التوحيد وأثره في النفوس


الحلقة مفرغة

التيمم استعمال الصعيد الطاهر لاستباحة الصلاة، وعند الخوف من حصول الضرر باستعمال الماء أو عدم الماء؛ فإن التيمم يقوم مقام الغسل ومقام الوضوء، والتيمم ضربتان للوجه واليدين، وينقضه ما ينقض الوضوء.

الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

هذه هي ليلة الأربعاء الموافق للرابع عشر من الشهر الثالث للعام التاسع عشر بعد الأربعمائة والألف، وفي هذا المكان الطيب المبارك الجامع الكبير بمدينة الطائف نلتقي وإياكم في موضوع بعنوان: ( التوحيد وأثره في النفوس ).

مكانة التوحيد عند الله تعالى

فاعلم رحمني الله وإياك أن التوحيد هو: إفراد الله تعالى بالعبادة، وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده، بل هو أعظم سلاح يتسلح به المسلم، فهو سلاح العقيدة الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة، فأصل ما تزكوا به القلوب والأرواح هو التوحيد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى : ولهذا كان رأس الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وهي متضمنة عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين ديناً سواه.

انتهى كلامه رحمه الله.

فلا إله إلا الله هي كلمة التوحيد.. وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسماوات.. لا إله إلا الله فطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، وجردت سيوف الجهاد.. لا إله إلا الله محض حق الله على جميع العباد، والكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار، والمنجية من عذاب القبر ومن عذاب النار، والمنشور الذي لا يدخل أحد الجنة إلا به.

لا إله إلا الله الحبل الذي لا يصل إلى الله من لا يتعلق بصدده.. لا إله إلا الله كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، ينقسم بها الناس إلى شقي وسعيد، ومقبول وطريد، وانفصلت دار الكفر من دار الإيمان، وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان بلا إله إلا الله، وهي العمود الحامل للفرض والسنة (ومن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) نسأل الله الكريم من فضله .

قال ابن القيم كلاماً جميلاً عن التوحيد في الفوائد ، قال رحمه الله : التوحيد أشرف شيء وأنزهه وأنظفه وأصفاه، وأدنى شيء يخدشه ويدنسه ويؤثر فيه، فهو كأبيض ثوبٍ يكون، يؤثر فيه أدنى أثر، وكالمرآة الصافية جداً، أدنى شيءٍ يؤثر فيها ولهذا -وتنبهوا- تشوشه اللحظة واللفظة والشهوة الخفية، فإن بادر صاحبه وقلع ذلك الأثر بضده، وإلا استحكم وصار طبعاً يتعسر عليه قلعه. إلى آخر كلامه رحمه الله .

وكثير من الناس يغفل عن حقيقة التوحيد، فيتصور أن التوحيد هو.. قول لا إله إلا الله فقط، أو أنه الاعتراف بربوبية الله فقط، يردد أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت، ويجهل شمولية هذه العقيدة لجميع جوانب الحياة، لذلك ربما تزعزعت عقيدة التوحيد في نفوس كثير من المسلمين، فلا إله إلا الله في كل صغيرة وكبيرة، ولا إله إلا الله في كل حركة وسكنة، لا إله إلا الله في البيت والمسجد والوظيفة والشارع وكل مكان، هنا -باختصار- يتبين لنا جميعاً أثر لا إله إلا الله على نفوسنا.

مظاهر زعزعة التوحيد في قلوب الناس وتناقصه

يا أهل التوحيد! إليكم أمثلةً سريعةً على أن العقيدة والتوحيد ربما تتزعزع في قلوب بعض الناس:

فانظروا -مثلاً- إلى الحلف بغير الله والتوسل والاستعانة بالمخلوقين دون الله، بل والاحتكام إلى الأعراف والعادات والتقاليد، وتقديمها على حكم الله ورسوله عند البعض من الناس.

انظروا إلى تقديم القرابين والنذور، والهدايا للمزارات والقبور وتعظيمها. بل انظروا إلى التشبه بالكافرين في أخلاقهم وعاداتهم السيئة وموالاتهم. انظروا إلى لجوء الناس عند الشدائد للأسباب المادية، نعم. فتعلقهم بالأسباب المادية فقط من دون الله.

انظروا لانتشار السحرة والمشعوذين، والكهان والعرافين، والتمائم والرقى غير الشرعية. بل انظروا إلى ادعاء علم الغيب بقراءة الكف والفنجان، والتنجيم وعالم الأبراج التي تملأ صفحات بعض المجلات اليوم والإذاعات.

انظروا للاحتفالات بالمناسبات الدينية كالإسراء والمعراج، والهجرة النبوية، وبدعة المولد وغيرها مما لا أصل له في الشرع.

انظروا إلى الاستهزاء بالدين، والسخرية بأهله، والاستهانة بحرماته، وأنه تأخر ورجعية، ووصف أهله بالتطرف والتشدد.

انظروا إلى التمسك بأقوال الرجال، حتى أصبحت تفوق الكتاب والسنة عند كثير من الناس وللأسف!

بل انظروا إلى ضعف اليقين، نعم. إلى ضعف اليقين بالله وإلى دخول اليأس والقنوط لقلوب كثير من المسلمين. انظروا إلى الخوف والرعب، ممن؟ من المخلوقين عند حدوث الفتن والمصائب. انظروا إلى تمجيد الغرب والخوف منه، حتى وُصف ببعض الصفات الإلهية، كالقوة والقدرة وإدارة الكون كما نسمع ونقرأ.

انظروا إلى نظرة الناس المادية للحياة مما ابتلي به المسلمون اليوم، تحصيل اللذات والشهوات، وتعليق أهداف الأمة واهتماماتها بأشياء لا قيمة لها كاللهو والطرب والغناء والمتعة الحرام، والله عز وجل يقول : أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115].

هذه من مظاهر زعزعة التوحيد في قلوب الناس وتناقصه، والأمثلة كثيرة تلك التي توضح حال عقيدة التوحيد في نفوس المسلمين اليوم، ولهذا غفل كثيرٌ من الناس عن آثار التوحيد وحقيقته، بل جهل كثير من المسلمين هذه الآثار فأصبح يردد: لا إله إلا الله في اليوم عشرات المرات؛ لكن تعال وانظر لحاله مع نفسه وأهله، وانظر لحال بيته وما فيه، وانظر لحاله في البيع والشراء، وانظر لأقواله وأفعاله وتصرفاته، فربما ليس لكلمة لا إله إلا الله أثر في حياته -والله المستعان- مع أنه مسلم ويردد أن لا إله إلا الله!

المراد من كلمة التوحيد ومعناها

فيا أمة التوحيد! المراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها، الكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو: إفراد الله بالتعلق، والكفر بما يعبد من دون الله، نعم. إفراد الله: هذا معنى التوحيد، إفراد الله بالتعلق والكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه، فإنه صلى الله عليه وسلم لما قال لهم : (قولوا لا إله إلا الله) ماذا قالوا؟ كما أخبر الحق عز وجل عنهم: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام من أهل الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن معنى ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب بشيء من المعاني.

والحاذق اليوم من هؤلاء من ظن أن معناها فقط أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله، ولا يدبر الأمر إلا الله، هكذا يفهم بعض الناس معنى لا إله إلا الله، فلا خير في رجلٍ جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله.

لا نعجب أن نجد من الكفار من هم أصحاب مبادئ وعقيدة، لكنهم يحترمون عقيدتهم ومبادئهم، ويقفون عندها ويخدمونها، بينما ذلك المسلم يردد أن لا إله إلا الله، لكن ليس لهدف، ليس لمبدأه ولا لعقيدته شيء من الإخلاص الحقيقي في ذلك.

تفاوت الناس في التوحيد

الناس يتفاوتون في التوحيد، ويتفاوتون في فهم معنى هذه الكلمة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى : فإن المسلمين وإن اشتركوا في الإقرار بها، فهم متفاضلون في تحقيقها تفاضلاً لا نقدر أن نضبطه. انتهى كلامه رحمه الله.

ويقول تلميذه ابن القيم في طريق الهجرتين : فالمسلمون كلهم مشتركون في إتيانهم بشهادة أن لا إله الله، وتفاوتهم في معرفتهم بمضمون هذه الشهادة وقيامهم بحقها باطناً وظاهراً أمرٌ لا يحصيه إلا الله . انتهى كلامه رحمه الله.

ويقول -أيضاً- في الداء والدواء : فإن من الناس من تكون شهادته ميتة -انتبهوا يا أحبة- ومنهم من تكون نائمة، إذا نبهت انتبهت، ومنهم من تكون مضطجعة، ومنهم من تكون إلى القيام أقرب، وهي -أي: الشهادة- في القلب بمنزلة الروح من البدن، فروح ميتة، وروح مريضة إلى الموت أقرب، وروح إلى الحياة أقرب، وروح صحيحة قائمة بمصالح البدن.. إلى آخر كلامه الجميل هناك رحمه الله تعالى.

فاعلم رحمني الله وإياك أن التوحيد هو: إفراد الله تعالى بالعبادة، وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده، بل هو أعظم سلاح يتسلح به المسلم، فهو سلاح العقيدة الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة، فأصل ما تزكوا به القلوب والأرواح هو التوحيد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى : ولهذا كان رأس الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وهي متضمنة عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين ديناً سواه.

انتهى كلامه رحمه الله.

فلا إله إلا الله هي كلمة التوحيد.. وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسماوات.. لا إله إلا الله فطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، وجردت سيوف الجهاد.. لا إله إلا الله محض حق الله على جميع العباد، والكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار، والمنجية من عذاب القبر ومن عذاب النار، والمنشور الذي لا يدخل أحد الجنة إلا به.

لا إله إلا الله الحبل الذي لا يصل إلى الله من لا يتعلق بصدده.. لا إله إلا الله كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، ينقسم بها الناس إلى شقي وسعيد، ومقبول وطريد، وانفصلت دار الكفر من دار الإيمان، وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان بلا إله إلا الله، وهي العمود الحامل للفرض والسنة (ومن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) نسأل الله الكريم من فضله .

قال ابن القيم كلاماً جميلاً عن التوحيد في الفوائد ، قال رحمه الله : التوحيد أشرف شيء وأنزهه وأنظفه وأصفاه، وأدنى شيء يخدشه ويدنسه ويؤثر فيه، فهو كأبيض ثوبٍ يكون، يؤثر فيه أدنى أثر، وكالمرآة الصافية جداً، أدنى شيءٍ يؤثر فيها ولهذا -وتنبهوا- تشوشه اللحظة واللفظة والشهوة الخفية، فإن بادر صاحبه وقلع ذلك الأثر بضده، وإلا استحكم وصار طبعاً يتعسر عليه قلعه. إلى آخر كلامه رحمه الله .

وكثير من الناس يغفل عن حقيقة التوحيد، فيتصور أن التوحيد هو.. قول لا إله إلا الله فقط، أو أنه الاعتراف بربوبية الله فقط، يردد أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت، ويجهل شمولية هذه العقيدة لجميع جوانب الحياة، لذلك ربما تزعزعت عقيدة التوحيد في نفوس كثير من المسلمين، فلا إله إلا الله في كل صغيرة وكبيرة، ولا إله إلا الله في كل حركة وسكنة، لا إله إلا الله في البيت والمسجد والوظيفة والشارع وكل مكان، هنا -باختصار- يتبين لنا جميعاً أثر لا إله إلا الله على نفوسنا.