها المعاني الكبرى للجماعة.

فأول ما تطلق الجماعة على جماعة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وهم الذين مثل بهم النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالاستمساك بالجماعة قيل: (من هم الجماعة؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي)، فالجماعة تعني النموذج الأول لجماعة المسلمين وهم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ولزومهم أي: باقتفاء أثرهم في الاعتقاد والقول والعمل.

المعنى الثاني: تطلق الجماعة على أئمة الدين المقتدى بهم، أئمة أهل السنة والجماعة، فهم أول من يندرج تحت مسمى الجماعة بعد الصحابة، في كل عصر بحسب حاله، فأئمة الدين الأحياء منهم والأموات هم الجماعة، وهم أئمة الهدى القدوات.

المعنى الثالث: أن الجماعة قد تطلق على معنى الاجتماع على السنة والحق والمصالح الكبرى للأمة.

والاجتماع على السنة قد يكون معنى حسياً، وقد يكون حسياً واعتبارياً، وقد يكون اعتبارياً فقط، بمعنى أنه قد تتحقق الجماعة في زمن غربة الإسلام بمن يستمسك بها وإن تفاوتت أوطانهم وتباعدت أجسادهم؛ لأنهم يجتمعون على السنة، فقد تكون مجموعة منهم في هذه البلاد، وأخرى في الشام، وأخرى في أفريقيا، وثالثة في أقصى الدنيا، وقد يكون من الجماعة أفراد ولو في الصين، وقد يكون فرد على السنة والجماعة، فيدخل في مسمى الجماعة بهذا المفهوم الشرعي الأصيل.

إذاً: الجماعة هم الذين اجتمعوا على السنة وإن تفارقت أجسادهم، واجتمعوا على الحق وإن اختلفت أوطانهم وأزمانهم، وهم أيضاً من اجتمعوا على المصالح العظمى للأمة سواء في بلد معين أو في بلد مختلف.

والمعنى الرابع للجماعة: هم عموم المسلمين الذين لا يزالون على أصل الإسلام.

قد يتمثل فيهم معنى الجماعة خاصة عندما تحيط بالأمة الأزمات والنكبات والمصائب العظمى، فإنه قد يجتمع شمل المسلمين على ما هم فيه من اختلاف في المذاهب الفقهية، وعلى ما هم فيه أحياناً من اختلاف في الآراء، فقد يتحقق فيهم المعنى العام لجماعة المسلمين ما داموا على الحق، بما في ذلك العامة وبما في ذلك الذين عندهم شيء من الأخطاء التي لا تصل إلى حد الخروج عن أهل السنة والجماعة خروجاً متعمداً، حتى من ارتكب بدعة من غير قصد يدخل في مسمى الجماعة ما لم تكن بدعته مكفرة، أما إذا قصد وصار داعية بدعة خرج من مسمى الجماعة.

إذاً: من إطلاقات الجماعة جماعة عموم المسلمين وهو ما يعبر عنه بالسواد الأعظم، وهذا مشروط بمن كان على الحق أئمتهم وولاتهم وعامتهم.

الخامس من معاني الجماعة: تطلق الجماعة على أهل الحل والعقد، وهذا كثير خاصة فيما يتعلق بالوُلاية أو الوَلاية، ويتعلق بالسلطان.

فتطلق الجماعة على أهل الحل والعقد، وعلى رأسهم الولاة والعلماء، ثم من كان له أثر في الأمة بحكم مسئوليته وموقعه، فيدخل في ذلك أمراء وقواد الجيوش، ويدخل في ذلك الوزراء ورؤساء العشائر، والزعماء المطاعون في أقوامهم، ويدخل في ذلك أهل الرأي والمشورة الذين لرأيهم أثر في مصالح الأمة، وينتظم بهم معنى الجماعة عند الخطوب وإن لم يكونوا على الاستقامة.

وهذا أمر خالفت فيه جميع الفرق ولم يجتمع عليه إلا أهل السنة والجماعة، فإنهم لما نظروا إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وجدوا أنه أمر بالاجتماع على الأمراء والسلاطين، وعلى أهل الحل والعقد، وعدم الخروج عن الجماعة على هذا المعنى، حتى وإن كان في الأمراء والسلاطين تقصير وأثرة وظلم؛ لأن الاجتماع يتحقق به الخير وتندفع به المفاسد، وبالفرقة يحصل الفساد في الدنيا والدين، وهذا يخالف قواعد الدين وغايات الشرع.

إذاً: أهل الحل والعقد يدخلون في مفهوم الجماعة في كثير من الحالات، وليس في كل الحالات، إذا استغنت الأمة بإمامة راشدة وبالعلماء الراسخين فقد يجتمع فيهم جميع هذه المعاني، أما إذا تخلفت شروط الولاية، أو وجد في الأمة نقص وتقصير، فإنه لا بد أن ترجع الأمة إلى أدنى من يمكن أن يجتمع عليه، فمن اجتمعت عليه الأمة من أهل الحل والعقل فهو داخل في مفهوم الجماعة، ومن خالفهم فهو داخل في الوعيد الوارد في الخروج على الجماعة، وهذا المعنى أكثر المعاني غموضاً عند كثير من الناس، وهي التي يكون فيها الخلاف والنزاع بين أهل السنة ومخالفيهم.

المعنى الأخير للجماعة: هم الفريق من الناس الذين يجتمعون على مصلحة الناس، سواء كانت دينية وهو الأولى مثل جماعة المسجد، جماعة الحي، جماعة الحسبة، جماعة الجهاد، فهؤلاء جماعة ولهم حقوق شرعية مرعية، فجماعة المسجد لها حقوق فلا تصح الصلاة للرجل إلا في المسجد، والمسجد أيضاً ينبغي أن يكون منطلق شورى لأهل الحي وجماعة المسلمين، وكثير من قضايا الأمة وعقودها الضرورية تعقد في المسجد.

فالفريق من الناس الذين يجتمعون على عمل ما سواء المصالح الدينية كما ذكرت، أو اجتماعات دنيوية كالجماعة الذين في سفر يتحقق فيهم معنى الجماعة، وقد يكون الشذوذ عنهم إثماً، حتى وإن كانت المصلحة دنيوية، لكن يتفاوت هذا الإثم، فالإثم في الخروج على الجماعة الدنيوية ليس كإثم الخروج عن الجماعة التي يتحقق بها معنى الدين ومصالح الأمة الكبرى.

إذاً: كل هذه المعاني تدخل في قول الشارح: (فمن السنة لزوم الجماعة، فمن رغب غير الجماعة وفارقها فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وكان ضالاً مضلاً)، وقد تكون بعض صور الجماعة لا يقتضي الخروج عنها الخروج من الملة، لكن الصور الكبرى التي ذكرتها وهي الأولى والثانية والثالثة وكذلك الرابعة، فهذه الغالب أنها تكون فيها المعاني الكبرى للجماعة.




استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح السنة [3] 3358 استماع
شرح السنة [8] 3051 استماع
شرح السنة [10] 2672 استماع
شرح السنة [2] 2629 استماع
شرح السنة [13] 2617 استماع
شرح السنة [19] 2587 استماع
شرح السنة [17] 2372 استماع
شرح السنة [5] 2342 استماع
شرح السنة [14] 2281 استماع
شرح السنة [9] 2186 استماع