شرح زاد المستقنع باب الإجارة [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن عقد الإجارة يقوم على أمور لابد من توافرها، فهناك العاقدان: وهما الشخصان فأكثر، اللذان يتفقان على إبرام عقد الإجارة، ولابد في هذين العاقدين -المؤجر والمستأجر- من أن تتوفر فيهما أهلية الإجارة، وذلك بأن يكونا عاقلين، بالغين، مختارين غير مكرهين، حرين، فلا تصح الإجارة استئجاراً ولا تأجيراً من صبي إلا إذا كان مميزاً وأذن له بالتصرف.

فمثال ذلك: لو أراد الصبي أن يؤجر عمارة يملكها إرثاً من والده، فإنه لا تصح إجارته، مع أنه هو المالك الحقيقي لها، ولا يصح له أن يؤجرها إلا بإذن وليه، فإذا أذن له وليه صحت الإجارة، وكذلك لو كان عنده مال فأراد أن يستأجر بذلك المال شيئاً فإنه لا تصح إجارته إلا أن يأذن له وليه.

وإذا كان يشترط في المؤجر أو المستأجر أن يكون بالغاً عاقلاً، فلا تصح الإجارة من مجنون، وكذلك أيضاً يكون حراً، إلا إذا كان عبداً مأذوناً له بالتصرف.

ومعنى أن يكون كلٌ من المؤجر والمستأجر مختاراً، أي: أنه أقدم على عقد الإجارة باختياره ورضاه، ولم يكن ذلك عن كره، فالإكراه يسقط الاعتبار لعقد الإجارة، فلو أن شخصاً أجبر على تأجير داره أو عمارته أو سيارته فإن العقد لا يصح.

والعلماء رحمهم الله يقولون: يشترط في العاقدين ما يشترط في البائعين، يعني: من أهلية التصرف.

كذلك يشترط ملكية المؤجر للشيء الذي يؤجره، فلا يجوز ولا يصح أن يؤجر الإنسان مال غيره إلا إذا كان وكيلاً عن ذلك الغير، أو ولياً قائماً على شئونه، أو يكون القاضي قد نصبه لرعاية مصالح المالك الحقيقي كما في المحجور عليه.. هذا بالنسبة للمؤجر والمستأجر.

شروط أركان الإجارة

أما بالنسبة لمحل عقد الإجارة: فمحل عقد الإجارة هو الأجرة والمنفعة، فالعاقدان يتفقان على تأجير شيء لقاء ثمن مدفوع، أو لقاء أجرة معينة، وبناء على ذلك ينصبُّ إيجاب كل من المؤجر والمستأجر على محل، هذا المحل إذا كان المنفعة السكنى -مثل: الفنادق والعمائر والفلل والشقق والغرف- فيقول له: أجرني شقتك سنة بعشرة آلاف. فيقول: قبلت. فهنا: انصب عقد الإجارة من إيجاب وقبول على منفعة هي سكنى الشقة لمدة سنة، وعلى أجرة وعوض وهو العشرة آلاف.

فإذاً: عقد الإجارة ينصب على المنفعة والعوض المبذول لقاء المنفعة، سواء كانت المنفعة السكنى، أو كانت المنفعة الركوب كركوب السيارات والقاطرات والطائرات ونحو ذلك.

وأما بالنسبة للمنفعة التي هي محل للعقد فلها شروط، سيبينها المصنف رحمه الله؛ منها أن تكون منفعة مقصودة، وأن تكون مباحة غير محرمة، وأن تكون معلومة غير مجهولة، ونحو ذلك من الشروط التي سيبينها رحمه الله.

وأما الثمن والأجرة: فكل ما صح ثمناً في البيع صح ثمناً في الأجرة، فيجوز أن تكون الأجرة من النقد، وهو الذهب أو الفضة، فيقول له: أستأجرها منك العمارة بعشرة آلاف ريال. وهذه فضة، أو يقول: أستأجرها بمائة جنيه من الذهب.

وقد تكون الأجرة من المثمونات، كأن يقول له: أجرني عمارتك هذه سنة بهذه السيارة. فحينئذ يكون العوض وتكون الأجرة من الأعيان.

هذا محل العقد، وينصب عقد الإجارة على منفعة وعلى عوض مدفوع لقاء هذه المنفعة.

أما الركن الأخير فهو: الإيجاب والقبول، وهو الذي يسميه العلماء (صيغة عقد الإجارة)، فصيغة عقد الإجارة تقوم على الإيجاب: أجرتك داري، أجرتك سيارتي، أجرتك أرضي... إلخ، ويكون هناك قبول من قوله: قبلت أو رضيت، ونحو ذلك مما يدل على القبول والرضا.

إذاً: عقد الإجارة يقوم على هذه الأركان التي تشمل العاقدين، ومحل العقد، وصيغة عقد الإجارة.

ولكل من هذه الأركان شروط لابد من توفرها للحكم بصحة عقد الإجارة، وهذه الشروط هي جملة من العلامات والأمارات التي نصبها الشارع لكي يحكم بصحة عقد الإجارة واعتباره، وقد تقدم تعريف الشرط لغة واصطلاحاً، وإذا قال العلماء: يشترط لعقد الإجارة شروط لابد من توفرها للحكم بصحته؛ فهذا النوع من الشروط يسمى بشروط الصحة، وإذا أردت ضبطها فهي جملة من الأسباب والعلامات والأمارات التي نصبها الشارع للمكلف حتى يحكم بصحة عقد الإجارة أو عدمه.

فأنت مثلاً: إذا سألك رجلان اتفقا على عقد إجارة، وقالا: اتفقنا على تأجير هذه السيارة بكذا وكذا لمدة شهر أو لمسافة ألف من الكيلومترات، فأنت حينئذٍ تنظر في هذا العقد والاتفاق بين الطرفين هل استوفى شروط الصحة، فإذا وجدت الأمارات والعلامات التي نصبها الشارع، وأنه استأجر منه السيارة شهراً، فالسيارة المراد بها: الركوب، وهذه منفعة، وهذه المنفعة مأذون بها شرعاً، ثم هذه المنفعة معلومة؛ لأنه حددها بشهر أو حددها بالمسافة فقال: ألف كيلو متر، وكذلك وجدت العاقدين على الصفات المعتبرة شرعاً للأهلية، فبعد وجود ذلك كله تقول: عقد الإجارة صحيح، فأنت تحكم بصحة الإجارة من خلال هذه العلامات والأمارات التي نصبها الشرع للحكم بصحة عقد الإجارة.

هذا هو معنى قول العلماء: شروط صحتها، فكل ذلك يقصد منه أن تبين العلامات التي ينظر الفقيه من خلالها إلى العقد، وكذلك ينظر القاضي والمفتي، فيحكم بصحة عقد الإجارة وعدمه.

أمثلة توضح شروط صحة العقود

لو جاءك شخص وقال: عندي عقد إجارة لبيتي أو عمارتي أو سيارتي أو مزرعتي. فأول ما تنظر في شروط الصحة، وعندك شروط تتعلق بالشخصين اللذين اتفقا على هذا العقد، وشروط تتعلق بالمنفعة نفسها والتي هي سكنى الدار، والمقصود هل هذه السكنى مأذون بها شرعاً أو غير مأذون بها شرعاً؟ هل هي معلومة أم مجهول؟ ونحو ذلك من الشروط المعتبرة، فإذا وجدت العلامات والأمارات المعتبرة للحكم بالصحة قلت: العقد في حكم الشرع صحيح. وإن وجدت أي شرط من هذه الشروط قد اختل تقول: العقد غير صحيح.

مثلاً: جاءك رجلان وقالا: اتفقنا على أن أؤجره سيارة بعشرة آلاف لمدة سنة، فلما اتفقنا دفع المال، وبعد أن أحضرت السيارة رجع عن العقد وامتنع من قبول السيارة، فتقول له: هل السيارة كانت معلومة ومعروفة عند المستأجر؟

فإن قال: لا.

قلت له: هل وصفت السيارة صفة تزول بها الجهالة؟

فإن قال: لا.

قلت له: انصب عقد الإجارة على شيء مجهول الذي هو السيارة، ومن حق المستأجر حينما نظر إليها فلم تناسبه أن يرجع؛ لأنه يريدها لمنفعة قد يرى في غالب ظنه أن مثلها لا يقوم بهذه المنفعة.

إذاً: فأنت حكمت بفساد هذا النوع من العقد لجهالة العين المؤجرة.

ولو قال له: أؤجرك شقة في داخل مكة بعشرة آلاف، فيها أربع غرف، بصفات هي كذا وكذا وكذا.. لكن لم يحدد مكانها، فاتفق معه ودفع له جزءاً من الأجرة، فلما مضى لكي يريه الشقة وإذا بها نائية أو بعيدة عن الحرم، فقال له: أنا لا أرضى بهذه الشقة.

فإذا اختصما إليك فإنك تقول: اتفقتما على إجارة شيء فيه جهالة، وكان المنبغي أن تحدد مكان الشقة وأن تحدد مكان العمارة.

ولو أنهما اتفقا على تأجير عمارة أو سكن، ووصف هذا السكن فقال له: أؤجرك عمارة بجوار الحرم بعشرة ألف، وهذه العمارة من صفاتها كذا وكذا وكذا، ووصف العمارة وصفاً تاماً، فلما جاء إلى العمارة وجد أن هناك صفات لم توجد، وأنه ذكر له صفات لم يرها في العين المؤجرة، فقال له: لا أريد. فإنك تقول: نعم، هذا من حقه؛ لأن الإجارة لا تصح إلا على شيء معلوم، ولما وصف لك المؤجر العين المؤجرة واختلفت الصفة فلك خيار الرؤية مثلما تقدم معنا في البيع.

فإذا أجر شيئاً حاضراً ناظراً، وقال: أؤجرك هذه العمارة، وأشار إليها، أؤجرك هذه السيارة؛ فحينئذ إذا استطاع أن يستجديها ويعرف صفاتها فإنه يستجديها ويعرف صفاتها، ولذلك فإنه لابد من معرفة العين المؤجرة، وخلو العقد من الجهالة في العين المؤجرة معتبر، فإذاً لابد من وجود صفات.

حينما يذكر الفقهاء هذه الشروط ينبغي لطالب العلم قبل أن يدخل في الشروط -حينما يقرأ: يشترط لصحة عقد الإجارة، يشترط لصحة الحج، يشترط لصحة الصوم- ينبغي أن يعلم أن هذه الشروط يقصد منها أمران:

الأمر الأول: رفع الظلم عن العباد في الحقوق والمعاملات التي تقع بينهم.

والأمر الثاني: معرفة ما أذن الله به من العقود وما حرمه.

فإذاً: هذه الشروط في الأصل لا تأتي من فراغ، ولا تأتي إلا بدليل شرعي أو أصل شرعي يدل على اعتبارها، مثلاً: لو قال لك قائل: لماذا تشترط أن تكون العين المؤجرة معلومة؟ تقول: لأن الشريعة شريعة عدل، ولا تجيز للمسلم أن يأكل مال أخيه المسلم بالباطل، فالمستأجر إذا استأجر شيئاً مجهولاً فتح الباب لأهل الفساد أن يأكلوا أموال الناس بالباطل، فيأتيه ويقول له: أؤجرك عمارة بمائة ألف. قال: قبلت. فظن أنها بمكان طيب، فظهر أنها في مكان غير طيب، وقد قررنا هذا وبيناه، وبينا وجه اشتراط الشريعة وتشديدها في عقود المعاوضات عند كلامنا على شرط العلم بالثمن والمثمن في البيع.

فالحاصل: أن شروط الصحة هي: جملة من العلامات والأمارات التي نصبها الشارع للحكم بصحة العقد، وبناء على ذلك؛ فهذه الشروط التي سيذكرها العلماء تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: شروط ورد النص بها وبينها نص الكتاب والسنة.

والقسم الثاني: شروط فهمت من أدلة الشريعة أو مقاصدها العامة، أو نبه الشرع بالنظير على نظيره، والله عز وجل جعل الأشياء معتبرة بعللها إذا كانت معللة، وهذه العلل يقصد منها الإنقاص، ويلحق بها ما هو شبيه بها في تلك العلة، فإذا وجدنا عقد الإجارة آخذاً حكم عقد البيع؛ لأن المستأجر دفع المال لقاء المنفعة، والبائع والمشتري دفع كل منهما ما بيده لقاء الآخر، فأصبحا من عقود المعاوضة، فكما أن الشريعة اشترطت في البيع العلم وانتفاء الجهالة، ونهى صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث الصحيح- عن بيع الغرر، نقول: لا تصح الإجارة إذا كانت على وجه الغرر.

وكما أن الله سبحانه وتعالى حرم علينا أن نأكل أموال الناس بالباطل، فنبيع التجارة على سبيل الكره أو على سبيل الغش الذي يؤكل به المال كله أو بعضه بالباطل، كذلك لا يجوز للمؤجر أو المستأجر أن يأكل مال أخيه بالباطل، فهو إذا أجره عمارة على أنها موصوفة بصفة كاملة، فدفع له عشرة آلاف -وهذا المال هو أجرة مثلها في الكمال- فتبين أنها ناقصة وأن مثلها يستحق الخمسة الآلاف -التي هي نصف الأجرة- فيكون قد أكل النصف الباقي بالباطل.

فإذاً: هذه الشروط إما أن تكون منصوصة كقوله عليه الصلاة والسلام: (من استأجر أجيراً فليعلمه أجره) فبين أنه لابد من العلم بالأجرة، وإما أن تكون ملحقة بالمنصوص عليه؛ لأن الشريعة قواعدها كلية وأصولها عامة، والفرع تابع لأصله، وكذلك يلحق النظير بنظيره عند وجود العلة المقتضية للإلحاق.

أما بالنسبة لمحل عقد الإجارة: فمحل عقد الإجارة هو الأجرة والمنفعة، فالعاقدان يتفقان على تأجير شيء لقاء ثمن مدفوع، أو لقاء أجرة معينة، وبناء على ذلك ينصبُّ إيجاب كل من المؤجر والمستأجر على محل، هذا المحل إذا كان المنفعة السكنى -مثل: الفنادق والعمائر والفلل والشقق والغرف- فيقول له: أجرني شقتك سنة بعشرة آلاف. فيقول: قبلت. فهنا: انصب عقد الإجارة من إيجاب وقبول على منفعة هي سكنى الشقة لمدة سنة، وعلى أجرة وعوض وهو العشرة آلاف.

فإذاً: عقد الإجارة ينصب على المنفعة والعوض المبذول لقاء المنفعة، سواء كانت المنفعة السكنى، أو كانت المنفعة الركوب كركوب السيارات والقاطرات والطائرات ونحو ذلك.

وأما بالنسبة للمنفعة التي هي محل للعقد فلها شروط، سيبينها المصنف رحمه الله؛ منها أن تكون منفعة مقصودة، وأن تكون مباحة غير محرمة، وأن تكون معلومة غير مجهولة، ونحو ذلك من الشروط التي سيبينها رحمه الله.

وأما الثمن والأجرة: فكل ما صح ثمناً في البيع صح ثمناً في الأجرة، فيجوز أن تكون الأجرة من النقد، وهو الذهب أو الفضة، فيقول له: أستأجرها منك العمارة بعشرة آلاف ريال. وهذه فضة، أو يقول: أستأجرها بمائة جنيه من الذهب.

وقد تكون الأجرة من المثمونات، كأن يقول له: أجرني عمارتك هذه سنة بهذه السيارة. فحينئذ يكون العوض وتكون الأجرة من الأعيان.

هذا محل العقد، وينصب عقد الإجارة على منفعة وعلى عوض مدفوع لقاء هذه المنفعة.

أما الركن الأخير فهو: الإيجاب والقبول، وهو الذي يسميه العلماء (صيغة عقد الإجارة)، فصيغة عقد الإجارة تقوم على الإيجاب: أجرتك داري، أجرتك سيارتي، أجرتك أرضي... إلخ، ويكون هناك قبول من قوله: قبلت أو رضيت، ونحو ذلك مما يدل على القبول والرضا.

إذاً: عقد الإجارة يقوم على هذه الأركان التي تشمل العاقدين، ومحل العقد، وصيغة عقد الإجارة.

ولكل من هذه الأركان شروط لابد من توفرها للحكم بصحة عقد الإجارة، وهذه الشروط هي جملة من العلامات والأمارات التي نصبها الشارع لكي يحكم بصحة عقد الإجارة واعتباره، وقد تقدم تعريف الشرط لغة واصطلاحاً، وإذا قال العلماء: يشترط لعقد الإجارة شروط لابد من توفرها للحكم بصحته؛ فهذا النوع من الشروط يسمى بشروط الصحة، وإذا أردت ضبطها فهي جملة من الأسباب والعلامات والأمارات التي نصبها الشارع للمكلف حتى يحكم بصحة عقد الإجارة أو عدمه.

فأنت مثلاً: إذا سألك رجلان اتفقا على عقد إجارة، وقالا: اتفقنا على تأجير هذه السيارة بكذا وكذا لمدة شهر أو لمسافة ألف من الكيلومترات، فأنت حينئذٍ تنظر في هذا العقد والاتفاق بين الطرفين هل استوفى شروط الصحة، فإذا وجدت الأمارات والعلامات التي نصبها الشارع، وأنه استأجر منه السيارة شهراً، فالسيارة المراد بها: الركوب، وهذه منفعة، وهذه المنفعة مأذون بها شرعاً، ثم هذه المنفعة معلومة؛ لأنه حددها بشهر أو حددها بالمسافة فقال: ألف كيلو متر، وكذلك وجدت العاقدين على الصفات المعتبرة شرعاً للأهلية، فبعد وجود ذلك كله تقول: عقد الإجارة صحيح، فأنت تحكم بصحة الإجارة من خلال هذه العلامات والأمارات التي نصبها الشرع للحكم بصحة عقد الإجارة.

هذا هو معنى قول العلماء: شروط صحتها، فكل ذلك يقصد منه أن تبين العلامات التي ينظر الفقيه من خلالها إلى العقد، وكذلك ينظر القاضي والمفتي، فيحكم بصحة عقد الإجارة وعدمه.

لو جاءك شخص وقال: عندي عقد إجارة لبيتي أو عمارتي أو سيارتي أو مزرعتي. فأول ما تنظر في شروط الصحة، وعندك شروط تتعلق بالشخصين اللذين اتفقا على هذا العقد، وشروط تتعلق بالمنفعة نفسها والتي هي سكنى الدار، والمقصود هل هذه السكنى مأذون بها شرعاً أو غير مأذون بها شرعاً؟ هل هي معلومة أم مجهول؟ ونحو ذلك من الشروط المعتبرة، فإذا وجدت العلامات والأمارات المعتبرة للحكم بالصحة قلت: العقد في حكم الشرع صحيح. وإن وجدت أي شرط من هذه الشروط قد اختل تقول: العقد غير صحيح.

مثلاً: جاءك رجلان وقالا: اتفقنا على أن أؤجره سيارة بعشرة آلاف لمدة سنة، فلما اتفقنا دفع المال، وبعد أن أحضرت السيارة رجع عن العقد وامتنع من قبول السيارة، فتقول له: هل السيارة كانت معلومة ومعروفة عند المستأجر؟

فإن قال: لا.

قلت له: هل وصفت السيارة صفة تزول بها الجهالة؟

فإن قال: لا.

قلت له: انصب عقد الإجارة على شيء مجهول الذي هو السيارة، ومن حق المستأجر حينما نظر إليها فلم تناسبه أن يرجع؛ لأنه يريدها لمنفعة قد يرى في غالب ظنه أن مثلها لا يقوم بهذه المنفعة.

إذاً: فأنت حكمت بفساد هذا النوع من العقد لجهالة العين المؤجرة.

ولو قال له: أؤجرك شقة في داخل مكة بعشرة آلاف، فيها أربع غرف، بصفات هي كذا وكذا وكذا.. لكن لم يحدد مكانها، فاتفق معه ودفع له جزءاً من الأجرة، فلما مضى لكي يريه الشقة وإذا بها نائية أو بعيدة عن الحرم، فقال له: أنا لا أرضى بهذه الشقة.

فإذا اختصما إليك فإنك تقول: اتفقتما على إجارة شيء فيه جهالة، وكان المنبغي أن تحدد مكان الشقة وأن تحدد مكان العمارة.

ولو أنهما اتفقا على تأجير عمارة أو سكن، ووصف هذا السكن فقال له: أؤجرك عمارة بجوار الحرم بعشرة ألف، وهذه العمارة من صفاتها كذا وكذا وكذا، ووصف العمارة وصفاً تاماً، فلما جاء إلى العمارة وجد أن هناك صفات لم توجد، وأنه ذكر له صفات لم يرها في العين المؤجرة، فقال له: لا أريد. فإنك تقول: نعم، هذا من حقه؛ لأن الإجارة لا تصح إلا على شيء معلوم، ولما وصف لك المؤجر العين المؤجرة واختلفت الصفة فلك خيار الرؤية مثلما تقدم معنا في البيع.

فإذا أجر شيئاً حاضراً ناظراً، وقال: أؤجرك هذه العمارة، وأشار إليها، أؤجرك هذه السيارة؛ فحينئذ إذا استطاع أن يستجديها ويعرف صفاتها فإنه يستجديها ويعرف صفاتها، ولذلك فإنه لابد من معرفة العين المؤجرة، وخلو العقد من الجهالة في العين المؤجرة معتبر، فإذاً لابد من وجود صفات.

حينما يذكر الفقهاء هذه الشروط ينبغي لطالب العلم قبل أن يدخل في الشروط -حينما يقرأ: يشترط لصحة عقد الإجارة، يشترط لصحة الحج، يشترط لصحة الصوم- ينبغي أن يعلم أن هذه الشروط يقصد منها أمران:

الأمر الأول: رفع الظلم عن العباد في الحقوق والمعاملات التي تقع بينهم.

والأمر الثاني: معرفة ما أذن الله به من العقود وما حرمه.

فإذاً: هذه الشروط في الأصل لا تأتي من فراغ، ولا تأتي إلا بدليل شرعي أو أصل شرعي يدل على اعتبارها، مثلاً: لو قال لك قائل: لماذا تشترط أن تكون العين المؤجرة معلومة؟ تقول: لأن الشريعة شريعة عدل، ولا تجيز للمسلم أن يأكل مال أخيه المسلم بالباطل، فالمستأجر إذا استأجر شيئاً مجهولاً فتح الباب لأهل الفساد أن يأكلوا أموال الناس بالباطل، فيأتيه ويقول له: أؤجرك عمارة بمائة ألف. قال: قبلت. فظن أنها بمكان طيب، فظهر أنها في مكان غير طيب، وقد قررنا هذا وبيناه، وبينا وجه اشتراط الشريعة وتشديدها في عقود المعاوضات عند كلامنا على شرط العلم بالثمن والمثمن في البيع.

فالحاصل: أن شروط الصحة هي: جملة من العلامات والأمارات التي نصبها الشارع للحكم بصحة العقد، وبناء على ذلك؛ فهذه الشروط التي سيذكرها العلماء تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: شروط ورد النص بها وبينها نص الكتاب والسنة.

والقسم الثاني: شروط فهمت من أدلة الشريعة أو مقاصدها العامة، أو نبه الشرع بالنظير على نظيره، والله عز وجل جعل الأشياء معتبرة بعللها إذا كانت معللة، وهذه العلل يقصد منها الإنقاص، ويلحق بها ما هو شبيه بها في تلك العلة، فإذا وجدنا عقد الإجارة آخذاً حكم عقد البيع؛ لأن المستأجر دفع المال لقاء المنفعة، والبائع والمشتري دفع كل منهما ما بيده لقاء الآخر، فأصبحا من عقود المعاوضة، فكما أن الشريعة اشترطت في البيع العلم وانتفاء الجهالة، ونهى صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث الصحيح- عن بيع الغرر، نقول: لا تصح الإجارة إذا كانت على وجه الغرر.

وكما أن الله سبحانه وتعالى حرم علينا أن نأكل أموال الناس بالباطل، فنبيع التجارة على سبيل الكره أو على سبيل الغش الذي يؤكل به المال كله أو بعضه بالباطل، كذلك لا يجوز للمؤجر أو المستأجر أن يأكل مال أخيه بالباطل، فهو إذا أجره عمارة على أنها موصوفة بصفة كاملة، فدفع له عشرة آلاف -وهذا المال هو أجرة مثلها في الكمال- فتبين أنها ناقصة وأن مثلها يستحق الخمسة الآلاف -التي هي نصف الأجرة- فيكون قد أكل النصف الباقي بالباطل.

فإذاً: هذه الشروط إما أن تكون منصوصة كقوله عليه الصلاة والسلام: (من استأجر أجيراً فليعلمه أجره) فبين أنه لابد من العلم بالأجرة، وإما أن تكون ملحقة بالمنصوص عليه؛ لأن الشريعة قواعدها كلية وأصولها عامة، والفرع تابع لأصله، وكذلك يلحق النظير بنظيره عند وجود العلة المقتضية للإلحاق.