خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/68"> الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/68?sub=33614"> شرح كتاب زاد المستقنع
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح زاد المستقنع باب صلاة الجماعة [2]
الحلقة مفرغة
التقدم للإمامة مع وجود الإمام الراتب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه أو عذره].
قوله: [ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه]
أي: يحرم على المكلف أن يؤم غيره في المسجد الذي له إمام راتب إلا بإذنه. أي: بإذن الإمام الراتب. فلا يجوز للإنسان أن يتقدم للإمامة إذا وجد الإمام الراتب إلا بعد إذنه، وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه تخلف للصلح بين حيين من بني عوف، فلما تأخر جاء بلال فآذن أبا بكر بالصلاة، فأقام وتقدم أبو بكر يصلي بالناس، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم، فنبه الناس أبا بكر رضي الله عنه، فالتفت فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب يتأخر، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأتم، وتأخر أبو بكر .
ووجه الدلالة: -كما يقول العلماء- أن أبا بكر تأخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأحقية النبي صلى الله عليه وسلم بالإمامة، وذلك لمكان الرسالة من وجه، ولمكان الإمامة من وجه؛ ولذلك قالوا: إن هذا الحديث سنة، فلو قدم الإمام الراتب أثناء الصلاة وقد تقدم غيره، وأراد أن يؤخره ويتقدم صح ذلك وأجزأه، وبه أفتى جمع من العلماء رحمة الله عليهم، والسنة دالة على هذا.
والسبب في ذلك أنه أحق، والشرع قد أعطاه ذلك إن تعيّن من الإمام، أو من ينوب منابه، كما هو الحال لو عُين إمام راتبا لمسجد، فهذه الأحقية من جهة الولاية لا يجوز لأحد أن يتقدم عليها إلا بإذن من الشرع، وأذن لك الشرع أن تتقدم إماماً بدل الإمام الراتب عند عدم وجوده، فأما لو وجد فإن التقدم عليه يعتبر طعناً فيه وأذية له، وتقدماً من دون حق، وقد قال صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث عنه-: (من زار قوماً فلا يؤمهم)، فنص عليه الصلاة والسلام على أن لا يتقدم على إمامهم، ولذلك قال جماهير العلماء: الإمام الراتب أحق، ولا يجوز لأحد أن يتقدم عليه، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل أن يؤم الرجل في سلطانه، والإمام الراتب سلطان في مسجده. وقالوا: هو في حكم الرجل في بيته وفي سلطانه، فلا يجوز التقدم عليه، ومن هنا لا يشرع للإنسان أن يتقدم للإمامة مباشرة، وإنما يتقدم إذا لم يوجد الإمام الراتب، أو وجد إمام راتب وأذن له أن يتقدم، كأن يكون أعلم وأحق وأولى لعلم وفضل ونحو ذلك، فإنه يشرع للإمام أن يقدمه إظهاراً لفضله وإظهاراً لنبله ولذلك تأخر أبو بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لعظيم حقه صلوات الله وسلامه عليه، فإن تأخر له فحينئذ يتقدم.
فإذا لم يوجد الإمام الراتب ولم يوجد له نائب فحينئذ يجوز لك أن تتقدم إذا كنت أهلاً للإمامة، أو جد إمام راتب لكنه يلحن في الفاتحة لحناً يوجب بطلان صلاة من وراءه، فحينئذ يشرع لك أن تتقدم، وذلك صيانة لصلاته وصلاة من وراءه، فحينئذ لا حرج عليك أن تتقدم، إلا إذا وجدت مفسدة أو ضرر فحينئذٍ لا تعتد بصلاتك وراءه.
وقوله: [أو عذره].
أي: وجود العذر. وإذا تأخر الإمام عن المسجد فحينئذٍ يرسل إليه إذا كان بيته قريباً، ولا حرج أن يطلب من الأئمة إذا تأخروا أن يحضروا، فإن عمر رضي الله عنه لما أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة العشاء خرج يصرخ ويقول -كما في الصحيحين-: الصلاة يا رسول الله! رقد النساء والصبيان. فإذا كان تأخير الناس في انتظار الصلاة يحصل به المشقة والضرر فلا حرج أن يرسل إلى الإمام ويقال له: بادر إلى الصلاة. فإن كان.
عنده عذر، أو طرأ عليه عذر فقال لهم: صلوا. وأذن لهم بالصلاة، فحينئذ يقدمون من رضوه لإمامتهم ويصلي بهم.
إعادة الصلاة لمن صلى ثم حضر جماعة يصلون
قوله: [ومن صلى] أي: الفريضة. [ثم أقيم فرض] أي: لنفس الفريضة التي صلاها، كأن تصلي العصر في مسجد، ثم تذهب إلى مسجد آخر تطلب أخاً أو تريد حاجة، فدخلت في هذا المسجد فأقيمت الصلاة، فإنه يجب عليك أن تدخل مع هذه الجماعة الثانية، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء:
فمنهم من قال: من صلى صلاة ثم دخل المسجد وأقيمت نفس الصلاة فلا يصليها ولا يعيد. واحتجوا بحديث ميمونة : (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تعاد الصلاة مرتين) .
والقول الثاني: يعيد جميع الصلوات بدون استثناء وهو مذهب بعض أهل الحديث وأهل الظاهر، وذلك لظاهر حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل الصلاة لوقتها، ثم صلها معهم، ولا تقل: إني صليت)، وحديث الخيف بمنى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجلين: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد فصليا؛ فإنها لكما نافلة).
ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بإعادة الجماعة، وهذا في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أن الصلاة تعاد في المسجد مطلقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إلا المغرب، أو العصر، أو الفجر، وإنما قال: (فصليا؛ فإنها لكما نافلة).
ومنهم من قال: يعيد جميع الصلوات إلا صلاة الفجر والعصر.
ومنهم من قال: يعيد جميع الصلوات إلا المغرب، كما اختاره المصنف.
ومنهم من قال: يعيد جميع الصلوات إلا صلاة الفجر والعصر والمغرب.
والسبب في استثناء المغرب -كما درج عليه المصنف- أن المغرب وتر، وإذا صلاها فإنه يكون موتراً وترين في ليلة، وفي حديث الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا وتران في ليلة).
والذي يترجح في نظري -والعلم عند الله- أنه يشرع له أن يعيد جميع الصلوات بدون استثناء، وذلك لما يلي:
أولاً: لصحة حديث أبي ذر في الصحيحين أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (صل الصلاة لوقتها، ثم صلها معهم، ولا تقل: إني صليت)، ولم يقل: إلا المغرب. بل أطلق، والقاعدة في الأصول: (المطلق يبقى على إطلاقه حتى يرد ما يقيده)، ولا مقيد له هنا.
وكذلك حديث الخيف، حيث قال للرجلين: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد فصليا)، ولم يقل: إلا المغرب، أو الفجر، أو العصر. وهذان النصان مطلقان.
أما استثناء المغرب لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وتران في ليلة) فيجاب عنه بأن الوتر يبتدئ وقته من بعد صلاة العشاء، وإذا صلى المغرب فإنه لم يدخل بعد وقت العشاء، فيكون هذا الوتر غير معتدٍ به ولا مؤثر.
ثانياً: أن نقول: إنه بعد سلام الإمام يقوم ويشفع صلاته بركعة، جمعاً بينه وبين حديث : (لا وتران في ليلة)، وعلى هذا فلا تعارض بين هذه النصوص، وكل من صلى ثم دخل المسجد فإنه يعيد صلاته مع الجماعة الثانية.
وهذا -كما يقول العلماء- فيه نكتة لطيفة، وهي أن الإسلام حرص على الجماعة ونهى عن الشذوذ؛ لأن الشذوذ عن الجماعة شر وبلاء، ولذلك من خرج عن جماعة المسلمين العامة مات ميتة جاهلية والعياذ بالله، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج عن الجماعة، حتى قال: (من مات وليس في عنقه بيعة فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً)، فالخروج عن جماعة المسلمين هلاك، فأدب الله عز وجل عباده المؤمنين في أهم أركان الدين وهي الصلاة أن يكونوا على وتيرة واحدة ولا يشذون، ولأنه لو فتح باب التخلف عن الجماعات لفتح لأهل الأهواء والبدع أن يتخلفوا عن أهل السنة، ولذلك جمع الله شمل المسلمين بهذه الصورة، فإذا دخل الإنسان إلى المسجد فإنه يلتزم بجماعة المسجد، حتى نص جماهير العلماء على أنه لو دخل قبل تسليم الإمام ولو بلحظة وأمكنه أن يكبر يجب عليه أن يكبر، ولا ينتظر، ولا يحدث جماعة ثانية، وذلك للنص الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فإذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا) أي: ما أدركتموه مع الإمام فصلوا، قالوا: فهذا مطلق يشمل جميع ما يدرك، وإذا أراد أن يحدث جماعة ثانية يقول لمن معه: ندخل في التشهد، فإذا سلم الإمام فائتم بي. فإن كل هذا تعظيم لأمر الجماعة، ولذلك قالوا: من دخل وقد صلى فإنه يصلي ويدخل مع الجماعة ويعيد، وتعتبر هذه الإعادة لازمة وواجبة؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها دون استثناء لفرض.
حكم تكرار الجماعة في المسجد
أي: لا حرج في استحداث جماعة ثانية بعد الجماعة الأولى، وذلك لأدلة:
أولها: أنه قد ثبتت النصوص في الكتاب والسنة باعتبار المساجد للجماعات، وأن الأصل في المساجد أنها للجماعة.
ثانيها: أنه ثبت في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس جماعة، ثم لما انفتل من صلاته رأى رجلاً يصلي وحده، فقال صلى الله عليه وسلم: (من يتصدق على هذا؟) فقام أبو بكر فصلى معه.
ووجه الدلالة أن هذا الرجل دخل لوحده، وأبو بكر كان قد صلى، ولم يوجد مع الرجل رجل ثانٍ، فندب النبي صلى الله عليه وسلم من كان صلى أن يصلي معه. قالوا: عرف منه الشرع أنه ينبه بالأدنى على الأعلى. وقالوا: فإذا شرعت الجماعة في المسجد بعد الجماعة الأولى لمتنفل مع مفترض، فلأن تشرع لمفترض مع مفترض من باب أولى وأحرى.
ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لو وجد معه رجلاً لم يقل للناس: (من يتصدق على هذا)، فكأن مقصود الشرع الرفق بالناس، ونفهم من قوله : (من يتصدق على هذا) أن مقصود الشرع حصول الجماعة بأية وسيلة ولو بإعادة الصلاة مرة ثانية، فإذا علمت أن مقصود الشرع هو حصول الجماعة من جهة قوله : (من يتصدق) دل قوله : (من يتصدق) على العموم، أي أن مقصود الشرع أن تحصل الجماعة الثانية، بدليل قوله : (من يتصدق) أي: من يجعل صلاة هذا صلاة جماعة، فإذا كان مقصود الشرع أن يتصدق على هذا، وأن تكون الصلاة بالرجل صلاة جماعة فلا فرق أن تقع الجماعة الثانية بمفترض مع مفترض، أو بمفترض مع متنفل، والقول بأن هذا خاص بالمتنفل تخصيص بدون مخصص، ولا يستقيم هذا القول.
فلو قال قائل: إن هذا يختص بمتنفل مع مفترض، فهذا قول ضعيف؛ لأن مسلك التخصيص عند الأصوليين شرطه أن يكون الأصل خلاف ما ورد به النص، بمعنى أن يأتي أصل نص صريح يدل على أنه لا تجوز الجماعة الثانية، وليس عندنا نص صريح بل غاية ما فيه حديث ابن مسعود، وحديث تأخر النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح بين حيين بقباء، فقدم المسجد فوجدهم قد صلوا، فلم يعرج على المسجد بل مضى إلى بيته، فهذا الحديث لا يدل على المنع من الجماعة الثانية -كما يقول الإمام مالك ومن وافقه-؛ لأن حديث الصلح يجاب عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم مضى إلى بيته، ودعوى أصحاب هذا القول أنه: لا تشرع الجماعة الثانية -أي: نهي ومنع وتحريم- تحتاج إلى صريح نص، ولذلك يقولون: دلالة الفعل لا تدل على التحريم، فيقول الجمهور: لا مانع أن ينصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته لئلا يكسر خواطر أصحابه؛ لأنه لو دخل المسجد لانكسر خاطر من صلى بهم، وقد كان عليه الصلاة والسلام من أرحم الناس بأصحابه، وغاية ما فيه أن يقال: إنه خارج المسجد، وخلافنا في داخل المسجد، والقاعدة في الأصول: (لا يحكم بالتعارض بين نصين إلا إذا اتحدا مورداً ودلالة). وقد جاءنا حديث أبي بكر في داخل المسجد، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في خارج المسجد، مع وجود صريح اللفظ في حديث أبي بكر ، ووجود دلالة فعل محتملة في حديث الصلح، فبقي قول من قال بمشروعية التكرار أقوى وأوجه وأولى بالاعتبار، ولذلك كان أرجح القولين، والعلم عند الله عز وجل.
وقوله: [في غير مسجدي مكة والمدينة].
أي أن مسجدي مكة والمدينة لا يشرع تكرار الجماعة فيهما، وهذا توسط بين القولين اللذين ذكرناهما، وإلّا فإن الخلاف بين العلماء رحمة الله عليهم عام في المساجد كلها، وكان الإمام مالك رحمة الله عليه ومن وافقه من السلف يشددون في الجماعة الثانية من باب سد الذرائع، ومن أصول المالكية سد الذريعة؛ لأن عصورهم كان فيها أهل بدع وأهواء يتخلفون عن جماعة أهل السنة ويحدثون الجماعة الثانية، فخشي أن يفتح لأهل البدع والأهواء ما يفعلونه من التخلف عن الجماعة واستحداث جماعة ثانية حتى تكون شعاراً لهم، قالوا: ولأنه لو حدثت الجماعة الثانية لتقاعس الناس عن الجماعة الأولى، وهذه كلها علل عقلية لا تصادم النص الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (من يتصدق على هذا)، ولا تصادم النصوص التي دعت إلى إحياء الجماعة، وغاية ما نقول: إن الجماعة الثانية لو تخلف الإنسان لها فقد فاته فضل الجماعة الأولى، فبقي مشدود الهمة للجماعة الأولى تحصيلاً لفضيلة أول الزمان وفضيلة أولى الجماعتين.
حكم صلاة النافلة إذا أقيمت الصلاة
فقوله: [إذا أقيمت الصلاة] معناه: إذا كان الإنسان في المسجد وأقيمت الصلاة الحاضرة [فلا صلاة] أي: لا يجوز له أن يبدأ في صلاة إلا المكتوبة التي أقيمت.
وبناءً على ذلك فلو كان يريد التنفل، كأن يصلي الفجر القبلية ويكون ذلك عند الإقامة أو بعد الإقامة فإنه ينهى عن ذلك، ويعتبر فعله هذا محرماً ومنهياً عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فلا صلاة إلا المكتوبة)، والنفي في قوله: (فلا صلاة) يتضمن النهي؛ إذ لم يفرق بين صلاة وأخرى.
وهناك فائدة ثانية، وهي أن هذا الحديث دلنا على أن التعارض بين الواجب وغير الواجب الذي هو أدنى منه يوجب تقديم الواجب لعلو مرتبته في الشرع، ووجه ذلك أنه إذا أقيمت الصلاة وأنت في المسجد فإنك مخاطب بواجب حاضر وهو الصلاة مع الجماعة، والتنفل دون هذا الواجب، وبناءً على ذلك تقطع هذه النافلة وتدخل في الفريضة مع الجماعة.
وفيه دليل على فائدة ثالثة، وهي أن الإسلام يريد من المسلمين أن يكونوا جماعة واحدة، ولا يريد التفرق حتى في أشرف العبادات وهي الصلاة، ولذلك منع المصلي أن ينفرد عن الجماعة في المسجد، وكما أنه في الابتداء يدخل مع الجماعة فكذلك عند الانتهاء، فلو دخلت قبل تسليم الإمام ولو بلحظة فإنك تدخل مع الجماعة، وحينما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أنه سيكون عليهم أئمة يؤخرون الصلاة قال الصحابي: ماذا أفعل؟ قال: (صلِّ الصلاة لوقتها، ثم صلها معهم) أي: لا تشذ عن الجماعة، وقال للرجلين لمّا صليا بعد يوم النحر بمنى ثم جاءا إلى ناحية من المسجد فلم يصليا : (ألستما بمسلمين؟ ) أي: لو كنتما مسلمين لكنتما مع جماعة المسلمين قالا: بلى يا رسول الله. ولكنا صلينا في رحالنا. قال: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد فصليا؛ فإنها لكما نافلة) يقول العلماء رحمة الله عليهم: وهذا كله يؤكد أمر ولزوم جماعة المسلمين ما أمكن، حتى في أشرف المواطن وأعظمها وهي الصلاة.
فلو فتح للناس أن يتنفلوا أثناء الفريضة لتفرقت جماعة المسلمين، وأصبح هذا يصلي الرغيبة وهذا يصلي تحية المسجد، فلا يدري الإنسان وهو داخل عن حال الجماعة، لكنهم إذا صلوا وراء إمام واحد، واقتدوا بإمام واحد كان ذلك أبلغ في الاجتماع والاتئلاف، وهذا هو مقصود الشرع من صلاة الجماعة.
وللإنسان عند إقامة الصلاة حالتان:
الحالة الأولى: أن تقام الصلاة ثم يبتدئ النافلة، وهذا محرم بالإجماع، فلا يشرع في النافلة بعد إقامة الصلاة، سواءٌ أكانت في أول الإقامة أم بعد الانتهاء من الإقامة، أم في أثنائها، فإذا قال المؤذن: (الله أكبر)، يقيم الصلاة فإنه يحرم على الإنسان أن يكبر لنافلة أو غيرها.
وقد استثنى بعض فقهاء الحنفية المتأخرين رحمة الله عليهم رغيبة الفجر، فتجدهم ينفردون يصلون ولو كان الإمام في الأولى، واحتجوا بحديث ضعيف: (إلا رغيبة الفجر)، ولكنه لا يقوى على استثناء هذا النص الصحيح الصريح، وبناءً على ذلك فإن العمل على ما عليه جماهير العلماء من أنه لا يجوز إذا أقيمت الصلاة أن يبتدئ المصلي بصلاة نافلة أياً كانت هذه النافلة.
الحالة الثانية: أن تقام الصلاة وأنت في أثناء الصلاة، فإن غلب على ظنك أنك سوف تتم الصلاة قبل أن يركع الإمام ويمكنك أن تدرك الركعة معه فحينئذ تتم الصلاة على قول جماهير العلماء، خلافاً للظاهرية وأهل الحديث، حيث قالوا: إذا أقيمت الصلاة -حتى ولو غلب على ظنك أنك تدرك الإمام في ركوعه- فإنك تقطع هذه الصلاة، ولو كنت في آخرها؛ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (فلا صلاة إلا المكتوبة) والصحيح مذهب الجمهور؛ لأن الله يقول -كما في التنزيل- : وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33]، فنهانا عن إبطال العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن خير أعمالكم الصلاة)، فنهانا الله عن إبطال العمل، والصلاة عمل، فلا نبطلها إلا بوجه بين، فإنه إذا غلب على ظنك أنك مدرك للركعة جمعت بين الأمرين، والقاعدة: (الجمع بين النصين أولى من العمل بأحدهما وترك الآخر).
ثم إننا نقول: إن قوله: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة) هو نص في ابتداء الصلاة، وليس المراد به إلغاء الصلاة التي من قبل، وبناءً على ذلك فإنه يقوى أن يكون المعنى: (فلا صلاة ابتدءاً)، ويؤخذ المعنى منسحباً إلى كل صلاة تؤدي إلى فوات جزء الصلاة ركعة فأكثر.
وقوله: [فلا صلاة إلا المكتوبة].
المكتوبة هي المفروضة؛ لأن الكَتْب يطلق بمعنى الفرض، ومنه قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] أي: فرض ووجب ولزم عليكم الصيام، فالكتب هو الفرضيّة والوجوب، فمن هنا يكون قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) أي: المفروضة الحاضرة.
وقوله: [فإن كان في نافلة أتمها إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها]:
أي: إن كان في نافلة فإنه يتمها إن وسعه الإتمام دون أن تفوته الركعة، وأما إذا كانت الركعة سوف تفوته فإنه يقطعها ويدخل في الجماعة.
ما تدرك به فضيلة الجماعة
إذا دخلت إلى المسجد والإمام في التشهد الأخير ففي هذه الحالة تعتبر غير مدرك للركعة؛ لأن من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة، وهناك أمران عند العلماء:
أحدهما: حكم الصلاة مع الجماعة.
وثانيهما: فضل الجماعة. فهناك فرق بين الحكم وبين الفضل، يُقال: أدرك الفضل. ويقال: أدرك الحكم. وإدراك الحكم شيء، وإدراك الفضل شيء آخر، فإذا كان الإنسان قد أدرك ركعة فأكثر مع الإمام فقد أدرك الصلاة، فلو أدركت ركعة فأكثر، كأن دخلتَ في صلاة الظهر فأدركت الإمام في الركعة الأخيرة، وكبرت وركعت معه فأنت مدرك للصلاة، وكذلك الحال لو أدركته يوم الجمعة في الركعة الأخيرة، فأنت مدرك للجمعة، وحكمك حكم المجمّع.
الحالة الثانية: إدراك الفضل، وهو على صورتين:
الأولى: إدراك الفضل الحقيقي بالدخول مع الجماعة الأولى الذي يتضمن إدراك فضلها وقتاً.
الثانية: إدراك فضلها ثواباً، ولكن دون ثواب من أدركها كاملة، وهناك إدراك فضلها بمطلق الخروج.
فأما إدراك فضلها الذي يكون دون إدراك الحكم فكما لو أدركته قبل التسليم وقلت: (الله أكبر)، فانتهيت من تكبيرة الإحرام قبل أن يسلم فقد أدركت فضل الجماعة، وبناءً على ذلك قال بعض العلماء: إن قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، وفي رواية: (بخمس وعشرين درجة) محمول في رواية السبع والعشرين على من أدركها من أولها، وأجر الخمس والعشرين لمن أدرك آخر أجزائها، فيكون أقل ما يدركه الإنسان في فضل صلاة الجماعة الخمس والعشرين جزءاً، وإذا أدركها من ابتدائها فيدرك سبعاً وعشرين درجة، ويتردد بين الفضيلتين، فهذا بالنسبة لإدراك الفضيلة.
وتوضيح هذين الأمرين يتضح بصلاة الجمعة، فلو أن إنساناً أدرك الإمام في يوم الجمعة في الركعة الأخيرة فقد أدرك الجمعة، ويتم ركعة واحدة، لكنه لو أدرك الإمام بعد الرفع من الركوع ولم يدرك الركعة الأخيرة نقول: أدرك فضيلة الجمعة ويتمها ظهراً؛ لأنه لم يدرك الحكم، فهناك فرق بين حكم الجمعة وبين فضلها، وبين حكم الجماعة وبين فضلها.
وبناءً على هذا فمن أدرك الإمام قبل تسليمه ولو بلحظة فكبر فإنه مدرك للفضيلة، وبناء على ذلك لو دخلت ولو قبل تسليم الإمام بلحظة فإن الجماعة الأولى التي تدركها أفضل من الجماعة الثانية التي ستصلي معها، خلافاً لمن اختار من بعض الأئمة أنه ينتظر ويقيم جماعة ثانية، وهذا فيه إشكال من وجوه أشهرها وجهان:
الوجه الأول: أنه مخالف لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (فما أدركتم فصلوا)، وهذا عموم؛ حيث لم يفرق بين إدراك الحكم وإدراك الفضيلة، وهذا نص لا يحتاج إلى اجتهاد، ولم يقل: إلا أن يكون قبل السلام بلحظة فجمعوا، وإنما قال: (فما أدركتم فصلوا).
الوجه الثاني: أنك لو دخلت مع الجماعة الأولى أدركت فضيلة الجماعة الأولى في الوقت، ولكن لو تأخرت وأحدثت جماعة ثانية فقد فاتك من الفضائل ما الله به عليم؛ لأنه ربما تكون اللحظة بين أول وقت الصلاة وبين التي تليها كما بين السماء والأرض.
وفي الحديث: (إن العبد ليصلي الصلاة وما يصليها في وقتها -أي: الكامل- ولما فاته من وقتها خير من الدنيا وما فيها)، فربما أن الجماعة الأولى ستأخذ الركعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة فيها أجزاءً من الوقت، وقد تطول الصلاة، فعندما تدخل مع الإمام قبل تسليمه ولو بلحظة فقد أدركت فضيلة الوقت، وكان لك حكم الجماعة الأولى التي أدركت من فضل الوقت ما لم تدركه الجماعة الثانية.
ومن هنا ترجح قول الجماهير أنه يدخل مع الجماعة الأولى، ولكن استحب بعض العلماء أنه لو دخل بجواره من يفقه ويعلم أن يقول له إذا دخل بعد الركعة الأخيرة: إذا سلم الإمام فائتم بي. فإذا سلم الإمام فإنه يقتدي هذا المتأخر بالمتأخر، ولو كانا اثنين دفعهما وراءه ثم صلى بهما، أما لو أدرك ركعة فأكثر فلا يحدث جماعة ثانية، فيكون مدركاً لفضيلة الجماعة الثانية ومدركاً لفضيلة الجماعة الأولى، وهذا أنسب الوجوه وأحبها عند طائفة من أهل العلم رحمة الله عليهم.
قال رحمه الله تعالى: [وإن لحقه راكعاً دخل معه في الركعة وأجزأته التحريمة].
الضمير في [وإن لحقه] راجع إلى الإمام، فإن لحق الإمام راكعاً أدركه، أي: إذا كبر تكبيرة الإحرام فإنه يعتبر مدركاً لتلك الركعة ما لم يرفع الإمام رأسه، وبناء على ذلك فإن أصح أقوال العلماء -وهو مذهب الجمهور- أن من أدرك الإمام راكعاً وركع معه فإنه يعتبر مدركاً للركعة وتسقط عنه الفاتحة. وهناك حديث في ذلك صحيح قوي، وهو حديث أبي بكرة رضي الله عنه: أنه انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ)، فروي بلفظ: (ولا تَعْدُو)، ولفظ: (ولا تُعِد)، وأصحها: (ولا تَعُد) أي: لا تعد إلى التأخر عن الجماعة حتى تضطر إلى هذا الفعل. وقيل: (لا تَعُد) بتكبير دون الصف والمشي؛ لأنه حركة في أثناء الصلاة، وأما رواية: (لا تعْدُ) فلأن المساجد القديمة المفروشة بالحصى إذا أسرع الإنسان فيها شوش بصوت الحصى، وهذا موجود إلى الآن، فقال: (لا تعدُ)؛ لأن الصلاة تحتاج إلى سكينة.
وأما رواية: (ولا تُعِد) أي: لا تعد الركعة فقد أجزأتك، والروايتان الأخيرتان أضعف من الرواية الأولى، وهي: (ولا تَعُد)، أي: لا تعد إلى هذا التأخير الموجب لفوات الفضل عليك.
و(راكعاً) في قوله: [وإن لحقه راكعاً] حال، أي: حال كونه راكعاً، وبناءً على ذلك فأنت حينما تدرك الإمام راكعاً فأنت على أحوال:
الحالة الأولى: أن تنتهي من التكبير والانحناء قبل أن يُسمّع الإمام ويرفع رأسه؛ لأن هنا شيئين: شيئاً يصدر منك وهو التكبير، وشيئاً يصدر من الإمام وهو التسميع والرفع من الركوع.
فعندنا أمران لا بد من بيانهما لتفصيل أحكام الإدراك، فالذي يفعله المكلف التكبير والانحناء لكي يدرك الركوع، والذي يفعله الإمام التسميع والرفع من الركوع، فالذي يدرك الإمام راكعاً إما أن يقول التكبير ويفعل الانحناء، بمعنى أن يركع قبل أن يتلفظ الإمام ويرفع رأسه، وبناءً على ذلك تكون قد أدركت القول والفعل قبل أن يكون من الإمام القول والفعل، فحينئذٍ لا إشكال أنك مدرك للركوع عند من يقول: إن إدراك الركوع يوجب إدراك الركعة.
الحالة الثانية: أن تدرك القول ولا تدرك الفعل قبل رفعه، بأن تقول: (الله أكبر)، ثم يقول الإمام: (سمع الله لمن حمده) قبل أن تحني رأسك، أو قبل أن تركع، ففي هذه الحالة إذا انتهيت من راء (أكبر) قبل أن يبتدئ الإمام بالسين من (سمع الله لمن حمده) فأنت مدرك للركعة؛ لأنك بتكبيرك قد دخلت، وتسقط عنك التكبيرة الثانية؛ لأنها داخلة في الأولى، وبناء على ذلك يجزئ المكلف في قول الجماهير تكبيره واحدة لإدراك الركعة، كما اختاره المصنف ودرج عليه.
وبناءً على هذا فالعبرة بانتهائك من قولك: (الله أكبر)، فإن ابتدأ الإمام بالسين من (سمع) أثناء تكبيرك، أو قبل ابتدائك التكبير فتبقى واقفاً؛ لأنك لم تدرك الركوع، وقد أدركت الرفع من الركع، فتبقى واقفاً لم تدرك الركعة ويلزمك قضاءها.
الحالة الثانية: أن تبتدئ بالتكبير وترى الإمام أمامك رافع الرأس قبل أن يسمع كما يفعل بعض الأئمة، فيسبق الفعل القول، فأنت تراه أمامك قد رفع رأسه، فإذا رفع قلت: (الله أكبر)، قبل أن تسمع منه الصوت فحينئذ أنت مدرك ولا عبرة بالفعل؛ لأن العبرة بالانتقال الذي هو التسميع، قال صلى الله عليه وسلم: (من أدرك الركوع فقد أدرك السجود، ومن أدركهما فقد أدرك الركعة)، وأمر عليه الصلاة والسلام من أدرك الإمام على حالة أن يدخل معه عليها، وقوله: (من أدرك الركوع فقد أدرك السجود، ومن أدركهما فقد أدرك الركعة) نص في أن إدراك الركوع يوجب ثبوت إدراك الركعة، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فإنه عموم مخصص بالنصوص السابقة، كحديث أبي بكرة الصحيح، وحديث: (من أدرك الركوع فقد أدرك السجود، ومن أدركهما فقد أدرك الركعة)، ثم إننا نقول: إن إيجاب قراءة الفاتحة محله إذا وسع الوقت لقراءتها، وهذا لم يسع الوقت له بالقراءة، وبناء على ذلك لا يجب عليه أن يقرأ الفاتحة ولا يلزمه ذلك، وتسقط عنه، والركعة مجزئة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه أو عذره].
قوله: [ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه]
أي: يحرم على المكلف أن يؤم غيره في المسجد الذي له إمام راتب إلا بإذنه. أي: بإذن الإمام الراتب. فلا يجوز للإنسان أن يتقدم للإمامة إذا وجد الإمام الراتب إلا بعد إذنه، وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه تخلف للصلح بين حيين من بني عوف، فلما تأخر جاء بلال فآذن أبا بكر بالصلاة، فأقام وتقدم أبو بكر يصلي بالناس، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم، فنبه الناس أبا بكر رضي الله عنه، فالتفت فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب يتأخر، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأتم، وتأخر أبو بكر .
ووجه الدلالة: -كما يقول العلماء- أن أبا بكر تأخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأحقية النبي صلى الله عليه وسلم بالإمامة، وذلك لمكان الرسالة من وجه، ولمكان الإمامة من وجه؛ ولذلك قالوا: إن هذا الحديث سنة، فلو قدم الإمام الراتب أثناء الصلاة وقد تقدم غيره، وأراد أن يؤخره ويتقدم صح ذلك وأجزأه، وبه أفتى جمع من العلماء رحمة الله عليهم، والسنة دالة على هذا.
والسبب في ذلك أنه أحق، والشرع قد أعطاه ذلك إن تعيّن من الإمام، أو من ينوب منابه، كما هو الحال لو عُين إمام راتبا لمسجد، فهذه الأحقية من جهة الولاية لا يجوز لأحد أن يتقدم عليها إلا بإذن من الشرع، وأذن لك الشرع أن تتقدم إماماً بدل الإمام الراتب عند عدم وجوده، فأما لو وجد فإن التقدم عليه يعتبر طعناً فيه وأذية له، وتقدماً من دون حق، وقد قال صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث عنه-: (من زار قوماً فلا يؤمهم)، فنص عليه الصلاة والسلام على أن لا يتقدم على إمامهم، ولذلك قال جماهير العلماء: الإمام الراتب أحق، ولا يجوز لأحد أن يتقدم عليه، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل أن يؤم الرجل في سلطانه، والإمام الراتب سلطان في مسجده. وقالوا: هو في حكم الرجل في بيته وفي سلطانه، فلا يجوز التقدم عليه، ومن هنا لا يشرع للإنسان أن يتقدم للإمامة مباشرة، وإنما يتقدم إذا لم يوجد الإمام الراتب، أو وجد إمام راتب وأذن له أن يتقدم، كأن يكون أعلم وأحق وأولى لعلم وفضل ونحو ذلك، فإنه يشرع للإمام أن يقدمه إظهاراً لفضله وإظهاراً لنبله ولذلك تأخر أبو بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لعظيم حقه صلوات الله وسلامه عليه، فإن تأخر له فحينئذ يتقدم.
فإذا لم يوجد الإمام الراتب ولم يوجد له نائب فحينئذ يجوز لك أن تتقدم إذا كنت أهلاً للإمامة، أو جد إمام راتب لكنه يلحن في الفاتحة لحناً يوجب بطلان صلاة من وراءه، فحينئذ يشرع لك أن تتقدم، وذلك صيانة لصلاته وصلاة من وراءه، فحينئذ لا حرج عليك أن تتقدم، إلا إذا وجدت مفسدة أو ضرر فحينئذٍ لا تعتد بصلاتك وراءه.
وقوله: [أو عذره].
أي: وجود العذر. وإذا تأخر الإمام عن المسجد فحينئذٍ يرسل إليه إذا كان بيته قريباً، ولا حرج أن يطلب من الأئمة إذا تأخروا أن يحضروا، فإن عمر رضي الله عنه لما أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة العشاء خرج يصرخ ويقول -كما في الصحيحين-: الصلاة يا رسول الله! رقد النساء والصبيان. فإذا كان تأخير الناس في انتظار الصلاة يحصل به المشقة والضرر فلا حرج أن يرسل إلى الإمام ويقال له: بادر إلى الصلاة. فإن كان.
عنده عذر، أو طرأ عليه عذر فقال لهم: صلوا. وأذن لهم بالصلاة، فحينئذ يقدمون من رضوه لإمامتهم ويصلي بهم.