خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/68"> الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/68?sub=33614"> شرح كتاب زاد المستقنع
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح زاد المستقنع باب القطع في السرقة [1]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.
أما بعد:
قال المصنف رحمه الله: [ باب القطع في السرقة ].
القطع هو: الفصل بين الشيئين، وفصل الشيء عن الشيء، والمراد به هنا: قطع اليد من السارق.
وقوله رحمه الله: (في السرقة) أي: في حد السرقة.
والسرقة في لغة العرب مأخوذة من: سرق الشيء، إذا أخذه على وجه الخفية، وكل شيء يقع على وجه الخفية يسمى سرقة، ومنه مسارقة النظر، وهو أن ينظر إلى الشيء دون أن ينتبه الغير إليه، ومنه استراق السمع، كما يكون من الشياطين كما أخبر الله تعالى: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ [الحجر:18] .
والسرقة: أخذ المال المحترم شرعاً على وجه الخفية من حرز مثله بالغ النصاب من مكلف ملتزم مختار، فإذا وقعت السرقة على هذا الوجه انطبقت عليها أحكام هذا الحد الشرعي.
وحد السرقة من الحدود التي أجمع العلماء رحمهم الله عليها، وثبت بها دليل الكتاب والسنة، قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38]، وهي من التشريع المدني.
وثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قطع في السرقة، فقطع عليه الصلاة والسلام يد المخزومية التي كانت تسرق وتستعير المتاع ثم تجحده، كما ثبت في السنة الصحيحة عنه عليه الصلاة والسلام، وقال في خطبته المشهورة حينما سألت قريش أسامة رضي الله عنه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنها، فقال: (أتكلمني في حد من حدود الله؟) ، وفي بعض الروايات: (أتشفع في حد من حدود الله؟) فاعتبر السرقة حداً من حدود الله، وقال عليه الصلاة والسلام: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم القوي -وفي لفظ: الشريف- تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده! لو أن
وبيّن صلى الله عليه وسلم أن هذا الحد ليس خاصاً بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من الشرائع الموجودة فيمن قبلنا، بدليل قوله: (كانوا إذا سرق فيهم القوي تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه) ، وهذا يدل على أن حد السرقة ليس من الحدود التي تختص بها الأمة المحمدية.
وأجمع العلماء رحمهم الله على مشروعية القطع في حد السرقة، وفعل ذلك الأئمة والخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وفعله أئمة الصحابة رضي الله عن الجميع وأرضاهم، فالإجماع منعقد على هذا الحد الشرعي.
وفي حد السرقة صيانة لأموال الناس، فكما أمر الله عز وجل بحفظ الدين، وبحفظ النفس من القتل، وبحفظ العرض من الانتهاك بالقول كما في القذف، وبالفعل كما في الزنا، شرع سبحانه وتعالى حد السرقة صيانة لأموال الناس من اعتداء المعتدين عليها، وهذا الحد فيه صيانة لحقوق الناس، وكبح لجماح الأنفس الدنيئة التي تعتدي على أموال الناس، وفيه زجر لأهل العقول السليمة عن الوقوع في رذيلة السرقة، ومن نظر إلى قوة هذا الحد ربما استغرب من شدة ألمه وعظيم موقعه، كيف تُقطع اليد من السارق لقاء هذا المال، مع أن حرمة الجسد أعظم من حرمة المال؟ ولكن من تأمل ما الذي يقع وما الذي يحدث للمسروق منه إذا أُخذ ماله من القهر والأذية والضرر والظلم وجد في هذا الحد حكمة عظيمة، ووجد فيه عدل الله جل وعلا الذي قامت عليه السموات والأرض.
ولذلك استشكل الزنادقة والملحدون هذا الحد من حدود الله، وأوردوا الاعتراض على الشريعة، حتى قال بعضهم: إن الشريعة تناقضت، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، ونسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وقهره لخلقه أن يقطع ألسنة أهل الزيغ وأهل الفساد، فقالوا: كيف إذا قطع الرجل يد الرجل وجب القصاص، وإذا قطعها خطأً وجب الضمان بنصف الدية، ثم إذا سرق ربع دينار قطعت يده؟ فكيف تضمن هذه اليد بنصف الدية ثم تقطع في ربع دينار؟ فظنوا أن هذا من التناقض قاتلهم الله! وهذا من انطماس بصائرهم حتى قال قائلهم:
تناقض مالنا إلا السكوت عليـه وأن نعوذ ببارينا من النار
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
فقال له القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله:
قل للمعري: عار أيما عار لبس الفتى وهو عن ثوب التقى عاري
عز الأمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
فلما عزت وصانت كانت كريمة، ولما هانت وسرقت واعتدت أصبحت رخيصة وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]، فالله يضع الرحمة حيث توضع الرحمة لمن يستحقها، ويوجب العقاب والعذاب على من يستحقه، ومن هنا لا تعارض في الشريعة؛ لأنها صانت اليد وهي كريمة، وقطعتها وهي خائنة لئيمة، والحكمة تقتضي وضع الشيء في موضعه.
فقوله: [باب القطع في السرقة] أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بقطع يد السارق.
قال المصنف رحمه الله: [إذا أخذ الملتزم]
السرقة لا تكون إلا بصفة محدودة، وضبطت بالأدلة الشرعية، وهذه الصفة إذا وجدت حكم بثبوت الحد، وإذا فقدت فإنه لا يقام الحد.
ومن هنا بيّن رحمه الله أن السرقة أخذ، وعلى هذا لو هجم رجل على مال يريد أن يسرقه فكشف أمره قبل أن يخرج به من حرزه ويتحقق الأخذ لم تقطع يده، فمثلاً: لو أنه كسر باب العمارة أو باب الشقة، أو دخل إلى الغرفة التي فيها النقود والأموال وكسر الباب أو عالجه فانفتح، ودخل وكسر الأقفال الموجودة على الصناديق، وقبل أن يأخذ المال ويخرج من هذا الحرز الذي هو حرز للمال أخذ، فلا تقطع يده حيث لم تتحقق السرقة.
وعليه فلا بد من وجود الأخذ، حتى ولو حصل الأخذ بدون استصحاب منه، مثل: أن يكسر القفل ويأخذ ما قيمته النصاب، ثم يرميه من وراء الجدر، ثم يكشف أمره، فهنا قد حصل الأخذ؛ لأنه قد خرج المال من حرزه وهو نصاب ومال محترم شرعاً، وحينئذٍ تتحقق السرقة.
إذاً: لابد من وجود الأخذ، فإذا لم يقع الأخذ لم نحكم بثبوت الحد.
والسرقة تتعلق بالسارق والمسروق وفعل السرقة، هذه ثلاثة أركان تتحقق بها السرقة، ففعل السرقة في قوله: (أخذ)، وهذا الأخذ له ضوابطه، وسيبين رحمه الله الشروط المعتبرة للحكم بكون السارق قد تحقق فيه ما يوجب القطع بالأخذ المعتبر.
والسارق هو الركن الثاني، والسارق يشترط فيه:
أولاً: أن يكون مكلفاً، فالصبي لا تقطع يده، وكذا المجنون لا قطع عليه بإجماع العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (رفع القلم عن ثلاثة -وذكر منهم- الصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق)، فإذا سرق وهو صبي أو مجنون فإنه غير مكلف.
ثانياً: أن يكون مختاراً، فلو أكره على السرقة، كما يقع في العصابات، حينما يكره بعض أفرادها، فيهدد بالقتل أو يهدد بالضرر على الوجه والشروط التي ذكرناها في تحقق شرط الإكراه، فإذا هدد وتحقق فيه شرط الإكراه وقالوا له: إذا لم تذهب معنا وتسرق فإننا نقتلك، أو نقتل ابنك، أو نؤذيك أذية هي أعظم من السرقة، فإذا تحقق فيه شرط الإكراه فإنه لا يقطع.
وعلى هذا ينبغي أن يكون مكلفاً بالبلوغ والعقل، وأن يكون مختاراً لا مكرهاً على السرقة.
ثالثاً: أن يكون ملتزماً بأحكام الشريعة الإسلامية، سواءً كان من المسلمين أو من أهل الكتاب كالذميين فإنهم التزموا بالعهد بأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وخاصة على القول بأنه يقام عليهم حكم الله عز وجل إذا تخاصموا إلينا، وأنهم مخاطبون بفروع الشريعة، فيشترط أن يكون ملتزماً مسلماً أو ذمياً، وخرج بهذا الحربي، فالحربي غير ملتزم بأحكام الشريعة، وكذلك -كما قيل-: المستأمن، فإن المستأمن إذا أخذ له الأمان فإنه في مذهب بعض العلماء غير ملتزم.
ومن هنا يشترط في السارق أن يكون مكلفاً ملتزماً مختاراً، فإذا تخلف أحد هذه الشروط لم يقطع، فبيّن رحمه الله شرط الالتزام بأحكام الشريعة.
اشتراط النصاب
هذا يتعلق بالركن الثالث، وهو: المال المسروق، فعندنا السارق والمسروق وفعل السرقة، فلما قال رحمه الله: (نصاباً) بين الركن الثالث، وهو: أن يكون المال المسروق نصاباً، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا قطع إلا في ربع دينار) كما في الصحيح، وكذلك في حديث السنن: (لا تقطعوا إلا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما دون ذلك)، وهذا يدل على أنه ينبغي التقيد بالنصاب، وقال في حديث الثمر: (فإذا أواه الجرين ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن)، والمجن هو الدرع الذي كان يستر المقاتل، وكانت قيمته تساوي ربع دينار أو أكثر من ربع دينار، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت عن ثمن المجن فقالت: ربع دينار، ففسرت الحديث بما يتفق مع الأصل، فالنصاب ربع الدينار، وسيأتي تفصيله -إن شاء الله-، وفيه خلاف عن السلف رحمهم الله، ولكن الربع دينار هو الذي دلت عليه النصوص الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: يشترط في هذا المال المسروق: أن يكون قد بلغ النصاب، فإذا كانت قيمته دون ربع الدينار فإنه لا تقطع يد السارق، فلو أنه سرق كتاباً أو قلماً أو ثوباً أو نحو ذلك مما قيمته لا تساوي الربع الدينار أو ما يعادله من الدراهم، فإنه لا يقطع.
وذهب بعض العلماء إلى عدم اشتراط النصاب وهم الظاهرية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة والحبل فتقطع يده) وقد أجيب عن هذا الحديث بأن المراد به الوعيد، فلا يلتفت إلى حقيقة ما ذكر فيه، وهذا شأن أحاديث الوعيد، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عقرى حلقى)، وليس المراد: عقرها الله، حلقها الله، وقال: (ثكلتك أمك يا
وقيل: إن الحبل يساوي ربع دينار في السفن، والبيضة المراد بها: بيضة المقاتل، وهي التي تلبس في القتال، وقيمتها ربع دينار فأكثر، وليس المراد بها البيضة من نتاج الدجاج.
وعلى كل حال سيأتي إن شاء الله بيان هذه المسألة، وأن الصحيح اعتبار النصاب؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص وقال: (لا قطع إلا في ربع دينار)، وهذا نص صريح، ولا يعارضه المحتمل، ولأننا لا ندري هل تأخر حديث: (لعن الله السارق) أو تقدم؟ ومن هنا لا يقوى على المعارضة من كل وجه، فيشترط في ثبوت حد السرقة: أن يكون المال المسروق نصاباً.
اشتراط الحرز
أصل الحرز: الحصن، والشيء المحفوظ فيما يحفظ فيه مثله يقال عنه: في حرز، والأحراز تكون في الأموال متفاوتة، وتتفاوت بحسب الزمان وبحسب المكان وبحسب الظروف والأشخاص، ومن هنا ينقسم الحرز إلى قسمين:
الأول: ما يكون حرزاً بنفسه، مثل الدور والعمائر والشقق والبساتين، فهذه حرز بنفسها، بمعنى: أن عليها البناء والأغلاق، وفي حكمها الدكاكين، والحوانيت، والأحواش المسورة، فهذه أحراز بنفسها، ولذلك من تسور فدخلها ثم أخذ منها فقد أخذ من حرز.
النوع الثاني من الحرز: حرز الحافظ، أو ما يقول العلماء عنه: حرز الغير، فهناك ما هو حرز بنفسه، وهناك ما هو حرز بغيره، والحرز بغيره هو المكان، ووضعوا ضابطاً يفرق بينه وبين الأول، فقالوا: حرز المكان هو الذي لا يدخل الشخص إلا بإذن من صاحبه، فالعمارة حرز مكان وحرز بالنفس، وهكذا الشقة والغرفة والمكتب إذا كان خاصاً بالشخص، فهذا حرز بنفسه، لا يدخله الغير إلا بإذن من صاحبه، وحرز الغير هو الذي يكون بالحافظ ويقع في الأشياء أو في الأموال أو في الأماكن العامة.
فمثلاً: الأماكن العامة كالمساجد، ولو أن شخصاً سرق من مسجد فليس بسارق؛ لأن المسجد يرتاده الناس، ومفتوح للعامة، ومن هنا ليس له حرز، وليس حرزاً بنفسه، وإنما هو حرز بالحافظ، فلو نام شخص في المسجد ووضع كساءه أو ثوبه أو شنطته التي فيها النقود تحت رأسه فسرقها أحد فإنها تعتبر في حرز، ولذلك لما سُرِقَ رداء صفوان رضي الله عنه في المسجد من تحت رأسه، قطع النبي صلى الله عليه وسلم يد السارق؛ لأنه حينما وضعه تحت رأسه فقط حرزه وحفظه، صحيح أن المسجد عام لكنه حينما قام على ماله ووضعه على وجه يصان به فإنه حرز حفظ، فإذا سرقه من تحت رأسه أو جذب الفراش من تحته أو نحو ذلك فإنه يعتبر قد أخذ من حرز.
وهكذا بالنسبة لحرز الغير، الإبل إذا كانت ترعى فإن حرزها بوجود الراعي معها، فإذا سرقها والراعي معها فهي سرقة من حرز، وإذا سرقها والراعي نائم فليست بسرقة من حرز، لابد من وجود الحفظ والصيانة فيما هو سائب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ليس في حريسة الجبل قطع حتى تأوي إلى المراح)، فجعل الإبل وهي بين الجبال أو في الموضع راعية سائمة ليس فيها قطع؛ لأنها ليست في حرز، فإذا حفظت بالحافظ والأمين فإنه حينئذٍ تكون في حرز.
أن يكون المال المسروق محترماً
يشترط في السرقة أن يكون المال المأخوذ مالاً معصوماً، فخرج المال غير المعصوم، والمراد بالعصمة: عصمة الإسلام، وعبر الفقهاء بهذا المصطلح انتزاعاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله -وفي لفظ- حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم...) الحديث، فقوله: (قد عصموا) المراد بها: عصمة الإسلام، وعصمة الإسلام يدخل فيها الأمان والعهد للذمي، فإذا اعتدي على مال مسلم فهو اعتداء على مال معصوم، وإذا اعتدي على مال ذمي فهو اعتداء على مال معصوم؛ لأنه بموجب العهد يكون للذمي ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين.
وخرج بهذا الحربي، فلو أنه مثلاً كان في القتال وتوقف مثلاً أو تقابل الزحفان ولم يحصل بينهما قتال فانسل مسلم وأخذ على وجه الخفية شيئاً منه فهي ليست بسرقة شرعية؛ لأن هذا من إغاظة الكافر بإيذائه في ماله إذا كان محارباً، ومن هنا لا تعتبر سرقة؛ لأن المال الذي أخذه مال غير معصوم.
ألا يكون في المال المسروق شبهة للسارق
الشبيه: المثيل، وهذا يشبه هذا إذا كان قريباً منه في الصفات، والشبهة: أن يكون للإنسان شبهة في الملك، كما في السيد في مال عبده، والوالد في مال ولده، على تفصيل عند العلماء، وسيأتي إن شاء الله بيان ضوابط هذه الشبهة، ومتى تؤثر، ومتى لا تؤثر، والأصل في اشتراط عدم الشبهة قوله عليه الصلاة والسلام: (ادرءوا الحدود بالشبهات) فأمرنا أن نتقي الشبهات، وإذا وجدت في السارق شبهة، أو في المال المسروق شبهة توجب سقوط الحد وكانت مؤثرة فإنه لا حد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن ندرأ الحدود وندفعها بالشبهات.
أن يؤخذ المال المسروق خفية
أن تكون هذه السرقة على وجه الاختفاء، وهذا أصل في السرقة، ومن هنا لو كانت السرقة عياناً بياناً أمام الناس، مثل: الغصب، فلو جاء واغتصب سيارته، أو أنزله من سيارته ثم أخذها بالغصب والقوة، فهذه ليست بسرقة، لكن لو أنه جاء إلى السيارة وهي في (كراجها) ومكان حفظها وحرزها ففتحها وأخرجها من مكان هو حرز لمثلها؛ فقد حصلت السرقة.
فلا بد من وجود هذا الشرط: أن يكون على سبيل الخلسة والاختفاء، فلو كان على سبيل الظهور كما في الغاصب فإنه لا يقطع، وكما في المنتهب، والنهبة تكون بإغارة بعض القبائل على بعض، أو الجماعات على بعضهم، فهذا لا يعتبر سرقة، فقد كانوا في القديم يغيرون ويأخذون الإبل ويستاقونها، ويكون هذا على مرأى ومسمع، وهذا ليس بسرقة، إنما السرقة على وجه الخفية، ونفس مصطلح السرقة يتضمن ذلك، وهو وجود الخفية وعدم الظهور.
قال المصنف رحمه الله: [إذا أخذ الملتزم نصاباً].
هذا يتعلق بالركن الثالث، وهو: المال المسروق، فعندنا السارق والمسروق وفعل السرقة، فلما قال رحمه الله: (نصاباً) بين الركن الثالث، وهو: أن يكون المال المسروق نصاباً، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا قطع إلا في ربع دينار) كما في الصحيح، وكذلك في حديث السنن: (لا تقطعوا إلا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما دون ذلك)، وهذا يدل على أنه ينبغي التقيد بالنصاب، وقال في حديث الثمر: (فإذا أواه الجرين ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن)، والمجن هو الدرع الذي كان يستر المقاتل، وكانت قيمته تساوي ربع دينار أو أكثر من ربع دينار، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت عن ثمن المجن فقالت: ربع دينار، ففسرت الحديث بما يتفق مع الأصل، فالنصاب ربع الدينار، وسيأتي تفصيله -إن شاء الله-، وفيه خلاف عن السلف رحمهم الله، ولكن الربع دينار هو الذي دلت عليه النصوص الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: يشترط في هذا المال المسروق: أن يكون قد بلغ النصاب، فإذا كانت قيمته دون ربع الدينار فإنه لا تقطع يد السارق، فلو أنه سرق كتاباً أو قلماً أو ثوباً أو نحو ذلك مما قيمته لا تساوي الربع الدينار أو ما يعادله من الدراهم، فإنه لا يقطع.
وذهب بعض العلماء إلى عدم اشتراط النصاب وهم الظاهرية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة والحبل فتقطع يده) وقد أجيب عن هذا الحديث بأن المراد به الوعيد، فلا يلتفت إلى حقيقة ما ذكر فيه، وهذا شأن أحاديث الوعيد، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عقرى حلقى)، وليس المراد: عقرها الله، حلقها الله، وقال: (ثكلتك أمك يا
وقيل: إن الحبل يساوي ربع دينار في السفن، والبيضة المراد بها: بيضة المقاتل، وهي التي تلبس في القتال، وقيمتها ربع دينار فأكثر، وليس المراد بها البيضة من نتاج الدجاج.
وعلى كل حال سيأتي إن شاء الله بيان هذه المسألة، وأن الصحيح اعتبار النصاب؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص وقال: (لا قطع إلا في ربع دينار)، وهذا نص صريح، ولا يعارضه المحتمل، ولأننا لا ندري هل تأخر حديث: (لعن الله السارق) أو تقدم؟ ومن هنا لا يقوى على المعارضة من كل وجه، فيشترط في ثبوت حد السرقة: أن يكون المال المسروق نصاباً.
قال المصنف رحمه الله: [من حرز مثله].
أصل الحرز: الحصن، والشيء المحفوظ فيما يحفظ فيه مثله يقال عنه: في حرز، والأحراز تكون في الأموال متفاوتة، وتتفاوت بحسب الزمان وبحسب المكان وبحسب الظروف والأشخاص، ومن هنا ينقسم الحرز إلى قسمين:
الأول: ما يكون حرزاً بنفسه، مثل الدور والعمائر والشقق والبساتين، فهذه حرز بنفسها، بمعنى: أن عليها البناء والأغلاق، وفي حكمها الدكاكين، والحوانيت، والأحواش المسورة، فهذه أحراز بنفسها، ولذلك من تسور فدخلها ثم أخذ منها فقد أخذ من حرز.
النوع الثاني من الحرز: حرز الحافظ، أو ما يقول العلماء عنه: حرز الغير، فهناك ما هو حرز بنفسه، وهناك ما هو حرز بغيره، والحرز بغيره هو المكان، ووضعوا ضابطاً يفرق بينه وبين الأول، فقالوا: حرز المكان هو الذي لا يدخل الشخص إلا بإذن من صاحبه، فالعمارة حرز مكان وحرز بالنفس، وهكذا الشقة والغرفة والمكتب إذا كان خاصاً بالشخص، فهذا حرز بنفسه، لا يدخله الغير إلا بإذن من صاحبه، وحرز الغير هو الذي يكون بالحافظ ويقع في الأشياء أو في الأموال أو في الأماكن العامة.
فمثلاً: الأماكن العامة كالمساجد، ولو أن شخصاً سرق من مسجد فليس بسارق؛ لأن المسجد يرتاده الناس، ومفتوح للعامة، ومن هنا ليس له حرز، وليس حرزاً بنفسه، وإنما هو حرز بالحافظ، فلو نام شخص في المسجد ووضع كساءه أو ثوبه أو شنطته التي فيها النقود تحت رأسه فسرقها أحد فإنها تعتبر في حرز، ولذلك لما سُرِقَ رداء صفوان رضي الله عنه في المسجد من تحت رأسه، قطع النبي صلى الله عليه وسلم يد السارق؛ لأنه حينما وضعه تحت رأسه فقط حرزه وحفظه، صحيح أن المسجد عام لكنه حينما قام على ماله ووضعه على وجه يصان به فإنه حرز حفظ، فإذا سرقه من تحت رأسه أو جذب الفراش من تحته أو نحو ذلك فإنه يعتبر قد أخذ من حرز.
وهكذا بالنسبة لحرز الغير، الإبل إذا كانت ترعى فإن حرزها بوجود الراعي معها، فإذا سرقها والراعي معها فهي سرقة من حرز، وإذا سرقها والراعي نائم فليست بسرقة من حرز، لابد من وجود الحفظ والصيانة فيما هو سائب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ليس في حريسة الجبل قطع حتى تأوي إلى المراح)، فجعل الإبل وهي بين الجبال أو في الموضع راعية سائمة ليس فيها قطع؛ لأنها ليست في حرز، فإذا حفظت بالحافظ والأمين فإنه حينئذٍ تكون في حرز.
قال المصنف رحمه الله: [من مال معصوم].
يشترط في السرقة أن يكون المال المأخوذ مالاً معصوماً، فخرج المال غير المعصوم، والمراد بالعصمة: عصمة الإسلام، وعبر الفقهاء بهذا المصطلح انتزاعاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله -وفي لفظ- حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم...) الحديث، فقوله: (قد عصموا) المراد بها: عصمة الإسلام، وعصمة الإسلام يدخل فيها الأمان والعهد للذمي، فإذا اعتدي على مال مسلم فهو اعتداء على مال معصوم، وإذا اعتدي على مال ذمي فهو اعتداء على مال معصوم؛ لأنه بموجب العهد يكون للذمي ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين.
وخرج بهذا الحربي، فلو أنه مثلاً كان في القتال وتوقف مثلاً أو تقابل الزحفان ولم يحصل بينهما قتال فانسل مسلم وأخذ على وجه الخفية شيئاً منه فهي ليست بسرقة شرعية؛ لأن هذا من إغاظة الكافر بإيذائه في ماله إذا كان محارباً، ومن هنا لا تعتبر سرقة؛ لأن المال الذي أخذه مال غير معصوم.
قال المصنف رحمه الله: [لا شبهة له فيه].
الشبيه: المثيل، وهذا يشبه هذا إذا كان قريباً منه في الصفات، والشبهة: أن يكون للإنسان شبهة في الملك، كما في السيد في مال عبده، والوالد في مال ولده، على تفصيل عند العلماء، وسيأتي إن شاء الله بيان ضوابط هذه الشبهة، ومتى تؤثر، ومتى لا تؤثر، والأصل في اشتراط عدم الشبهة قوله عليه الصلاة والسلام: (ادرءوا الحدود بالشبهات) فأمرنا أن نتقي الشبهات، وإذا وجدت في السارق شبهة، أو في المال المسروق شبهة توجب سقوط الحد وكانت مؤثرة فإنه لا حد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن ندرأ الحدود وندفعها بالشبهات.