الأربعين النووية - الحديث الحادي عشر [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

[عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك رواه النسائي والترمذي ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح].

أيها الإخوة! هذا الحديث على قصر عبارته، وقلة ألفاظه، أصل من أصول هذا الدين، ففيه بيان مسلك الأتقياء الزاهدين الورعين الذين يخافون الله ويقدرونه حق قدره.

فضل الحسن بن علي راوي الحديث

راوي هذا الحديث هو: أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وأمه هي: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى نفسه بالبنوة تشريفاً وتكريماً حينما صعد صلى الله عليه وسلم المنبر، فأخذه وحمله وقال: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين من المسلمين).

وصفه النووي بأنه ريحانة رسول الله، والريحانة نبت معروف، وهو الريحان، وهو من أنواع النباتات العطرية، ومادة: روح مثل ريحان والارتياح تعطي الارتباط من ارتياح النفس إلى الطيب، وقد كان الحسن والحسين رضوان الله تعالى عليهما ريحانتي المصطفى، وهما سيدا شباب أهل الجنة، والريحانة استعملت هنا إما على سبيل الاستعارة، أو على سبيل الحقيقة، فالاستعارة لارتياح النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤيتهما، والحقيقة حينما يأخذهما ويشمهما فإنه يجد منهما انطلاقاً من العاطفة والرحمة- مثلما يجد من شم الريحانة بالفعل.

ونحن نشاهد هذا بين الطفل وأمه، وبين الأم وطفلها، تجد الأم لو كانت مكتئبة وولدها غائب عنها، فإذا أخذته -وخاصة إذا كان صغيراً- فإنها تقبّله وتشم رائحته، وقد قال سبحانه في قصة يعقوب مع يوسف: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ [يوسف:94]، إذاً: فهو ريحانة رسول الله إما على الحقيقة فيجد منه الريح الطيبة ويرتاح إليه، وإما على سبيل الاستعارة، فكما ترتاح النفس إلى شم الريحان فكذلك ترتاح إلى رؤيتهما، ومهما يكن من شيء فيكفي في مناقبهما رضوان الله تعالى عنهما أنهما سيدا شباب أهل الجنة.

ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعل الله أن يصلح به بين الطائفتين)، وفعلاً بعد أن توفي علي رضي الله تعالى عنه، بويع الحسن خليفة، ومكث في الخلافة ستة أشهر، قال علماء التاريخ: وهي تتمة الثلاثين عاماً المذكورة في حديث: (الخلافة ثلاثون عاماً، ثم يكون بعد ذلك الملك العضوض)، وهذا أمر تاريخي لا حاجة لنا في الخوض فيه، فبايعه أربعون ألفاً من أهل العراق، وذهب ليلتقي مع معاوية ، فلما التقى الجيشان، رأى أنه إن كان غالباً أو مغلوباً فلابد من إراقة الدماء، ولابد من قتل الأنفس، ولابد من ضحايا من الجانبين، فرأى أن يترك الأمر لـمعاوية، ولم ينازعه حقناً للدماء، وكتب شروطه وقبلت بكاملها، وحقق الله ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يصلح الله به بين طائفتين) وقالوا: إن يزيد بن معاوية بعد أن استتب الأمر لأبيه، أرسل إلى زوجة الحسن لتسمه، وكان من أمره ما كان، ونرجع إلى شرح الحديث، ولا ندخل في قضايا التاريخ.

ووصف النووي هنا الحسن بن علي بأنه سبط رسول الله، والسبط ولد البنت، قال: حفظت، وهو رضي الله تعالى عنه ولد في السنة الثالثة من الهجرة، ومعنى ذلك أنه أدرك من حياة رسول الله سبع سنوات، وفي هذه الحالة إذا روى حديثاً فإنه يحتاج إلى التثبت وإلى التأكد؛ ولذا يقول: حفظت، ومن كان في سن السابعة يحفظ، ومن هنا قال: حفظت من رسول الله، وأحاديثه قليلة؛ لأنه -كما أشرنا- توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنوات، فمما حفظ قوله صلى الله عليه وسلم: (دع) بمعنى: اترك (ما يريبك إلى مالا يريبك) (ما) من صيغ العموم، وهي بمعنى: الذي، والريبة: الشك واللبس كما في قوله سبحانه: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2] أي: لا شك ولا لبس فيه، والشيء الذي فيه الريبة، والذي فيه الشك واللبس بخلاف ذلك، وقوله: (دع ما يريبك) أي: اترك الشكوك وما فيه الريبة في نفسك إلى ما لا ريبة ولا شك فيه، وعليك بما كان خالصاً واضحاً لا لبس فيه ولا شك فيه.

وهذا الأمر (دع) فعل أمر بمعنى اترك؛ لأن (دع) ليس لها ماض، ولها مضارع (يدع)، فدع فعل أمر أغفل ماضيه.

هل الأمر في هذا الحديث للاستحباب أم للوجوب؟

هل الأمر بترك ما يريب على سبيل الاستحباب أو على سبيل الوجوب؟

المتأمل في أحاديث هذه الأربعين النووية المباركة، يجد حديثين سوى هذا في هذا الباب، تقدم حديث: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه)، إذاً: الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، والشبه تورث الريبة، فمن وقع في المشتبهات جره ذلك إلى الحرام، ومن ترك الشبهات كانت حمىً وحاجزاً ووقاية له عن الوصول إلى منطقة الحرام، فحديث: (دع ما يريبك) للتوجيه، ولكن الناس في ذلك ليسوا سواء، والحديث الثالث هو الحديث السابع والعشرون من هذه المجموعة، وهو حديث: (جئت تسأل عن البر؟ البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في الصدر، وكرهت أن يطلع عليه الناس)، فالأمر المريب هو: الذي أحسست فيه بالإثم، وأحسست بأنه يحوك في صدرك، وخشيت أن يطلع عليه الناس، فهذه الأحاديث الثلاثة في هذا الموضوع تبين بمجموعها منهج الورع في الإسلام حقاً.

وصور ترك الريبة في الإسلام كثيرة، ويذكر العلماء أموراً يجب على كل مسلم أن ينظر إليها، وأن يقف عندها، فترك الريبة استبراء للدين والعرض، وإذا نظرنا إلى الحديث السابق عرفنا مدى أثر هذا الحديث وتأثيره في حياة المسلم، ففي الحديث العاشر الذي قبل هذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)، وقال: (إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172])، فأمر الرسل وأمر المؤمنين بالأكل من الطيبات، وعمل الصالحات، والحلال الطيب هو: الذي لا شبهة ولا ريبة فيه، ولذا ذكر بعده: (الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء، يقول: يا رب! يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟).

وذكر الرجل الذي يطيل السفر أشعث أغبر؛ لأن المسافر تستجاب دعوته، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة تستجاب دعوتهم: الصائم، والمسافر، والمظلوم)، فالمسافر من ضمن الثلاثة الذين تستجاب دعوتهم، وهذا الرجل مع كونه ممن تستجاب دعوته ولكن لا يستجاب له، لوجود المانع القائم، ألا وهو أنه يأكل الحرام، ويشرب الحرام، ويلبس الحرام، وغذي بالحرام، فتناول الحرام مانع من استجابة الدعاء. وكيف تتجنب الحرام؟ أتى النووي بهذا الحديث هنا ليبين بأن من كمال تجنب الحرام حتى تستجاب الدعوة أن تدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وكأنه يقول: لا يتم اجتناب الحرام ولا يتم اكتمال الحلال إلا بترك ما فيه ريبة.

ولذا يقولون: الورع هو: أن تترك مالا بأس به خشية مما فيه بأس، تترك الشيء الذي لا بأس فيه ولا شبهة فيه مخافة أن تقع فيما فيه بأس، فمن سد الذرائع: ترك المباح مخافة من الوقوع فيما ليس بمباح، وهذا هو الورع، فكل ما يحيك في صدر الإنسان فهو شبهة فليتركه.

راوي هذا الحديث هو: أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وأمه هي: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى نفسه بالبنوة تشريفاً وتكريماً حينما صعد صلى الله عليه وسلم المنبر، فأخذه وحمله وقال: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين من المسلمين).

وصفه النووي بأنه ريحانة رسول الله، والريحانة نبت معروف، وهو الريحان، وهو من أنواع النباتات العطرية، ومادة: روح مثل ريحان والارتياح تعطي الارتباط من ارتياح النفس إلى الطيب، وقد كان الحسن والحسين رضوان الله تعالى عليهما ريحانتي المصطفى، وهما سيدا شباب أهل الجنة، والريحانة استعملت هنا إما على سبيل الاستعارة، أو على سبيل الحقيقة، فالاستعارة لارتياح النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤيتهما، والحقيقة حينما يأخذهما ويشمهما فإنه يجد منهما انطلاقاً من العاطفة والرحمة- مثلما يجد من شم الريحانة بالفعل.

ونحن نشاهد هذا بين الطفل وأمه، وبين الأم وطفلها، تجد الأم لو كانت مكتئبة وولدها غائب عنها، فإذا أخذته -وخاصة إذا كان صغيراً- فإنها تقبّله وتشم رائحته، وقد قال سبحانه في قصة يعقوب مع يوسف: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ [يوسف:94]، إذاً: فهو ريحانة رسول الله إما على الحقيقة فيجد منه الريح الطيبة ويرتاح إليه، وإما على سبيل الاستعارة، فكما ترتاح النفس إلى شم الريحان فكذلك ترتاح إلى رؤيتهما، ومهما يكن من شيء فيكفي في مناقبهما رضوان الله تعالى عنهما أنهما سيدا شباب أهل الجنة.

ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعل الله أن يصلح به بين الطائفتين)، وفعلاً بعد أن توفي علي رضي الله تعالى عنه، بويع الحسن خليفة، ومكث في الخلافة ستة أشهر، قال علماء التاريخ: وهي تتمة الثلاثين عاماً المذكورة في حديث: (الخلافة ثلاثون عاماً، ثم يكون بعد ذلك الملك العضوض)، وهذا أمر تاريخي لا حاجة لنا في الخوض فيه، فبايعه أربعون ألفاً من أهل العراق، وذهب ليلتقي مع معاوية ، فلما التقى الجيشان، رأى أنه إن كان غالباً أو مغلوباً فلابد من إراقة الدماء، ولابد من قتل الأنفس، ولابد من ضحايا من الجانبين، فرأى أن يترك الأمر لـمعاوية، ولم ينازعه حقناً للدماء، وكتب شروطه وقبلت بكاملها، وحقق الله ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يصلح الله به بين طائفتين) وقالوا: إن يزيد بن معاوية بعد أن استتب الأمر لأبيه، أرسل إلى زوجة الحسن لتسمه، وكان من أمره ما كان، ونرجع إلى شرح الحديث، ولا ندخل في قضايا التاريخ.

ووصف النووي هنا الحسن بن علي بأنه سبط رسول الله، والسبط ولد البنت، قال: حفظت، وهو رضي الله تعالى عنه ولد في السنة الثالثة من الهجرة، ومعنى ذلك أنه أدرك من حياة رسول الله سبع سنوات، وفي هذه الحالة إذا روى حديثاً فإنه يحتاج إلى التثبت وإلى التأكد؛ ولذا يقول: حفظت، ومن كان في سن السابعة يحفظ، ومن هنا قال: حفظت من رسول الله، وأحاديثه قليلة؛ لأنه -كما أشرنا- توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنوات، فمما حفظ قوله صلى الله عليه وسلم: (دع) بمعنى: اترك (ما يريبك إلى مالا يريبك) (ما) من صيغ العموم، وهي بمعنى: الذي، والريبة: الشك واللبس كما في قوله سبحانه: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2] أي: لا شك ولا لبس فيه، والشيء الذي فيه الريبة، والذي فيه الشك واللبس بخلاف ذلك، وقوله: (دع ما يريبك) أي: اترك الشكوك وما فيه الريبة في نفسك إلى ما لا ريبة ولا شك فيه، وعليك بما كان خالصاً واضحاً لا لبس فيه ولا شك فيه.

وهذا الأمر (دع) فعل أمر بمعنى اترك؛ لأن (دع) ليس لها ماض، ولها مضارع (يدع)، فدع فعل أمر أغفل ماضيه.