عنوان الفتوى : شرح حديث: المؤمِنُ الذي يخالِطُ الناسَ ويَصبِرُ على أذاهم...
المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسَ ويَصبِرُ على أذاهم، أفضَلُ من المؤمِنِ الذي لا يخالِطُ الناس، ولا يَصبِرُ على أذاهم.
هل يدخل في هذا من يسير في الشوارع في هذه الأيام، ويصبر على الفتن، ويغض البصر؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحديث: الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسُ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ؛ أَفْضَلُ مِنَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
والمقصود بالأذى في الحديث: الأذى الذي يحصل عادة من مخالطة الناس على اختلاف طبائعهم وأمزجتهم. فمنهم سيئ الخُلُق، ومنهم سليط اللسان، ومنهم الجاهل الظلوم. فمخالطة هؤلاء تقتضي أن لا يسلم المخالِط لهم من شر طبائعهم وسوء أخلاقهم؛ كالسب، والشتم، والإهانة، والظلم، ونحو ذلك.
كما جاء في الحديث الآخر، في مسند الإمام أحمد عن الثلاثة الذين يحبهم الله تعالى، ومنهم: وَالرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْجَارُ يُؤْذِيهِ جِوَارُهُ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ ظَعْنٌ.
قال ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح: ولما كانت مخالطة الخلق في إجماع على الصبر على أذاهم، أفضلَ من تركهم، كان احتمالُ مداراة الخلق، والصبرِ على تباين أخلاقهم، وعسر أخلاقهم، وبُعْدِ مَن يبعد عن الحق منهم: من جملة مقامات الجهاد في سبيل الله، فلأجل ذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم)؛ فكان ذلك من الإيمان. انتهى.
وقال الحسين بن محمد بن سعيد اللاعيّ، المعروف بالمَغرِبي في البدر التمام، شرح بلوغ المرام: "ويصبر على أذاهم" الحديث فيه دلالة على فضيلة الصبر، والعفو عن المظالم، وكظم الغيظ، وهذه الخصال إنما تكون مع من يخالط النَّاس، ويقل حصولها مع من لا يخالط. اهـ.
ولم نجد من شراح الحديث من نص على دخول ما ذكر في السؤال في ذلك. ولكن لا يبعد أن الصابر عن الوقوع في الفتن، وعلى غض البصر عند مخالطة الناس يدخل في هذا؛ لأن هذا نوع من أنواع الصبر الثلاثة، وإذا خالط المسلمُ الناس، ورأى منهم منكرا، فإنه مطالبٌ بالإنكار، أو مفارقة المكان.
والله أعلم.