فتاوى نور على الدرب [456]


الحلقة مفرغة

السؤال: هناك بعض الإخوة في بعض المساجد يجهرون بقراءة القرآن قبل الصلاة مما يشوش على المصلين فما الحكم في ذلك؟

الجواب: القرآن يجوز للقارئ أن يقرأه سراً ويقرأه جهراً، وفي كل منهما خير، ويفعل الإنسان ما هو أنشط له وأخشع، فإذا كان الأنشط له والأخشع أن يقرأ سراً قرأ سراً، وإن كان الأنشط والأخشع أن يقرأ جهراً قرأ جهراً، هذا ما لم يكن في صلاة، فإن كان في صلاة فليتبع في ذلك ما جاءت به السنة من إسرار أو جهر، وهذا أيضاً ما لم يكن حوله من يشوش عليهم لو جهر، أو يؤذيهم، فإن كان حوله من يشوش عليهم لو جهر أو يؤذيهم فإنه لا يجهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يصلون أوزاعاً ويجهر بعضهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ( كلكم يناجي ربه -يعني: في صلاته- فلا يجهر بعضكم على بعض في القرآن -أو قال-: في القراءة )، وهذا الحديث صححه ابن عبد البر رحمه الله.

وبناءً عليه فإن هؤلاء الذين يقرءون القرآن قبل إقامة الصلاة جهراً ويشوشون به على غيرهم يُنهون عن ذلك، وهم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة، فإن كتاب الله عز وجل لم يجعل لإيذاء الغير، وإنما هو قربة إلى الله سبحانه وتعالى بشرط ألا يحصل به أذية على إخوانه المسلمين، ومن المعلوم أن الناس يأتون أرسالاً إلى المسجد، فمنهم من يأتي بعد الأذان بمدة، ومنهم من يأتي بعد الأذان بأقل من ذلك، ويشرعون في النافلة تحية المسجد أو غيرها، وإذا كان حول المصلي أحد يرفع صوته فإنه يشوش عليه بلا شك، ويحول بينه وبين الخشوع في صلاته، لا سيما إذا كان صاحب الصوت حسن القراءة والأداء، فإنه يأخذ بلب السامع حتى يشغله عما هو بصدد الإقبال عليه، ولهذا فإني أنصح إخواني المسلمين المحبين للخير من هذا العمل الذي يؤذون به غيرهم، وبهذه المناسبة أود أن أذكّر بعض إخواننا من الأئمة الذين يرفعون الصلاة من مكبر الصوت على المنارات؛ فإن هذا يحصل به أذية على من حولهم من المساجد، وعلى من حولهم في البيوت، فالمساجد المتقاربة يشوش بعضها على بعض إذا رفعت الصلاة من على المنارات حتى إننا سمعنا أن بعض المصلين في مساجدهم إذا سمعوا قراءة من كان حولهم انشغلوا بها عن الاستماع إلى قراءة إمامهم، قد يكون لحسن أداء القارئ، أو لقوة صوته، أو لغير ذلك مما يحصل، وسمعت أن بعض الناس ركع لمّا سمع تكبير المسجد الذي حوله يظن أن ذلك إمامه، ولا شك أن مثل هذه الأذية التي تخل بصلاة الآخرين لا شك أن الإنسان قد يأثم بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجهر الناس بعضهم على بعض في القرآن، كما أنه قد يؤذي جيران المسجد من أهل البيوت، فقد يكون في البيت من هو نائم مستغرق في النوم من أهل البيت، ومن يكون مريضاً، وقد يكون قد استراح ورقد فيستيقظ بصوت هذا القارئ، وأقول: إن من أهل البيوت من يكون نائماً ممن لا صلاة عليهم مثل المرأة الحائض مثلاً، أو ممن أدى الصلاة من أول ما سمع الأذان ثم رقد، وإلا فمن المعلوم أنه لا يحل لأحد تلزمه الجماعة أن ينام عن صلاة الجماعة في بيته ويدع المسجد.

وإني أكرر النصيحة لإخواني في هذه المسألة وأقول لهم: انظروا في المصالح، وانظروا في المفاسد، ما هي المصلحة التي تعود إلى الإمام، أو إلى المصلين خلفه، أو إلى الناس في كون الصلاة ترفع من على المنارة، أي مصلحة في ذلك؟

قد يكون في ذلك مفسدة، قد يكون بعض الكسالى يبقون في بيوتهم حتى تكون آخر ركعة، فإذا لم يبق إلا ركعة جاء يركض ويسعى سعياً شديداً، وربما يدرك هذه الركعة وربما لا يدركها، وقد اشتكى إلي بعض الناس بهذا، وقالوا: إننا نأمر أولادنا بالصلاة فيقولون: الإمام في أول الصلاة انتظروا حتى يأتي الوقت الذي ندرك به الجماعة، فالواجب على الإنسان أن يتّبع في عمله ما كان أنفع له ولغيره أن يدرأ ما فيه الضرر ويبتعد عنه، وأما ما يظنه بعض الناس من الفائدة في هذا العمل من كونه شعيرة من شعائر الإسلام وما أشبه ذلك فنقول: إن الشعيرة التي ينبغي إعلامها هو الآذان، وقد حصل، وأما الصلاة فإنها عبادة تختص بالإمام وبمن خلف الإمام فقط، وأما الخارج عن المسجد فلا علاقة له بها، اللهم إلا ما ذكرت من كونه ينتظر آخر ركعة ثم يحضر، وهذا ليس فيه فائدة بل فيه مضرة، والعاقل إذا دار فعله بين الإثم أو السلامة، فلا شك أنه سوف يدع هذا الفعل إذا كان فيه إما سالماً وإما آثماً، فكل أحد يختار أن يسلك سبيل السلامة.

السؤال: بعض المؤذنين يؤخرون الأذان حوالي نصف ساعة من موعد الأذان بسبب النوم أو العمل، فما الحكم في ذلك؟

الجواب: الواجب على من تولى عملاً أن يكون فيه ناصحاً مؤدياً بما يجب عليه، ولا سيما العمل الذي يتعلق به فعل الغير كالأذان مثلاً، الواجب على المؤذنين أن يؤدوا عملهم على الوجه الأكمل بقدر ما يستطيعون؛ لأنهم يؤذنون لأنفسهم ولغيرهم، ولا يحل لمؤذن أن يتعمد تأخير الأذان إلى نصف ساعة بعد دخول الوقت؛ لأنه بذلك يفوت على الناس فضيلة أول الوقت، وربما يكون الأذان لصلاة الفجر ويكون هناك قوم صائمون فيتأخر أكلهم إلى أذانه بعد أن طلع الفجر، أو يتأخر إفطارهم إذا كان في أذان المغرب إلى أن يؤذن هذا الرجل بعد أن يمضي وقت من غروب الشمس، فنصيحتي لإخواني المؤذنين أن يتقوا الله عز وجل وأن يتقنوا عملهم.

أما ما يطرأ على الإنسان من العذر أحياناً كما لو غلبه النوم فهذا قد يعفى عنه، وفي هذه الحال إذا كان يخشى أن يكون في أذانه تشويش، وكان المؤذنون حوله قد أسمعوا أهل حيه فإنه لا يحتاج إلى أن يؤذن في هذه الحال؛ لما يكون في أذانه من التشويش من وجه، ولما يحصل عليه من الشماتة والغيبة، ورحم الله امرئ كف الغيبة عن نفسه، أما لو كان أهل الحي لا يسمعون المؤذنين فإنه يؤذن ولو كان تأخر ثلث ساعة أو نصف ساعة، ونحن نتكلم الآن عن الشخص المعذور لا عن الشخص الذي يكون تأخيره راتباً؛ لأن من كان تأخيره راتباً بمعنى أنه لا يهتم بالأذان، ويتأخر، فإن ذلك حرام عليه، وإذا كان لا يستطيع أن يقوم بالأذان إلا على هذا الوجه فليدع الأذان إلى غيره.

السؤال: عجوز كبيرة في السن ما يقارب من ثمانين عاماً صحتها جيدة، تصوم وتصلي ولكن عند سؤالها عن ماذا تقرأ في الصلاة تبين لهم أنها لا تعرف قراءة الفاتحة، ولا التحيات، ولا التسبيح، ولا عدد الركعات، وعند المحاولة لتعليمها لم تستجب لذلك، وكذلك حاول معها بقية الإخوة ولكنهم لم يجدوا نتيجة، وقالت: هذه صلاتي لا أعرف غيرها، أرجو النصح والتوجيه في مثل هذه المسألة؟

الجواب: هذه المسألة قد تقع لأن الناس في أزمنة مضت كان عندهم جهل كثير، ولا يعرفون من العبادات إلا ما توارثوه بينهم، وبعد أن انتشر العلم واتجه الناس إلى تحقيق العمل به تبين خلل كثير في العبادات السابقة، فنقول: ما مضى من هذه المرأة من الصلوات فصحيح، وإن لم تكن قد قامت بما يجب عليها فيها؛ لأنها معذورة بالجهل.

وأما ما يستقبل فالواجب عليها أن تتعلم أمر دينها، وأن تعمل بما علمت من دين الله، ونصيحتي لها أن تتقي الله عز وجل، وألا تتهاون بالصلاة فإنها إن ماتت على هذه الحال بعد أن بلغها العلم، وعرفت الحق فإنها على خطر عظيم؛ لأنها لن تموت على السنة، فمن صلى وهو لم يقرأ الفاتحة ولا التشهد، ولا يعرف كيف يسبح، فلا صلاة له، لا شك في هذا؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، ولقوله في حديث المسيء صلاته: ( اركع حتى تطمئن راكعاً، واسجد حتى تطمئن ساجداً )، وأنصح من يقومون على هذه المرأة أن يكرروا عليها تكراراً أكيداً ملزماً بأن تقوم بما يجب عليها من الصلاة المفروضة حسب ما جاءت به الشريعة، ومع التكرار والنصح والترغيب في الخير والترهيب من المخالفة يهدي الله سبحانه وتعالى من يشاء من عباده.

السؤال: توفيت والدتي وقد كانت في أيامها الأخيرة لا تصلي، وذلك بسبب أنها كانت على غير طهارة معظم وقتها، أي: أنها كانت لا تتحكم في نفسها، وكانت تقول: إن الصلاة تتطلب طهارة وهي فقدت هذا الشرط، علماً بأنها كانت مريضة مرضاً شديداً، وكانت ترقد على الفراش أكثر من شهر ولا تستطيع الحركة، ومع ذلك كنت أوصيها بالصلاة لعلمي بأهميتها أفيدونا وانصحونا في هذا؟

الجواب: أسأل الله تعالى أن يتجاوز عن هذه المرأة بما حصل منها من تفريط، إن الواجب على المريض أن يصلي الصلاة في وقتها إلا إذا كان يشق عليه فله أن يجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء، ولا يحل له أن يؤخر الصلاة عن الوقت على أي حال كان، فإذا كان عليه نجاسة أو على ثوبه أو على فراشه ولا يستطيع التخلص منها فإنه يصلي ولو في النجاسة، وكذلك إذا كان حدثه دائماً أي: أن البول يخرج منه دائماً أو الغائط أو الريح ولا يتحكم في ذلك، فإنه يصلي ولو خرج منه شيء، إلا أنه في هذه الحال لا يتوضأ للصلاة إلا بعد دخول وقتها، ثم إنه يجب عليه أن يصلي قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، وإن لم يستطع فعلى جنب فالأمر واسع.

وأما ما تعللت به هذه المرأة من أن الصلاة لا تكون إلا على طهارة فهذا صحيح أن الصلاة لا تكون إلا على طهارة لكن هذا في حال القدرة، أما في حال العجز فقد قال الله تبارك وتعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، وقال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وعلى هذا فنقول: إنما اشتهر عند العامة من هذا القول الذي قالته المرأة: إنها لا تريد الصلاة إلا على طهر، قول باطل لا أصل له من الشرع ولا من كلام أهل العلم، فالواجب أن يصلي المريض على حسب حاله وأن يأتي بما أوجب الله عليه في صلاته بقدر مستطاعه.

السؤال: شخص توفي والداه وهما غاضبان عليه؛ لأنه كان عاقاً لهما، فقيل له: إن من عق والديه لا يجد رائحة الجنة، وبذلك فقد الأمل في دخول الجنة، ولكي لا يصاب بيأس من رحمة الله قال له شخص آخر: إنك تستطيع إرضاءهما بعد الموت وذلك بالدعاء لهما، والاستغفار لهما، والصدقة عنهما، وإن الله سبحانه وتعالى سيجمع بينكم يوم القيامة، ويخبر والديك بأنك فعلت كذا وكذا من أجلهما فإن رضيا عنك فإن الله سيعفو عنك السؤال: هل هناك أصل لما قاله هذا الشخص؟

الجواب: هذه القضية عبرة لمن اعتبر تفيد أن الإنسان العاقل ينتهز الفرصة في القيام بما أوجب الله عليه؛ لئلا تفوته الفرصة، فبإمكان هذا السائل أن يكون باراً بوالديه قبل موتهما ولكنه سوّف وأهمل وفرط، حتى فات الأوان وانتقل من الدنيا إلى الآخرة.

ولكني أقول له: إن باب التوبة مفتوح، فإذا علم الله من عبده أنه قد ندم على ما صنع واستغفر ربه، فإن الله تعالى يغفر له، ولا يترتب على فعله السابق شيء مما يكون في تركه وتضييعه فلا إثم عليه ولا عقوبة وأرجو من الأخ السائل أن يتسمع إلى هذه الآية الكريمة: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70] فهذه الجرائم العظيمة الشرك وهو أعظم الذنب، وقتل النفس وهو أعظم العدوان على البدن، والزنا وهو أعظم العدوان على العرض، إذا تاب الإنسان منها، وآمن وعمل عملاً صالحاً، فإن الله يبدل سيئاته حسنات ويغفر له، ومن المعلوم أن الشرك لا يغفره الله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48] مع هذا إذا تاب الإنسان منه غفر الله له ورحمه، وإذا اتصف بالأوصاف الثلاثة: آمن وتاب وعمل عملاً صالحاً بدل الله سيئاته حسنات، فليبشر هذا السائل إذا كان قد تاب إلى الله، وندم على ما جرى منه من تقصير في حق والديه، ليبشر بمغفرة الله له، وليسأل الله الثبات، ليكثر مما أرشده إليه أخوه من الاستغفار لوالديه والدعاء لهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، فإذا فعل ذلك عفا الله عنه وغفر له.