تفسير سورة ق (4)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

وها نحن مع سورة (ق) المكية، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:16-22].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من القائل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16]؟ الله، ولم يدع أحد أبداً في الأرض ولا في السماء سوى الله يقول: أنا قلت هذا القول، هذا كلام الله، أوحاه إلى مصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم في كتاب عظيم هو القرآن الكريم، جعلنا الله من أهله، آمين.

ما هذا الخبر العظيم؟ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ [ق:16] من آدم إلى آخر إنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16] النفس توسوس، وهذا أمر لا ينكره ذو عقل، وكل منا لنفسه وسوسة وإرادات وعزائم ورغبة بدون قول، والله عز وجل يعلم ذلك الذي في صدورنا، في قلوبنا، كأنه مكشوف بين يديه، ولا يخفى عليه من أمرنا شيء.

فهذا الذي يستحق أن يرهب، وأن يحب، وأن يطاع، وأن يخاف، وأن يذكر، وأن يشكر، هذا هو الله رب العالمين، هذا هو الله إله الأولين والآخرين.

فكيف يخبرنا بأعظم خبر -ألا وهو البعث بعد الموت- وننكر ونتعجب ونقول: كيف يحيي العظام وهي رميم؟ لأن السياق في تلك الجماعة التي أنكرت البعث والدار الآخرة، وكذبت به في مكة أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أثر علم الله تعالى بالإنسان في حياة المسلم

يقول تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16] الذي تتحدث به نفس الإنسان يعلمه الله عز وجل بالحرف الواحد، فلهذا يجب أن نقاوم أنفسنا وألا نسمح لخاطر يخطر إلا ما كان في رضا الله عز وجل، أما خاطر السوء ووسواس الباطل فهذا يجب أن نتجنبه، يجب أن نبتعد عنه وما نسمح لها أبداً أن توسوس بما فيه سوء، بما فيه ظلم، بما فيه باطل، بما فيه فسق، بما فيه فجور أبداً، ما نسمح لها إلا إذا وسوست في محبة الله وطاعته وذكره وشكره.

قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16] أولاً، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16] هذا الحبل الذي من القلب إلى الدماغ يمر بالحلق، هذا العرق اللاصق في القلب والرأس معاً الله عز وجل أقرب إلينا منه، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، هذا هو الإنسان المفضوح المكشوف بين يدي الله، كيف لا يستحي ولا يخجل أن ينطق بالسوء أو يعمل الباطل أو يفكر في الشر وغير ذلك من أنواع الظلم والشر والفساد وهو بين يدي الله؟ ما يخطر بقلبه شيء إلا والله يعلمه، والله أقرب إليه من حبل وريده الذي في عنقه.

هكذا يقول تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، متى؟

يقول تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16] الذي تتحدث به نفس الإنسان يعلمه الله عز وجل بالحرف الواحد، فلهذا يجب أن نقاوم أنفسنا وألا نسمح لخاطر يخطر إلا ما كان في رضا الله عز وجل، أما خاطر السوء ووسواس الباطل فهذا يجب أن نتجنبه، يجب أن نبتعد عنه وما نسمح لها أبداً أن توسوس بما فيه سوء، بما فيه ظلم، بما فيه باطل، بما فيه فسق، بما فيه فجور أبداً، ما نسمح لها إلا إذا وسوست في محبة الله وطاعته وذكره وشكره.

قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16] أولاً، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16] هذا الحبل الذي من القلب إلى الدماغ يمر بالحلق، هذا العرق اللاصق في القلب والرأس معاً الله عز وجل أقرب إلينا منه، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، هذا هو الإنسان المفضوح المكشوف بين يدي الله، كيف لا يستحي ولا يخجل أن ينطق بالسوء أو يعمل الباطل أو يفكر في الشر وغير ذلك من أنواع الظلم والشر والفساد وهو بين يدي الله؟ ما يخطر بقلبه شيء إلا والله يعلمه، والله أقرب إليه من حبل وريده الذي في عنقه.

هكذا يقول تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، متى؟

قال تعالى: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ [ق:17] ما منا من إنسان مكلف إلا وملكان أحدهما عن يمينه وثانيهما عن شماله، قاعدان منا مقاعد لا يفارقاننا، ما منا -بني آدم- أبيضنا وأصفرنا، مؤمننا وكافرنا؛ إلا وملكان أحدهما عن يميننا والثاني عن شمالنا، وقعيد بمعنى: مقاعد وقاعد.

الملكان أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهما ينزلان في صلاة العصر إلى صلاة الصبح، وينزل اثنان من صلاة الصبح إلى صلاة العصر، وهي بشرى للمقيمين للصلاة، المحافظين عليها؛ إذ ينزلان فيسألهما ربهما: ماذا فعل عبدنا؟ أو كيف عبدنا؟ يقولون: وجدناه في الصلاة وتركناه في الصلاة، وجدناه في صلاة الصبح وتركناه في صلاة العصر، معناه: لا إثم عنده أبداً، ما قارف الذنوب ولا خالط السوء؛ لأننا وجدناه في الصلاة وتركناه في الصلاة، فمتى يعصي الله؟

فهي بشرى من أعظم البشريات لمن يشهدون صلاة الصبح وصلاة العصر في وقتها في جماعة المسلمين.

هكذا يقول تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ [ق:16-17] الملكان الكاتبان الحافظان يتلقيان ما يقوله ويعمله، صاحب اليمين يكتب الحسنات، صاحب الشمال يكتب السيئات، وصاحب اليمين أمين على صاحب الشمال، فلهذا لا يسمح له أن يكتب الخطيئة مباشرة، يقول له: انتظره، عله يتوب أو يستغفر ساعة من الساعات، أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يكتب الكلمة الباطلة أو الحركة السيئة يقول له: انتظر ساعة لعله يتوب ويستغفر، فإن تاب واستغفر لم تكتب، وإن رفض وأبى كتبت عليه.

إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ [ق:17] الملكان: أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال، يتلقيان ما يقوله العبد ويفعله من حسنات وسيئات، وتدون وتكتب، إلا العبد المؤمن الصالح فكاتب اليمين أمين على كاتب الشمال، يقول له: لا تكتب، انتظره عله يستغفر، عله يتوب ساعة من الزمن، والله أعلم بمقدار هذا الوقت.

هكذا يقول تعالى، هذا هو القادر على إحياء الموتى ونشرهم وبعثهم من قبورهم؛ ليحاسبهم على أعمالهم في هذه الحياة الدنيا ويجزيهم بذلك إما بالجنة دار النعيم المقيم، وإما بالنار دار الجحيم والبوار.

ثم قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] عتيد: ملازم معتاد لا يفارقه، ما تلفظ يا عبد الله من كلمة إلا وعن يمينك ملك وعن شمالك ملك، ومعناه: أننا لسنا مهملين ولا متروكين إن شئنا ضحكنا وإن شئنا بكينا، والله! ما نحن كذلك، بل ملكان أحدهما عن يمينه والثاني عن شماله، ما يلفظ أحدنا بكلمة مثل: قال أو يقول أو أعط أو خذ؛ إلا وتسجل وتكتب، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

ومعنى هذا يا أبناء الإسلام -إن صدقنا في إيماننا- ألا نتكلم بكلمة سوء أبداً، ما ننطق بنطق سوء دائماً، بل بالكلمة الطيبة الحسنة، ما نلفظ بالكلمة القبيحة أو السيئة، لا سب، لا شتم، لا ظلم، لا كبر، لا عجب، إلا ذكر الله وما والاه، هذا شعار حياتنا؛ لأننا مراقبون.

ومع هذا فالله يسمع ما في صدورنا من خواطر سيئة وحسنة، وهذا القعيد الملازم عن يمين وعن الشمال يكتبان.

ثم قال تعالى: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19] المريض عند الوفاة كأنما هو سكران لا يميز ولا يفرق ولا يعرف، يتخبط كالسكران، سكرة الموت تلك الضغطة التي يعاني منها المريض، تلك الشدة التي يعانيها عند قبض روحه، هي كالسكرة تصيبه.

وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19] والله! إنها لجائية، جاءت البلايين وأماتتهم وهي جائية لكل واحد منا إما اليوم أو غداً أو بعد عشرين سنة أو بعد ذلك، لا بد منها، من يدفعها؟ هذه السكرة من يدفعها؟ ما يقوى عليها إلا الله، فهيا لنخاف الله، لنرهب الله، هيا نذكر الله، هيا نعمل لرضا الله، هيا نوحد الله.

وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19] ما الحق؟ هو أن المريض حين يشاهد ملك الموت وأعوانه يؤمن بالبعث والدار الآخرة، يؤمن ويصدق بالدار الآخرة والجزاء فيها، فملك الموت ينزل بالحق ليري صاحبه أن الدنيا انتهت وأن الآخرة مقبلة شاهدة بذلك.

وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19] هذا في حق منكري البعث والجزاء، في الذين ينكرون الجزاء والبعث يوم القيامة، كانوا يهربون من ذلك ولا يؤمنون بأن العبد يموت ويحاسب ويجزى أبداً، مشغولون بشهوات بطونهم وفروجهم ويسبون ويشتمون ويكفرون ويلعنون.

ثم قال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [ق:20] مات الإنسان، ماتت البشرية، ولكن هناك نفخة أخرى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:20] بعد الموت تأتي حياة أخرى، وينفخ إسرافيل في الصور ونحيا من جديد؟

والصور معناه: البوق الذي ينفخ فيه، ومن الغريب أن تعلموا أن إسرافيل صاحب الصور لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم -وهي علامة نهاية الحياة الدنيا؛ إذ هو آخر الأنبياء وأمته آخر الأمم- وضع إسرافيل البوق في فمه إلى الآن ينتظر أمر الله متى ينفخ، من يوم بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وهو نبي آخر الزمان وأمته آخر الأمم، ما بقي من الدنيا إلا القليل، من ذلك اليوم وضع إسرافيل البوق في فمه ينتظر إذن الله بأن ينفخ، وهو الآن في فمه.

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:20] يوم وعيد الله للكافرين، للظالمين، للمسرفين، للفاسقين، للفاجرين أصحاب الأرواح الخبيثة والنفوس المنتنة العفنة بأوضار الذنوب والآثام، ذلك يوم وعيدهم بحسابهم وإدخالهم جهنم، وما ذكر الوعد لأوليائه، ذكر الوعيد؛ لأن السياق يقتضي ذلك.

أثر زكاة النفس وخبثها على مآل العبد يوم القيامة

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:20] ما وعيد الله؟ ما توعد به أعداءه من أصحاب النفوس الخبيثة وأصحاب الأرواح المنتنة العفنة، وهل هناك أرواح زكية وأخرى خبيثة؟

أي نعم، ذلك للبشرية والجن معها، منهم من روحه طيبة طاهرة، ومنهم من روحه خبيثة منتنة، والله! قد أقسم ذلك القسم العظيم: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8] كم يميناً هذه؟ إحدى عشرة، لماذا؟ من أجل قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] فمن يعقّب على الله؟ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]؛ إذ الأمر له لا لغيره.

فكن ابن من شئت أو أباً لمن شئت، لا تنتفع بأبوة ولا بنوة، وإنما يرجع الأمر إلى روحك هل هي زكية طاهرة أو خبيثة منتنة، فأبو إبراهيم عليه السلام في جهنم وكنعان ابن نوح عليه السلام في جهنم؛ لهذا الحكم الإلهي العظيم: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: زكى نفسه، ومعنى زكاها: طيبها وطهرها بأدوات التزكية والتطهير، ألا وهي الإيمان الصحيح والعمل الصالح الذي شرعه الله وتعبد به عباده، بهذا تزكو النفس وتطيب وتطهر، وبم تخبث النفس وتتدسى؟ بالشرك والمعاصي وكبائر الذنوب، تتدسى وتصاب بظلمة ونتن وعفونة.

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10]، بم تزكو النفس يا عباد الله؟ بعبادة الله، بذكر الله، بالصلاة والصيام، بالرباط والجهاد، بالصدقات، بالمعروف، بالإحسان.. بكل عبادة تعبدنا الله بها، حتى إزالة الأذى من طريق المؤمنين عبادة تزكي النفس، والنفس تتدسى وتخبث وتنتن بكل معصية من الكذب والخيانة إلى ترك العبادة والعياذ بالله تعالى.

وما الفلاح؟ بينه تعالى بقوله: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] هل عرفتم الفلاح ما هو؟ الزحزحة عن عالم الشقاء النار ودخول الجنة، فاللهم اجعلنا منهم.

هكذا يقول تعالى: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:19-20] هو يوم إدخال المجرمين والفاسقين والمشركين في جهنم، إذ توعدهم الله بذلك، يتم لهم يوم ينفخ في الصور النفخة التي بعد الأولى، نفخة الحساب ثم الجزاء.

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:20] ما وعيد الله؟ ما توعد به أعداءه من أصحاب النفوس الخبيثة وأصحاب الأرواح المنتنة العفنة، وهل هناك أرواح زكية وأخرى خبيثة؟

أي نعم، ذلك للبشرية والجن معها، منهم من روحه طيبة طاهرة، ومنهم من روحه خبيثة منتنة، والله! قد أقسم ذلك القسم العظيم: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8] كم يميناً هذه؟ إحدى عشرة، لماذا؟ من أجل قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] فمن يعقّب على الله؟ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]؛ إذ الأمر له لا لغيره.

فكن ابن من شئت أو أباً لمن شئت، لا تنتفع بأبوة ولا بنوة، وإنما يرجع الأمر إلى روحك هل هي زكية طاهرة أو خبيثة منتنة، فأبو إبراهيم عليه السلام في جهنم وكنعان ابن نوح عليه السلام في جهنم؛ لهذا الحكم الإلهي العظيم: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: زكى نفسه، ومعنى زكاها: طيبها وطهرها بأدوات التزكية والتطهير، ألا وهي الإيمان الصحيح والعمل الصالح الذي شرعه الله وتعبد به عباده، بهذا تزكو النفس وتطيب وتطهر، وبم تخبث النفس وتتدسى؟ بالشرك والمعاصي وكبائر الذنوب، تتدسى وتصاب بظلمة ونتن وعفونة.

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10]، بم تزكو النفس يا عباد الله؟ بعبادة الله، بذكر الله، بالصلاة والصيام، بالرباط والجهاد، بالصدقات، بالمعروف، بالإحسان.. بكل عبادة تعبدنا الله بها، حتى إزالة الأذى من طريق المؤمنين عبادة تزكي النفس، والنفس تتدسى وتخبث وتنتن بكل معصية من الكذب والخيانة إلى ترك العبادة والعياذ بالله تعالى.

وما الفلاح؟ بينه تعالى بقوله: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] هل عرفتم الفلاح ما هو؟ الزحزحة عن عالم الشقاء النار ودخول الجنة، فاللهم اجعلنا منهم.

هكذا يقول تعالى: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:19-20] هو يوم إدخال المجرمين والفاسقين والمشركين في جهنم، إذ توعدهم الله بذلك، يتم لهم يوم ينفخ في الصور النفخة التي بعد الأولى، نفخة الحساب ثم الجزاء.

ثم قال تعالى: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق:21] بعدما ينفخ إسرافيل النفخة الثانية ويخرج الناس من قبورهم ويأتون المحشر فكل نفس معها سائق ومعها شهيد، سائق يسوق صاحبها بيده، وآخر يشهد عليها، سائق وشهيد، لو كانت البشرية مليارات فلا بد من هذا العدد، كل نفس معها سائق وشهيد، مؤمنة أو كافرة، يسوقونها إلى ساحة فصل القضاء، إلى ساحة الحكم العادل الإلهي، والشهيد يشهد عليها.

وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ [ق:21] ما هناك استثناء، مَعَهَا سَائِقٌ [ق:21] يسوقها إلى جهنم، وَشَهِيدٌ [ق:21] يشهد عليها بصدقها وفجورها.