خطب ومحاضرات
بشائر ومبشرات
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
هذه ليلة الإثنين الموافق للتاسع عشر من الشهر العاشر للعام (1415هـ) وفي هذا الجامع المبارك بمدينة عيون الجوى يتجدد اللقاء مع هذه الوجوه الطيبة المباركة، وموضوع هذا اللقاء هو بعنوان (بشائر ومبشرات).
وفي وقت تكالبت فيه المصائب والمحن على المسلمين، والجراح تنزف في كل جزء من جسد هذه الأمة، وتحشرجت فيه النفوس، وضاقت فيه القلوب، حتى أصاب كثيراً من الناس اليأس والقنوط، فما إن تذكر الأمة الإسلامية حتى تسمع الزفرات والآهات والحوقلة والاسترجاع وكأن الأسباب تقطعت، والآمال تدثرت.
أيها الأحبة: في هذا الوقت العصيب، وفي مثل هذه الظروف أزف إليكم هذه البشائر وهذه المبشرات.
أزفها إليكم لترسم أشعة الفجر الجديد، ولتملأ النفوس المسلمة بالثقة واليقين، وأزفها إليكم لتشعر القلوب الحية بالعزة والتمكين، وليشْرَق بها أعداء الدين، وليغُصَ بها المنافقون والمبطلون.
أسوق إليكم هذه البشائر والمبشرات، وأزفها إليكم تذكيراً للغافل، وتنشيطاً للذاكر .. أزف إليكم هذه لتحيا بها النفوس الأبيّات.
بشراكم أيها الأحبة! إن ميلاد الأمة قريب، ولا بد للميلاد من مخاض ولا بد للمخاض من آلام، ومن رحم الظلام يخرج النور.
والليل إن تشتد ظلمته فإن الفجر لاح |
أبشر فهذا الفجر لاح ها نحن جئنا يا صلاح |
قد أدبر الليل العميل وجاء للدنيا صباح |
ما دام عرقي نابضاً لن تعرف النفس ارتياح |
حتى أرى شعبي وليس له عن الأقصى براح |
إن العالم الإسلامي بأسره يعيش لحظات عصيبة، وساعات حرجة يخطها القلم، ويسجلها التاريخ، وما عليك فقط إلا أن تقرأ إن كنت ممن يقرأ صحيفة، أو تنظر في مجلة، أو تسمع لنشرة أخبار لتقف بنفسك على حال المسلمين في كل مكان، وما لم يذكر ويغفل فهو أكثر.
ففي البوسنة والهرسك ملايين القتلى والمشردين .. الأطفال اليتامى، والنساء الثكالى، والمساجد مهدمة، والدماء تسيل، أكثر من خمسين ألف مسلمة ينتهك عرضها في البوسنة والهرسك فقط، فما بالك بـكشمير والفلبين وطاجكستان والشيشان والصومال وأفغانستان وأراكان وألبانيا وكوسوفو ، بل في كل بقعة يذكر فيها اسم الله تعالى.
أيها الأحبة! إنه التحدي السافر لهذه الأمة في عقيدتها، وفي تاريخها، وفي إسلامها، ومستقبلها.
أمر مفزع مروع هذا الواقع الذي جعل الكثير من المسلمين عرضة لليأس والقنوط، ومن ثم للخمول والقعود.
وأقول: إن اليأس في قلوب أمثال هؤلاء ناتج عن الأسباب التالية وباختصار شديد:
أولاً: ما يرونه من جهود الأعداء في محاربة الإسلام، ومواجهة أهله مستخدماً -أي هذا العدو- كل طاقاته من تقدم تكنولوجي في العدة والعتاد، وكل وسيلة من وسائل الاستعمار الفكري.
ثانياً: بُعد الناس عن دين الله، وموت الإحساس لدى الكثير منهم، فهو لا يعلم عما يجري لإخوانه، وإن علم فكأن الأمر لا يعنيه، المهم نفسه وماله، وهذا هو الهوان الذي أشار إليه الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: (حب الدنيا وكراهية الموت).
ثالثاً: من أسباب اليأس والقنوط عند بعض الناس: يقظة الأعداء ومواجهتهم لأي جهد يبذله المسلمون مما حدى بكثير من المسلمين والمسلمات إلى الاستسلام، والخمول والتثبيط عند بذل أي جهد، فالخوف والرعب يأكل قلوبهم يحسبون كل صيحة عليهم.
رابعاً: ومما سبق من هذه الأسباب فإنها تقودنا إلى سبب رابع من أسباب اليأس، وهو سبب مهم جداً غفل أو تغافل عنه كثير من الناس، ألا وهو الجهل بالغاية التي خلق من أجلها الإنسان، إن كثيراً من الناس لا يعلم لماذا خلق؟ وإن علم فإنه يتغافل عن الهدف الحقيقي الذي من أجله خلق.
فيا أيها الإنسان! أنت خلقت لهدف، ولغاية عظيمة نبيلة، وهي عبادة الله عز وجل بمفهومها الحقيقي الذي عرفه أهل العلم: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. هذا هو تعريف العبادة، هذه هي العبادة الحقيقية التي يريدها الله سبحانه وتعالى من عباده، لا كما يرسم الأعداء العبادة على أنها تلك العبادات الكبيرة: الصلاة والصيام والحج والزكاة؛ فما هكذا يريد الله أيها الأحبة! إن العبادة التي يريدها الله بمفهومها الحقيقي هي ذلك المعنى العام الذي يشمل كل نواحي الحياة.
فاسأل نفسك: لماذا خلقت؟ أمن أجل أن تأكل وتشرب وتنام وتقوم؟! أم من أجل الملذات والشهوات؟! هذا والله هو شأن الحيوان، بل إن ذلك الإنسان أضل من الحيوان، اسمع لقول الحق عز وجل يوم أن قال: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] غفلوا عن الهدف والحقيقة التي من أجلها خلقوا، فعاشوا أضل من الأنعام -عياذاً بالله- لمجرد اللذات والشهوات والبيع والشراء .. لمجرد أن يحيا الإنسان ويذهب في هذه الدنيا .. بئست الحياة إن كانت هي هذه الحياة التي يعيشها المسلم.
إنك خلقت لهدف أسمى، إنك خلقت لرضى الإله، أيها الأخ الحبيب! فكر بنفسك وارجع لنفسك واسألها بصدق: هل أنت راضٍ عن نفسك؟ الآن هل أنت راضٍ لهذا العمر الطويل الذي أمد الله عز وجل به إلى يومك هذا؟! ماذا قدمت لله؟! ماذا قدمت لدينك؟! ماذا قدمت لنفسك يوم أن تقدم على الله عز وجل؟! عندها تقول بملء فيك لا. وألف لا لعبادة العباد, لا وألف لا لعبادة الشهوات والملذات (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) هذه هي عبادة الدنيا كما تبعها كثيرٌ من الناس.
خامساً: الجهل بطبيعة هذا الدين.
هذه الأمور وهذه الأسباب الخمسة وغيرها جعلت كثيراً من الناس يصيبه اليأس، وتداخله الشكوك لنصرة هذا الدين، وتمكينه في هذه الأرض، وحتى نقطع الطريق على هؤلاء المخدرين اليائسين الخائفين، فإني أقول وبكل قوة وبكل ثقة ويقين: أبشروا أيها الأحبة! أبشروا بنصر الله، فإن البشائر والمبشرات كثيرة -ولله الحمد- المهم أن نتفاءل، ولنملأ أنفسنا بالتفاؤل.
وقد يقول قائل: لماذا وكيف نتفاءل وواقع المسلمين كما ذكرت وكما نرى ونسمع؟
فأقول: يجب أن نتفاءل لأسباب كثيرة منها ومن أهمها:
أن القرآن الكريم حرم اليأس، وندد باليائسين
حذر الله عز وجل من اليأس والقنوط، إذاً نقول لليائسين المخذلين: إن اليأس في دين الله لا يجوز، فحذر من اليأس، واحذر من التيئيس! فإنها أول علامة للهزيمة، والفتور، والخور النفسي، إن أول علامة للهزيمة النفسية التي أصابت كثيراً من المسلمين اليوم هي في قضية اليأس والقنوط عياذاً بالله.
بشائر القرآن بالنصر والتمكين لمن أقام الدين
اسمع! لهذه الآيات وتدبرها عندما قال الحق عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33] إظهار دين الله أمر تكفل به الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً [النور:55].
إذاً: فهذا هو عهد الله، واسمع لقول الحق عز وجل يوم أن قال: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:40-41] هذا هو الهدف، هذا هو الذي يريد الله عز وجل من عباده الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41] وقال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وقال: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].
في هذه الآيات أخبر سبحانه وتعالى أن من سنته في خلقه أن ينصر عباده المؤمنين لكن متى؟ إذا قاموا بنصرة دينه، إذا قاموا بما كلفوا به، إذا قاموا بواجب الدعوة إلى الله، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فقد وعد الله المؤمنين باستخلافهم في الأرض، وأن يمكن لهم دينهم، وأي أمل للمسلم فوق وعد الله عز وجل، وأي رجاء بعد ذلك للمؤمن الصادق يوم أن وعده الحق سبحانه وتعالى، هذه بعض نصوص القرآن.
بشائر السنة باستخلاف المسلمين
وروى الدارمي وأحمد وابن أبي شيبة عن أبي قبين قال: (كنا عند
وقد تحقق الفتح الأول على يد الخليفة العثماني محمد الفاتح رحمه الله تعالى، وذلك عام ثلاثة وخمسين وأربعمائة وألف للميلاد، أي: بعد تقريباً ثمانمائة سنة من وعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن ننتظر الآن صدق الوعد الآخر، وهو سقوط رومية أو روما بفضل من الله وبمشيئة منه تعالى، وهذا وعد منه صلى الله عليه وسلم لابد صائر بمشيئة الله.
وأيضاً روى مسلم وأحمد وأصحاب السنن إلا النسائي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله زوى لي الأرض -أي ضمها وجمعها- فرأيت مشارقها ومغاربها، وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) وفي الحديث الذي رواه ابن حبان : (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر) .
وأيضاً هذان الحديثان يؤكدان: حتمية رجوع الإسلام إلى مركز الريادة، وموضع القيادة، ومقام السيادة من شرق الدنيا إلى غربها، لتتحقق إرادة الله التي اقتضاها للأمة الإسلامية منذ الأزل.
وروى الشيخان -والأحاديث كثيرة ولكني أختصرها- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! هذا يهودي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) وهذا الحديث يشير إلى أن اليهود سيجتمعون في مكان، ثم يتسلط عليهم المسلمون، وهذا هو الواقع الكائن، والدلائل تشير إلى هذا، فإن اليهود يجمعون أعوانهم وأهلهم من كل مكان في فلسطين.
وأيضاً لا ننس أحاديث الطائفة المنصورة، وقد وردت عن عدد من الصحابة منها: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه عند مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره) والحديث رواه أحمد والترمذي وقال الترمذي : حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين، ومن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب) .والحديث رواه أحمد وابنه عبد الله في زوائده وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي على ذلك، وقال الألباني في أحكام الجنائز: إن إسناد عبد الله صحيح على شرط البخاري .
من هذه النصوص من القرآن والسنة يتبين لنا أن هذه النصوص كلها بشائر لنصرة الإسلام وتمكينه، ألا فليثق الدعاة إلى الله عز وجل بهذه المبشرات مهما كان في الطريق من عثرات أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142] ولو لم يكن من البشائر والمبشرات سوى هذه النصوص لكفت، فكيف والتاريخ يشهد لذلك؟ وكيف والواقع يتفجر عن ينابيع الإسلام؟
بشائر الصراع القائم بين الحق والباطل
فصولات الباطل وانتفاش أهله الآن، دليل على قوة الحق وقدومه وتململه، فقبل سنوات قليلة لم يكن للمسلمين صوت لا في البوسنة ولا في طاجكستان ولا في الفلبين ولا في الشيشان ولا في غيرها من بلاد المسلمين.
أما الآن فإننا نسمع تلك الأمور وتلك الصولات والجولات للمسلمين في كل مكان، وفي كل صقع من أنحاء المعمورة، هذه الأمور إننا نعتبرها أيها الأحبة! ينابيع للإسلام تتفجر عن قدومه وبقوة، فماذا قدمنا؟! وما هو دورنا؟! فالإسلام ماضٍ في طريقه للعزة والتمكين سواء بنا أو بغيرنا.
فيا أيها المسلم ويا أيتها المسلمة! سجل لنفسك موقفاً يشهد لك عند الله عز وجل، كن ممن شارك في نصرة هذا الدين ولو بكلمات صادقة ناصحة من قلب يحترق ويتألم، كن مِن مَن شارك لنصرة هذا الدين، ولو بشريط أو كتاب يفتح الله به قلوباً عمياً أو آذاناً صماً، كن مِن مَن شارك في نصرة هذا الدين، ولو بريالات قليلة تعين بها ملهوفاً، وتنصر بها مظلوماً.
المهم أن تعمل، وتشعر أنك تقدم، فكر وابحث وقلب الأمور، وستجد أن بيدك الخير الكثير الكثير، فلا يقل قائل: ماذا أقدم؟ ماذا أعمل؟ فإننا تعدينا مرحلة هذا السؤال، والوقوف عنده بكثير.
خوف أعداء الإسلام من وحدة المسلمين
ولماذا تزداد هذه الهجمات شراسة كلما ظهرت صحوة إسلامية في بلد ما؟!
لماذا يتفق أصحاب الشعارات والمبادئ المتناقضة على عدائهم للإسلام وأهله؟!
لماذا تثار الشبهات حول الإسلام ومبادئه ومناهجه وعقائده وأحكامه؟!
لماذا تثار الحملات الشعواء التي تشنها صحافة الغرب والشرق على الإسلام وأهله؟!
لماذا تغزى بلاد الإسلام بوسائل الشهوات والمخدرات، ووسائل الخلاعة والمجون المحطمة لقوى الشباب والمستنزفة لطاقاتهم وأفكارهم وعقولهم؟!
الإجابة واحدة: إنهم يخافون الإسلام .. إنهم يخافون من رجعة قوية للإسلام والمسلمين .. إنهم يخافون من وحدة المسلمين، لقد درس أعداؤنا من الكافرين وأذنابهم الإسلام وعقيدته، فعرفوا أنه يربي الرجال والنساء على تقديم كل غالٍ ونفيسٍ في سبيل الله، حتى ولو كان المقدم هو الروح فهي رخيصة من أجل الإسلام وفي ذات الله، علموا هذه الحقيقة، رأوها واقعاً في ساحات الجهاد، فلذلك خافوا وهلعوا وأصابهم الرعب الشديد من الإسلام.
ولتعلم حقيقة هذا الرعب وهذا الفزع الشديد الذي أصابهم اسمع لبعض أقوالهم:
فالحق ما شهدت به الأعداء |
كما يقال وإني أسوق إليك نزراً يسيراً قليلاً مما قالوه عن الإسلام، والصور والمقالات التي تترجم عن خوفهم ورعبهم الشديد من هذا الدين:
هذا قولٌ لـمور بيجر في كتابه العالم العربي المعاصر ، يقول: ( إنّ الخوف من العرب واهتمامنا بالأمة العربية، ليس ناتجاً عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل لسبب الإسلام يجب محاربة الإسلام بالحيلولة دون وحدة العرب التي تؤدي إلى قوتهم؛ لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره).
ونحن نسمع مثل هذه المقالة نقول: أين شبابنا ليعلموا أن تمزيق وحدة الصف المسلم، وبث الفرقة والنزاع، وتقسيم المسلمين إلى جماعات وأحزاب إنما هو هدف خَلَّفه من خَلَّفه، ألا فليتق الله ذلك المسلم الذي قد يكون وسيلة لتنفيذ مخططات الأعداء وهو لا يشعر، باسم الغيرة على الدين، وتأصيل العقيدة، فافهم العقيدة جيداً، وطبقها على الواقع كما يريد الله عز وجل ذلك فإنها صالحة لكل زمان ومكان، وإياك إياك أن تكون وسيلة بأيدي أعداء الدين لبث الفرقة والنزاع، وتمزيق صف وحدة المسلمين .
وها هو فيليب ونداسي يصرح في كتابه المسمى (الاستعمار الفرنسي في أفريقيا السوداء) يقول: ( إن من الضروري لـفرنسا أن تقاوم الإسلام في هذا العالم، وأن تنتهج سياسةً عدائيةً للإسلام، وأن تحاول على الأقل إيقاف انتشاره ).
ويقول المستشرق الفرنسي كيمون في كتابه ( باثلوجيا الإسلام ) يقول: ( وأعتقد أن من الواجب إبادة خُمس المسلمين والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع محمد وجثته في متحف اللوفر ).
ويقول المرمرشادور يقول: ( إن هذا المسلم الذي نام نوماً عميقاً مئات السنين، قد استيقظ وأخذ ينادي: هأنذا لم أمت، إنني أعود إلى الحياة لا لأكون أداة طيّعة أو ثقلاً من البشر تسيره العواصم الكبرى، ويقول -أيضاً معقباً هو نفسه-: ومن يدري ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الإفرنج مهددة بالمسلمين، فيهبطون من السماء لغزو العالم مرة ثانية في الوقت المناسب، ثم يقول: لست أدعي النبوءة ولكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة، لا تقوى الذرة ولا الصواريخ على وقف تيارها ) انتهى كلامه هنا .
ثم تعال واسمع إلى تلك الرسالة السريّة التي أرسلها رئيس الوزراء البريطاني جون ميجر حين أرسلها إلى الوزير البريطاني للشؤون الخارجية يخبره بأنهم لن يوافقوا أبداً على تزويد مسلمي البوسنة والهرسك بالسلاح أو تدريبهم عليه مهما كانت الظروف. وهذه الرسالة نشرتها مجلة الرابطة عدد محرم وصفر وربيع الأول من عام (1414هـ) من السنة الماضية، والرسالة نشرتها المجلة باللغتين العربية والإنجليزية .
وإليك النص الأصلي واعذرني ألا أقرأ عليك النص كاملاً لطول الرسالة إنما وأقرأ عليك مقاطع من هذه الرسالة، يقول في بداية الرسالة: مكتب رئيس وزراء، ثم يقول: السيد دوجلاس هوك مكتب الشئون الخارجية والمملكة المتحدة لندن، وتاريخ الرسالة (11/ 11/ 1413هـ) يقول: السيد دوجلاس المحترم: (أشكرك على التقرير المفصل حول الأوضاع الماضية والحالية في جمهورية البوسنة والهرسك التي كانت جزءاً من يوغسلافيا السابقة، ثم يقول: كما تعرف جيداً من خلال الأحاديث السابقة في المكتب والمناسبات الأخرى فإن حكومة جلالة الملكة لم تغير موقفها تجاه حل القضايا السياسية التالية:
1- لا نوافق كما أننا لن نوافق في المستقبل على تزويد مسلمي البوسنة والهرسك بالسلاح أو تدريبهم على استخدامه، إننا سنواصل دعمنا الحازم لإبقاء حظر بيع السلاح المفروض من قبل الأمم المتحدة على دول هذه المنطقة رغم معلوماتنا الموثقة الواردة عن دعم دول اليونان وروسيا وبلغاريا للجيش الصربي وقيامها بتدريبه، والمعلومات أيضاً عن قيام ألمانيا والنمسا واستوفينيا وحتى الفاتيكان بالدور المماثل لدعم كرواتيا والقوات الكرواتيه في البوسنة والهرسك ، ومن المهم جداً أننا نعلم يقيناً أن جميع الجهود المماثلة المبذولة من قبل الدول والمنظمات الإسلامية لدعم المسلمين قد باءت بالفشل التام، ثم يقول: إنه يتعين علينا اتباع هذه السياسة حتى لحظة الوصول إلى الهدف النهائي -وما هو الهدف؟- وهو تقسيم جمهورية البوسنة والهرسك ومنع قيام دولة إسلامية في أوروبا ، وهو الأمر الذي لا يمكن أن نسمح به أبداً، وإنه من غير المسموح أن نرتكب مرة أخرى في البوسنة والهرسك أو في أي مكان في العالم الخطأ الذي ارتكبناه بتسليح، وتدريب المقاتلين الأفغانيين أثناء قتالهم مع الاتحاد السوفيتي.
وأترك كثيراً من كلامه في الرسالة إلى أن يقول:
2- من نقاط الرسالة: يجب أن نؤكد ضرورة إخفاء حقيقة التحركات السياسية الغربية وبأي ثمن عن كل الدول التي يمكن أن نسميها بالإسلامية، وبالذات عن تركيا فيما يتعلق في هذه المنطقة إلى أن تهدأ الأمور في يوغسلافيا السابقة، ومن أجل هذا السبب نفسه يتعين علينا الاستمرار بالخدعة التي سميناها ( بوانس أوين ) لإحلال السلام بهدف عرقلة كل التحركات إلى أن نقضي على دولة البوسنة والهرسك ، ويتم تهجير المسلمين منها إلى مختلف دول العالم، ثم يقول: قد يظهر للبعض أن هذه السياسة قاسية، إلا أنه من واجبي أن أطالب بها كل العاملين في مكتب الخارجية لشئون المجموعة الأوروبية، الذين لهم صلة مباشرة، بصنع القرارت السياسية والعاملين في الأجهزة العسكرية، ولكني متأكد أن هذه السياسة في حقيقة الأمر السياسة الوحيدة الناجحة من أجل المصلحة العليا، وهي مستقبل الأمن الأوربي ) … إلى آخر كلامه في رسالته.
واقع الحضارات المادية الغربية الآيلة للانهيار
روسيا القوة الثانية في العالم التي كانت تنافس الرأسمالية أصبحت اليوم تتلمس المساعدات والأعطيات؟!
وأما الرأسمالية التي تمثلها اليوم أمريكا ، فإن واقع المجتمع الأمريكي في كل مجالاته الدينية والسياسية والثقافية والاقتصادية والإعلامية والتعليمية والاجتماعية وغيرها، واقع مفزع مخيف بالنسبة لهم.
ليس أنا من يقول هذا الكلام، ولكي أختصر عليك الوقت، وأوثق المعلومات لك فإني أطالبك بالرجوع إلى كتاب بعنوان
(يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة) ارجع لهذا الكتاب واقرأ فيه، وانظر الأرقام والإحصاءات فيه، وهذا الكتاب تأليف جيمس بتروسون وبيتر كيم ، وترجمه باللغة العربية الدكتور/ محمد بن سعود البشر ، صدر الكتاب بالإنجليزية عام (1991م) يقع في (270 صفحة) من القطع المتوسط.
وهذا الكتاب هو دراسة قامت على إحصاءات واستبانة وأرقام من واقع المجتمع الأمريكي، ونتائج هذا الكتاب نتائج مفزعة مخيفة بالنسبة للأمريكيين، واسمعوا ماذا يقول الأمريكيون أنفسهم عن هذا الكتاب؟ يقول إلكس هيلي مؤلف كتاب (الجذور) عن هذا الكتاب كتاب يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة يقول: كتاب مفزع عندما أنهيت قراءته لم أعرف ماذا أفعل؟! هل أصدع بالحقائق -أي: التي فيه- أم أركض للتلال وأختبئ؟! إنه يعرض لنا حقائق عن أنفسنا لم أشاهدها في أي دراسة، أو في أي استطلاعات للرأي، ولا حتى في الأحاديث الشخصية .
تقول صحيفة نيويورك ديني نيوز عن الكتاب كلمة واحدة قالت عن الكتاب: نتائج مفزعة.
وأيضاً يقول سيبني جيمز نائب الرئيس التنفيذي لشركة كولومبيا للإنتاج السينمائي يقول: كتاب باترسون وكيم -أي المؤلفان-: قد يكون نقطة الالتقاء حتى تجنب الولايات المتحدة نفسها من كارثة محققة الحقائق المفزعة التي يقدمانها في هذا الكتاب تلح على هذا الأمر الآن، وإلا فلا جدوى.
هذا ما قالوه عن هذا الكتاب الذي يُعلن عن التصدع الكبير في بنية مجتمعهم، وانظر إن شئت كتاباً آخر بعنوان ( السقوط من الداخل ترجمات ودراسات في المجتمع الأمريكي ) للدكتور/ محمد بن سعود البشر -أيضاً- وهو عبارة عن مناقشات للقضايا والمشكلات الراهنة التي يعاني منها المجتمع الأمريكي في جميع النواحي.
أقول: إن الحضارة المادية الغربية تتهالك اليوم وتسقط، سقطت الشيوعية والنذر قادمة لسقوط الرأسمالية.
أيها الأحبة! العالم اليوم بجميع أحواله يشكو من إفلاس الأنظمة البشرية، ويتجرع ويلات ومرارة هذه النظم التي دمرت حياتهم، فما أكثر الانتحارات، وما أكثر اللجوء للخمر، والضياع، والفساد، والشهوات في تلك المجتمعات، وقضت هذه النذر على كل جوانب الخير في ذلك الإنسان، وها هو ذلك الإنسان يتطلع اليوم إلى المنقذ الذي يخلصه من ذلك، وليس المنقذ أبداً إلا الإسلام، فهو الذي يتوافق مع الفطرة، ويحقق للناس مصالحهم في الدنيا والآخرة، ويكفي الأنظمة البشرية قصوراً وفشلاً أنها من صنع البشر، وأن دين الإسلام من صنع خالق البشر سبحانه وتعالى.
الصحوة الإسلامية وأثرها الملاحظ في واقع الأمة
فأقول: هذا كله رغم قلة الإمكانات، وقلة الجهود المبذولة للدعوة، فكيف لو تحرك المسلمون الصادقون؟ كيف لو تألمت القلوب، وعرفت الهدف الذي من أجله تعيش، فتتحرك للدعوة إلى الله عز وجل؟ كيف لو عاشرنا أولئك العمالة من الكفار والمشركين الذين يعيشون معنا في تجاراتنا ومؤسساتنا؟ كيف لو عاشرناهم بخلق حسن؟ وكيف لو دللناهم على دين الله عز وجل بحق؟ كيف لو وجهنا هذه الأمة؟ كيف لو نصحنا وأمرنا بمعروف ونهينا عن منكر بكلمة طيبة لينة؟ لوجدنا أثر ذلك أيها الأحبة! هذه النتائج نراها رغم قلة العاملين.
فالله الله أن تكون ممن سلك نصرة هذا الدين، فإن الدين منصور بك أو بغيرك أيها الأخ الحبيب!
شهادة التاريخ للمسلمين بالانتصارات
اقرأ التاريخ لتربط هذه الأحداث اليوم بتاريخنا العريق يوم أن يبين لنا الدروس والعبر، فيه ما يصيب الدعاة من المحن والبلاء، وعاقبة الصبر على الطريق.
وهذه من أولى البشارات، ومن أول البشائر: أن القرآن حرم اليأس وندد باليائسين، فعالج هذا المرض الخطير بالتحريم القاطع لينقطع دابره من النفوس، فلا يجوز للمسلم أن ييأس أبداً فاليأس قرين للكفر، واسمع لقول الحق عز وجل: وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87] فاليأس صفة للكافرين واليأس قرين الضلال، قال تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ [الحجر:56].
حذر الله عز وجل من اليأس والقنوط، إذاً نقول لليائسين المخذلين: إن اليأس في دين الله لا يجوز، فحذر من اليأس، واحذر من التيئيس! فإنها أول علامة للهزيمة، والفتور، والخور النفسي، إن أول علامة للهزيمة النفسية التي أصابت كثيراً من المسلمين اليوم هي في قضية اليأس والقنوط عياذاً بالله.
ولو لم يكن سوى هذه البشائر لكفى فهي نصوص ووعود مِن مَن؟ ممن بيده ملكوت السموات والأرض، وبيده الأمر كله، فلماذا إذاً الضعف والهوان؟! ولماذا الخوف والخور والله سبحانه وتعالى معك مؤيداً وناصراً؟ أين الثقة بالله أيها الأحبة؟! أين اليقين بقدرة الله وقوته؟
اسمع! لهذه الآيات وتدبرها عندما قال الحق عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33] إظهار دين الله أمر تكفل به الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً [النور:55].
إذاً: فهذا هو عهد الله، واسمع لقول الحق عز وجل يوم أن قال: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:40-41] هذا هو الهدف، هذا هو الذي يريد الله عز وجل من عباده الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41] وقال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وقال: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].
في هذه الآيات أخبر سبحانه وتعالى أن من سنته في خلقه أن ينصر عباده المؤمنين لكن متى؟ إذا قاموا بنصرة دينه، إذا قاموا بما كلفوا به، إذا قاموا بواجب الدعوة إلى الله، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فقد وعد الله المؤمنين باستخلافهم في الأرض، وأن يمكن لهم دينهم، وأي أمل للمسلم فوق وعد الله عز وجل، وأي رجاء بعد ذلك للمؤمن الصادق يوم أن وعده الحق سبحانه وتعالى، هذه بعض نصوص القرآن.
تعال واسمع! لبعض نصوص السنة النبوية، فقد روى الإمام أحمد والبزار والطيالسي وقال الهيثمي عن الحديث: ورجاله رجال الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن أول دينكم نبوة ورحمة، وتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ماشاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله جل جلاله، ثم يكون ملكاً جبرياً فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله جل جلاله، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، تعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض، يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدراراً، ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئاً إلا أخرجته).
وروى الدارمي وأحمد وابن أبي شيبة عن أبي قبين قال: (كنا عند
وقد تحقق الفتح الأول على يد الخليفة العثماني محمد الفاتح رحمه الله تعالى، وذلك عام ثلاثة وخمسين وأربعمائة وألف للميلاد، أي: بعد تقريباً ثمانمائة سنة من وعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن ننتظر الآن صدق الوعد الآخر، وهو سقوط رومية أو روما بفضل من الله وبمشيئة منه تعالى، وهذا وعد منه صلى الله عليه وسلم لابد صائر بمشيئة الله.
وأيضاً روى مسلم وأحمد وأصحاب السنن إلا النسائي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله زوى لي الأرض -أي ضمها وجمعها- فرأيت مشارقها ومغاربها، وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) وفي الحديث الذي رواه ابن حبان : (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر) .
وأيضاً هذان الحديثان يؤكدان: حتمية رجوع الإسلام إلى مركز الريادة، وموضع القيادة، ومقام السيادة من شرق الدنيا إلى غربها، لتتحقق إرادة الله التي اقتضاها للأمة الإسلامية منذ الأزل.
وروى الشيخان -والأحاديث كثيرة ولكني أختصرها- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! هذا يهودي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) وهذا الحديث يشير إلى أن اليهود سيجتمعون في مكان، ثم يتسلط عليهم المسلمون، وهذا هو الواقع الكائن، والدلائل تشير إلى هذا، فإن اليهود يجمعون أعوانهم وأهلهم من كل مكان في فلسطين.
وأيضاً لا ننس أحاديث الطائفة المنصورة، وقد وردت عن عدد من الصحابة منها: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه عند مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره) والحديث رواه أحمد والترمذي وقال الترمذي : حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين، ومن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب) .والحديث رواه أحمد وابنه عبد الله في زوائده وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي على ذلك، وقال الألباني في أحكام الجنائز: إن إسناد عبد الله صحيح على شرط البخاري .
من هذه النصوص من القرآن والسنة يتبين لنا أن هذه النصوص كلها بشائر لنصرة الإسلام وتمكينه، ألا فليثق الدعاة إلى الله عز وجل بهذه المبشرات مهما كان في الطريق من عثرات أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142] ولو لم يكن من البشائر والمبشرات سوى هذه النصوص لكفت، فكيف والتاريخ يشهد لذلك؟ وكيف والواقع يتفجر عن ينابيع الإسلام؟
أيها الأحبة! الواقع الآن يتفجر عن ينابيع الإسلام، وعن قدومه في كل يوم، ففي كل يوم نسمع عن حرب للإسلام والمسلمين قادمة من بقاع لم نكن نعرفها ولم نسمع بها وإليك تفصيل ذلك.
فصولات الباطل وانتفاش أهله الآن، دليل على قوة الحق وقدومه وتململه، فقبل سنوات قليلة لم يكن للمسلمين صوت لا في البوسنة ولا في طاجكستان ولا في الفلبين ولا في الشيشان ولا في غيرها من بلاد المسلمين.
أما الآن فإننا نسمع تلك الأمور وتلك الصولات والجولات للمسلمين في كل مكان، وفي كل صقع من أنحاء المعمورة، هذه الأمور إننا نعتبرها أيها الأحبة! ينابيع للإسلام تتفجر عن قدومه وبقوة، فماذا قدمنا؟! وما هو دورنا؟! فالإسلام ماضٍ في طريقه للعزة والتمكين سواء بنا أو بغيرنا.
فيا أيها المسلم ويا أيتها المسلمة! سجل لنفسك موقفاً يشهد لك عند الله عز وجل، كن ممن شارك في نصرة هذا الدين ولو بكلمات صادقة ناصحة من قلب يحترق ويتألم، كن مِن مَن شارك لنصرة هذا الدين، ولو بشريط أو كتاب يفتح الله به قلوباً عمياً أو آذاناً صماً، كن مِن مَن شارك في نصرة هذا الدين، ولو بريالات قليلة تعين بها ملهوفاً، وتنصر بها مظلوماً.
المهم أن تعمل، وتشعر أنك تقدم، فكر وابحث وقلب الأمور، وستجد أن بيدك الخير الكثير الكثير، فلا يقل قائل: ماذا أقدم؟ ماذا أعمل؟ فإننا تعدينا مرحلة هذا السؤال، والوقوف عنده بكثير.
أيها الأحبة! ومن البشائر أيضاً: ذلك الخوف الرهيب والرعب الشديد من الإسلام، فلماذا يتعرض الإسلام في هذه الأيام لهجمات مسعورة؟!
ولماذا تزداد هذه الهجمات شراسة كلما ظهرت صحوة إسلامية في بلد ما؟!
لماذا يتفق أصحاب الشعارات والمبادئ المتناقضة على عدائهم للإسلام وأهله؟!
لماذا تثار الشبهات حول الإسلام ومبادئه ومناهجه وعقائده وأحكامه؟!
لماذا تثار الحملات الشعواء التي تشنها صحافة الغرب والشرق على الإسلام وأهله؟!
لماذا تغزى بلاد الإسلام بوسائل الشهوات والمخدرات، ووسائل الخلاعة والمجون المحطمة لقوى الشباب والمستنزفة لطاقاتهم وأفكارهم وعقولهم؟!
الإجابة واحدة: إنهم يخافون الإسلام .. إنهم يخافون من رجعة قوية للإسلام والمسلمين .. إنهم يخافون من وحدة المسلمين، لقد درس أعداؤنا من الكافرين وأذنابهم الإسلام وعقيدته، فعرفوا أنه يربي الرجال والنساء على تقديم كل غالٍ ونفيسٍ في سبيل الله، حتى ولو كان المقدم هو الروح فهي رخيصة من أجل الإسلام وفي ذات الله، علموا هذه الحقيقة، رأوها واقعاً في ساحات الجهاد، فلذلك خافوا وهلعوا وأصابهم الرعب الشديد من الإسلام.
ولتعلم حقيقة هذا الرعب وهذا الفزع الشديد الذي أصابهم اسمع لبعض أقوالهم:
فالحق ما شهدت به الأعداء |
كما يقال وإني أسوق إليك نزراً يسيراً قليلاً مما قالوه عن الإسلام، والصور والمقالات التي تترجم عن خوفهم ورعبهم الشديد من هذا الدين:
هذا قولٌ لـمور بيجر في كتابه العالم العربي المعاصر ، يقول: ( إنّ الخوف من العرب واهتمامنا بالأمة العربية، ليس ناتجاً عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل لسبب الإسلام يجب محاربة الإسلام بالحيلولة دون وحدة العرب التي تؤدي إلى قوتهم؛ لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره).
ونحن نسمع مثل هذه المقالة نقول: أين شبابنا ليعلموا أن تمزيق وحدة الصف المسلم، وبث الفرقة والنزاع، وتقسيم المسلمين إلى جماعات وأحزاب إنما هو هدف خَلَّفه من خَلَّفه، ألا فليتق الله ذلك المسلم الذي قد يكون وسيلة لتنفيذ مخططات الأعداء وهو لا يشعر، باسم الغيرة على الدين، وتأصيل العقيدة، فافهم العقيدة جيداً، وطبقها على الواقع كما يريد الله عز وجل ذلك فإنها صالحة لكل زمان ومكان، وإياك إياك أن تكون وسيلة بأيدي أعداء الدين لبث الفرقة والنزاع، وتمزيق صف وحدة المسلمين .
وها هو فيليب ونداسي يصرح في كتابه المسمى (الاستعمار الفرنسي في أفريقيا السوداء) يقول: ( إن من الضروري لـفرنسا أن تقاوم الإسلام في هذا العالم، وأن تنتهج سياسةً عدائيةً للإسلام، وأن تحاول على الأقل إيقاف انتشاره ).
ويقول المستشرق الفرنسي كيمون في كتابه ( باثلوجيا الإسلام ) يقول: ( وأعتقد أن من الواجب إبادة خُمس المسلمين والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع محمد وجثته في متحف اللوفر ).
ويقول المرمرشادور يقول: ( إن هذا المسلم الذي نام نوماً عميقاً مئات السنين، قد استيقظ وأخذ ينادي: هأنذا لم أمت، إنني أعود إلى الحياة لا لأكون أداة طيّعة أو ثقلاً من البشر تسيره العواصم الكبرى، ويقول -أيضاً معقباً هو نفسه-: ومن يدري ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الإفرنج مهددة بالمسلمين، فيهبطون من السماء لغزو العالم مرة ثانية في الوقت المناسب، ثم يقول: لست أدعي النبوءة ولكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة، لا تقوى الذرة ولا الصواريخ على وقف تيارها ) انتهى كلامه هنا .
ثم تعال واسمع إلى تلك الرسالة السريّة التي أرسلها رئيس الوزراء البريطاني جون ميجر حين أرسلها إلى الوزير البريطاني للشؤون الخارجية يخبره بأنهم لن يوافقوا أبداً على تزويد مسلمي البوسنة والهرسك بالسلاح أو تدريبهم عليه مهما كانت الظروف. وهذه الرسالة نشرتها مجلة الرابطة عدد محرم وصفر وربيع الأول من عام (1414هـ) من السنة الماضية، والرسالة نشرتها المجلة باللغتين العربية والإنجليزية .
وإليك النص الأصلي واعذرني ألا أقرأ عليك النص كاملاً لطول الرسالة إنما وأقرأ عليك مقاطع من هذه الرسالة، يقول في بداية الرسالة: مكتب رئيس وزراء، ثم يقول: السيد دوجلاس هوك مكتب الشئون الخارجية والمملكة المتحدة لندن، وتاريخ الرسالة (11/ 11/ 1413هـ) يقول: السيد دوجلاس المحترم: (أشكرك على التقرير المفصل حول الأوضاع الماضية والحالية في جمهورية البوسنة والهرسك التي كانت جزءاً من يوغسلافيا السابقة، ثم يقول: كما تعرف جيداً من خلال الأحاديث السابقة في المكتب والمناسبات الأخرى فإن حكومة جلالة الملكة لم تغير موقفها تجاه حل القضايا السياسية التالية:
1- لا نوافق كما أننا لن نوافق في المستقبل على تزويد مسلمي البوسنة والهرسك بالسلاح أو تدريبهم على استخدامه، إننا سنواصل دعمنا الحازم لإبقاء حظر بيع السلاح المفروض من قبل الأمم المتحدة على دول هذه المنطقة رغم معلوماتنا الموثقة الواردة عن دعم دول اليونان وروسيا وبلغاريا للجيش الصربي وقيامها بتدريبه، والمعلومات أيضاً عن قيام ألمانيا والنمسا واستوفينيا وحتى الفاتيكان بالدور المماثل لدعم كرواتيا والقوات الكرواتيه في البوسنة والهرسك ، ومن المهم جداً أننا نعلم يقيناً أن جميع الجهود المماثلة المبذولة من قبل الدول والمنظمات الإسلامية لدعم المسلمين قد باءت بالفشل التام، ثم يقول: إنه يتعين علينا اتباع هذه السياسة حتى لحظة الوصول إلى الهدف النهائي -وما هو الهدف؟- وهو تقسيم جمهورية البوسنة والهرسك ومنع قيام دولة إسلامية في أوروبا ، وهو الأمر الذي لا يمكن أن نسمح به أبداً، وإنه من غير المسموح أن نرتكب مرة أخرى في البوسنة والهرسك أو في أي مكان في العالم الخطأ الذي ارتكبناه بتسليح، وتدريب المقاتلين الأفغانيين أثناء قتالهم مع الاتحاد السوفيتي.
وأترك كثيراً من كلامه في الرسالة إلى أن يقول:
2- من نقاط الرسالة: يجب أن نؤكد ضرورة إخفاء حقيقة التحركات السياسية الغربية وبأي ثمن عن كل الدول التي يمكن أن نسميها بالإسلامية، وبالذات عن تركيا فيما يتعلق في هذه المنطقة إلى أن تهدأ الأمور في يوغسلافيا السابقة، ومن أجل هذا السبب نفسه يتعين علينا الاستمرار بالخدعة التي سميناها ( بوانس أوين ) لإحلال السلام بهدف عرقلة كل التحركات إلى أن نقضي على دولة البوسنة والهرسك ، ويتم تهجير المسلمين منها إلى مختلف دول العالم، ثم يقول: قد يظهر للبعض أن هذه السياسة قاسية، إلا أنه من واجبي أن أطالب بها كل العاملين في مكتب الخارجية لشئون المجموعة الأوروبية، الذين لهم صلة مباشرة، بصنع القرارت السياسية والعاملين في الأجهزة العسكرية، ولكني متأكد أن هذه السياسة في حقيقة الأمر السياسة الوحيدة الناجحة من أجل المصلحة العليا، وهي مستقبل الأمن الأوربي ) … إلى آخر كلامه في رسالته.
استمع المزيد من الشيخ إبراهيم الدويش - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المحرومون | 2931 استماع |
سهام للصيد | 2612 استماع |
توبة صايم | 2609 استماع |
اذهبوا بنا نصلح بينهم | 2608 استماع |
من كنوز الحج ... | 2480 استماع |
موعظة السبع البواقى | 2467 استماع |
بحر الحب | 2409 استماع |
السحر الحلال | 2349 استماع |
أهمية أداء الزكاة | 2339 استماع |
التوحيد وأثره في النفوس | 2321 استماع |