خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/929"> الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/929?sub=63715"> رمضان شهر الصيام
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
ما يثبت به دخول الشهر
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد تقدم معنا الكلام في أن صيام رمضان افترضه الله عز وجل على هذه الأمة في شعبان من السنة الثانية من الهجرة، ففي شعبان من السنة الثانية من الهجرة أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قوله: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[البقرة:185].
وعرفنا بأن أحكام الصوم على خمسة أنواع ذكرها علماؤنا رحمهم الله:
النوع الأول: الصوم الواجب، فالصوم يكون واجباً في ثلاث حالات: وهي: صوم رمضان، وصوم النذر، وصوم الكفارات.
النوع الثاني: الصوم المسنون: كصيام شهر الله المحرم، وصيام أيام من شهر شعبان، وصيام الإثنين والخميس، والثلاث البيض من كل شهر، وستة أيام من شوال، وكذلك صيام يوم عرفة، وتاسوعاء وعاشوراء، وغير ذلك من أنواع الصيام التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
النوع الثالث: صيام التطوع: وهو أن يصوم الإنسان تقرباً إلى الله عز وجل بإطلاق في غير الأيام التي نهينا عن صومها.
النوع الرابع: الصوم المكروه: ومنه سرد الصوم، أو ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم بصوم الدهر.
النوع الخامس: الصوم المحرم: وهو صيام الأيام التي نهى الشرع عن صيامها نهياً جازماً، كصيام يوم الفطر، ويوم الأضحى، ويوم الشك، وكذلك الوصال في الصوم، فهذا كله مما نهى عنه نبينا عليه الصلاة والسلام.
وهاهنا مسألة وهي: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي؟ وهذه المسألة الآن تطرح بقوة.
فأكثر العلماء المتقدمين يقولون: إن الحساب الفلكي لا يعتد به في دخول الشهر ولا في خروجه. فإذا قال علماء الفيزياء والمتخصصون في علم الفلك: -مثلاً- إن رمضان سيبدأ في الأول من شهر مارس، فهل قولهم هذا يأخذ به المتقدمون من أهل العلم؟
فجمهور العلماء من المتقدمين يقولون: إنه لا يجوز الصوم ولا الفطر بناءً على ما يقوله صاحب علم الفلك والنجوم، واستدلوا بالأحاديث التي سبق ذكرها، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم علق الصوم والفطر على رؤية الهلال، ولم يعلقه على الحساب الفلكي، فإذا تعذرت الرؤية بسبب غيم ونحوه فقد أمرنا عليه الصلاة والسلام بأن نكمل العدة ثلاثين يوماً، سواءً كانت عدة شعبان أو عدة رمضان، ولم يحل عليه الصلاة والسلام على الحساب الفلكي.
وهذه المسألة الآن طرحت بقوة في المجامع الفقهية، وطرحت بقوة في الاجتماعات التي تضم أهل العلم والمؤتمرات الإسلامية، والعلماء المعاصرون اليوم: منهم من يؤيد الأخذ بالحساب الفلكي ومنهم من يعارضه.
أدلة المجيزين للأخذ بالحساب الفلكي في إثبات دخول رمضان
والذين يؤيدون الأخذ بالحساب الفلكي عندهم في ذلك أدلة، ومن هذه الأدلة: أن الله عز وجل قال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ[يونس:5] فأحال على الحساب.
ومن أدلتهم كذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نحسب، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته). قالوا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالاعتماد على الأهلة علل ذلك بأن الأمة في زمنه كانت أمة أمية، وفي ذلك الوقت لم تكن الكتابة منتشرة ولا الحساب معروفاً عند العرب الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الآن فقد ارتفعت الأمية -والحمد لله رب العالمين- وصار في المسلمين من يستطيع أن يحسب كما صار فيهم من يقرأ.
ومما استدلوا به أن الحساب -أي: علم الفلك- علم منضبط ومعطياته صحيحة، ويمكن للناس إذا اعتمدوا عليه أن يضبطوا صومهم وإفطارهم لسنوات عديدة، بدلاً من أن يكونوا في كل عام عرضة للشك والريبة بقولهم: متى يبدأ رمضان؟ ومتى ينتهي رمضان؟ وقد قال الله عز وجل: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ[الرحمن:5]، ثم قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، كان مراده بذلك: الرؤية العلمية لا الرؤية البصرية.
ومثال ذلك هو قول الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ[الفيل:1]، فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى أصحاب الفيل؟ الجواب: لم يرهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ولد في عام الفيل، وإنما قوله جل جلاله: (ألم تر) بمعنى: ألم تعلم؟ ألم يبلغك ما فعل ربك بأصحاب الفيل؟ وقالوا: فإن الرؤية هنا في قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته ) هي الرؤية التي تثبت عن طريق العلم. وقالوا: بدليل أن الأعمى مأمور بالصيام وهو لم ير ولن يرى الهلال أصلاً؛ فالرؤية هنا: هي الرؤية العلمية.
وكذلك المحبوس في سجن أو في قعر مظلم، فهذا الشخص لم ير الهلال، ومع ذلك فهو مخاطب بقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته)، فعلم بذلك أن الرؤية المقصودة هنا: هي الرؤية العلمية وليست الرؤية البصرية.
ثم قالوا: إن الشرع اعتمد على التقويم والحساب في أوقات الصلاة، مثل: طلوع الفجر وغروب الشمس وزوالها، فهذا كله نعتمد فيه على الحساب، بدليل: أنك تجد التقويم يوضع فيه أوقات الصلوات خلال الأعوام كلها اعتماداً على الحساب، قالوا: ولا فرق بين الصلاة والصيام -باعتبار أن هذه فريضة وهذه فريضة- فمثلما اعتمدنا على الحساب في تعيين أوقات الصلوات فكذلك نعتمد على الحساب في تعيين دخول الشهر وخروجه.
ثم قالوا: لو كان حديث النبي صلى الله عليه وسلم على ظاهره: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) فماذا نصنع في البلاد التي تتعذر فيها الرؤية مطلقاً؟
فهناك بعض البلاد لا يرى الناس فيها شمساً ولا قمراً؛ وذلك بسبب الغيم المستمر عندهم. وفي بعض البلاد ربما يستمر نهارهم شهوراً، وخاصة في فصل الصيف، فلا يكون عندهم ليل أصلاً، فماذا نصنع في هذه البلاد؟
فهذه كلها أدلة ساقها الذين يقولون بأنه ينبغي أن نعتمد الحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر وخروجه.
أدلة المانعين للأخذ بالحساب الفلكي في إثبات دخول رمضان
وبالمقابل فإن المعارضين لاعتماد الحساب الفلكي عندهم ردود على هذه الأدلة كلها، وقد انعقدت مؤتمرات وكتبت بحوث في الرد على هذه الأدلة، ومن ذلك مثلاً:
ردهم على الدليل الأخير الذي فيه: إننا إذا قلنا بأنه لا يصار إلى إثبات دخول رمضان إلا بالرؤية للهلال فماذا نصنع في البلاد التي لا يمكن فيها الرؤية للهلال أصلاً؟
فرداً على ذلك قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أحال عند عدم القدرة على الرؤية على إكمال العدة فقال: (فإن غم عليكم فأكملوا العدة).
وقالوا: إن القياس على المحبوس باطل، لأن المحبوس معذور، والشريعة أثبتت العذر لصاحب العذر ليس في الصيام فقط وإنما في سائر التكاليف الشرعية، فمثلاً: قول الله عز وجل: وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ[البقرة:238]، يستدل العلماء بهذه الآية على وجوب القيام في صلاة الفريضة، فلا يأتي أحد ويقول: ماذا يصنع من كانت رجلاه مقطوعتين؟ فنقول له: قال الله تعالى في حقه: لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا َ[البقرة:286]، فالمقطوع يصلي وهو جالس.
فلا يصح أن يأتي أحد فينقض قول الله عز وجل: وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ[البقرة:238] بأن يقول: هناك بعض الناس أقطع، أو أشل، أو لا يستطيع القيام، فالمحبوس مكلف بالاجتهاد لا بالرؤية.
وكذلك ردوا على من استدل بقياس الصيام على الصلاة، حيث قال الذين أخذوا بالقياس: بأن الصلاة تثبت بالحساب؛ فإذن نقيس الصيام على الصلاة؛ فكما تثبت الصلاة بالحساب كذلك يثبت دخول الشهر وخروجه به. فردوا عليهم وقالوا: أولاً: هذا قياس في مقابل النص، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته)، وقد تقدم معنا الكلام مراراً في أن العلماء يقولون: أول من أعمل القياس الفاسد هو إبليس، فإن الله أمره بالسجود لآدم فقال له: اسْجُدُ[البقرة:34] فامتنع عن السجود. وكان سبب امتناعه القياس بقوله: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ[الأعراف:12]، ومعنى كلام إبليس: بأن النار أشرف من الطين، فقال: إذاً أنا أشرف من آدم ولا يسجد الفاضل للمفضول. هذا هو معنى كلام إبليس.
فقالوا: هذا القياس -قياس الصيام على الصلاة- قياس في مقابل النص.
ثم قالوا: إن الشرع جعل العلم بالوقت سبباً لدخول وقت الصلاة، فالله عز وجل قال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا[الإسراء:78] وقال: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ[هود:114]؛ فالشريعة هنا ربطت وجوب الصلاة بأوقات معلومة تتعلق بالشمس وبالليل وما إلى ذلك.
أما الصوم: فإن الحديث قد علق وجوبه على سبب واحد وهو: رؤية الهلال، ولم يعلقه على سبب غيره.
فنحن قلنا: إن بعض أهل العلم يقولون باعتماد الحساب الفلكي، وبعضهم يرفض الاعتماد على الحساب ويقول: لا نعتمد إلا على رؤية الهلال، وبعض المؤتمرات الإسلامية توسطت في ذلك، فقالوا: يعتمد على الحساب الفلكي في نفي دخول الشهر لا في إثباته.
وتوضيحاً لذلك: أذكر لكم مسألة مشابهة: فالآن الأطباء والعلماء في تقنية الحامض النووي أو ما يسمونه بـ(DNA) هذه التقنية أحياناً عن طريقها يتوصل إلى أن فلاناً -هذا الطفل أو هذا المولود- ليس ابناً لفلان. وأما في الشريعة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الولد للفراش) أي: طالما أن هناك زوجية بين فلان وفلانة إذن فالمولود الذي تأتي به فلانة ينسب إلى فلان الذي هو زوجها، فقالوا: إن قضية الحامض النووي هذه لا اعتبار لها ولا قيمة في هذا الباب.
وبالمقابل فإن الأطباء يقولون: بأن نسبة الخطأ في هذا الأمر لا تكاد تذكر، إذا ثبت عن طريق الحامض النووي بأن فلاناً ليس ابناً لفلان فمعناه: أنه ليس ابناً له.
أما الآن فإن العلماء في مؤتمرات المجامع الفقهية يقولون بأنه: يؤخذ بتقنية الحامض النووي في إثبات النسب لا في نفيه، فلو أن غلاماً لم ندر من أبوه -وجد مثلاً في مكان ولم يعرف من أبوه- وجاء واحد من الناس فقال: هذا الولد هو ابني، ففي هذه الحالة نلجأ إلى تقنية الحامض النووي من أجل أن نثبت أن فلاناً هذا هو ابن فلان.
لكن لو أن إنساناً نفى بنوة ولد، فلا يؤخذ بهذه التقنية في نفي النسب.
وأما هنا في اعتماد الحساب الفلكي فعلى العكس من ذلك، حيث قالوا: إن الحساب الفلكي إذا أثبت بأنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تحصل رؤية للهلال في ليلة كذا فإنه يؤخذ بالحساب الفلكي في نفي هذه الرؤية، ولا يؤخذ به في إثباتها؛ فهذا وجه من الوجوه.
وأيضاً في بعض المؤتمرات الفقهية قالوا: يؤخذ بالحساب الفلكي بشرطين:
الشرط الأول: إذا لم تتحقق الرؤية.
والشرط الثاني: إذا لم يتيسر الوصول إلى إتمام الشهر ثلاثين يوماً.
وإلى الآن فإن أكثر علماء البلاد الإسلامية يأخذون برأي الجمهور القائلين: بأن الاعتماد في دخول الشهر وخروجه لا يكون إلا على الرؤية، سواءً كانت الرؤية بالعين المجردة أم كانت الرؤية بواسطة المجاهر والمناظير المكبرة.
والذين يؤيدون الأخذ بالحساب الفلكي عندهم في ذلك أدلة، ومن هذه الأدلة: أن الله عز وجل قال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ[يونس:5] فأحال على الحساب.
ومن أدلتهم كذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نحسب، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته). قالوا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالاعتماد على الأهلة علل ذلك بأن الأمة في زمنه كانت أمة أمية، وفي ذلك الوقت لم تكن الكتابة منتشرة ولا الحساب معروفاً عند العرب الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الآن فقد ارتفعت الأمية -والحمد لله رب العالمين- وصار في المسلمين من يستطيع أن يحسب كما صار فيهم من يقرأ.
ومما استدلوا به أن الحساب -أي: علم الفلك- علم منضبط ومعطياته صحيحة، ويمكن للناس إذا اعتمدوا عليه أن يضبطوا صومهم وإفطارهم لسنوات عديدة، بدلاً من أن يكونوا في كل عام عرضة للشك والريبة بقولهم: متى يبدأ رمضان؟ ومتى ينتهي رمضان؟ وقد قال الله عز وجل: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ[الرحمن:5]، ثم قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، كان مراده بذلك: الرؤية العلمية لا الرؤية البصرية.
ومثال ذلك هو قول الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ[الفيل:1]، فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى أصحاب الفيل؟ الجواب: لم يرهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ولد في عام الفيل، وإنما قوله جل جلاله: (ألم تر) بمعنى: ألم تعلم؟ ألم يبلغك ما فعل ربك بأصحاب الفيل؟ وقالوا: فإن الرؤية هنا في قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته ) هي الرؤية التي تثبت عن طريق العلم. وقالوا: بدليل أن الأعمى مأمور بالصيام وهو لم ير ولن يرى الهلال أصلاً؛ فالرؤية هنا: هي الرؤية العلمية.
وكذلك المحبوس في سجن أو في قعر مظلم، فهذا الشخص لم ير الهلال، ومع ذلك فهو مخاطب بقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته)، فعلم بذلك أن الرؤية المقصودة هنا: هي الرؤية العلمية وليست الرؤية البصرية.
ثم قالوا: إن الشرع اعتمد على التقويم والحساب في أوقات الصلاة، مثل: طلوع الفجر وغروب الشمس وزوالها، فهذا كله نعتمد فيه على الحساب، بدليل: أنك تجد التقويم يوضع فيه أوقات الصلوات خلال الأعوام كلها اعتماداً على الحساب، قالوا: ولا فرق بين الصلاة والصيام -باعتبار أن هذه فريضة وهذه فريضة- فمثلما اعتمدنا على الحساب في تعيين أوقات الصلوات فكذلك نعتمد على الحساب في تعيين دخول الشهر وخروجه.
ثم قالوا: لو كان حديث النبي صلى الله عليه وسلم على ظاهره: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) فماذا نصنع في البلاد التي تتعذر فيها الرؤية مطلقاً؟
فهناك بعض البلاد لا يرى الناس فيها شمساً ولا قمراً؛ وذلك بسبب الغيم المستمر عندهم. وفي بعض البلاد ربما يستمر نهارهم شهوراً، وخاصة في فصل الصيف، فلا يكون عندهم ليل أصلاً، فماذا نصنع في هذه البلاد؟
فهذه كلها أدلة ساقها الذين يقولون بأنه ينبغي أن نعتمد الحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر وخروجه.
وبالمقابل فإن المعارضين لاعتماد الحساب الفلكي عندهم ردود على هذه الأدلة كلها، وقد انعقدت مؤتمرات وكتبت بحوث في الرد على هذه الأدلة، ومن ذلك مثلاً:
ردهم على الدليل الأخير الذي فيه: إننا إذا قلنا بأنه لا يصار إلى إثبات دخول رمضان إلا بالرؤية للهلال فماذا نصنع في البلاد التي لا يمكن فيها الرؤية للهلال أصلاً؟
فرداً على ذلك قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أحال عند عدم القدرة على الرؤية على إكمال العدة فقال: (فإن غم عليكم فأكملوا العدة).
وقالوا: إن القياس على المحبوس باطل، لأن المحبوس معذور، والشريعة أثبتت العذر لصاحب العذر ليس في الصيام فقط وإنما في سائر التكاليف الشرعية، فمثلاً: قول الله عز وجل: وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ[البقرة:238]، يستدل العلماء بهذه الآية على وجوب القيام في صلاة الفريضة، فلا يأتي أحد ويقول: ماذا يصنع من كانت رجلاه مقطوعتين؟ فنقول له: قال الله تعالى في حقه: لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا َ[البقرة:286]، فالمقطوع يصلي وهو جالس.
فلا يصح أن يأتي أحد فينقض قول الله عز وجل: وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ[البقرة:238] بأن يقول: هناك بعض الناس أقطع، أو أشل، أو لا يستطيع القيام، فالمحبوس مكلف بالاجتهاد لا بالرؤية.
وكذلك ردوا على من استدل بقياس الصيام على الصلاة، حيث قال الذين أخذوا بالقياس: بأن الصلاة تثبت بالحساب؛ فإذن نقيس الصيام على الصلاة؛ فكما تثبت الصلاة بالحساب كذلك يثبت دخول الشهر وخروجه به. فردوا عليهم وقالوا: أولاً: هذا قياس في مقابل النص، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته)، وقد تقدم معنا الكلام مراراً في أن العلماء يقولون: أول من أعمل القياس الفاسد هو إبليس، فإن الله أمره بالسجود لآدم فقال له: اسْجُدُ[البقرة:34] فامتنع عن السجود. وكان سبب امتناعه القياس بقوله: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ[الأعراف:12]، ومعنى كلام إبليس: بأن النار أشرف من الطين، فقال: إذاً أنا أشرف من آدم ولا يسجد الفاضل للمفضول. هذا هو معنى كلام إبليس.
فقالوا: هذا القياس -قياس الصيام على الصلاة- قياس في مقابل النص.
ثم قالوا: إن الشرع جعل العلم بالوقت سبباً لدخول وقت الصلاة، فالله عز وجل قال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا[الإسراء:78] وقال: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ[هود:114]؛ فالشريعة هنا ربطت وجوب الصلاة بأوقات معلومة تتعلق بالشمس وبالليل وما إلى ذلك.
أما الصوم: فإن الحديث قد علق وجوبه على سبب واحد وهو: رؤية الهلال، ولم يعلقه على سبب غيره.
فنحن قلنا: إن بعض أهل العلم يقولون باعتماد الحساب الفلكي، وبعضهم يرفض الاعتماد على الحساب ويقول: لا نعتمد إلا على رؤية الهلال، وبعض المؤتمرات الإسلامية توسطت في ذلك، فقالوا: يعتمد على الحساب الفلكي في نفي دخول الشهر لا في إثباته.
وتوضيحاً لذلك: أذكر لكم مسألة مشابهة: فالآن الأطباء والعلماء في تقنية الحامض النووي أو ما يسمونه بـ(DNA) هذه التقنية أحياناً عن طريقها يتوصل إلى أن فلاناً -هذا الطفل أو هذا المولود- ليس ابناً لفلان. وأما في الشريعة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الولد للفراش) أي: طالما أن هناك زوجية بين فلان وفلانة إذن فالمولود الذي تأتي به فلانة ينسب إلى فلان الذي هو زوجها، فقالوا: إن قضية الحامض النووي هذه لا اعتبار لها ولا قيمة في هذا الباب.
وبالمقابل فإن الأطباء يقولون: بأن نسبة الخطأ في هذا الأمر لا تكاد تذكر، إذا ثبت عن طريق الحامض النووي بأن فلاناً ليس ابناً لفلان فمعناه: أنه ليس ابناً له.
أما الآن فإن العلماء في مؤتمرات المجامع الفقهية يقولون بأنه: يؤخذ بتقنية الحامض النووي في إثبات النسب لا في نفيه، فلو أن غلاماً لم ندر من أبوه -وجد مثلاً في مكان ولم يعرف من أبوه- وجاء واحد من الناس فقال: هذا الولد هو ابني، ففي هذه الحالة نلجأ إلى تقنية الحامض النووي من أجل أن نثبت أن فلاناً هذا هو ابن فلان.
لكن لو أن إنساناً نفى بنوة ولد، فلا يؤخذ بهذه التقنية في نفي النسب.
وأما هنا في اعتماد الحساب الفلكي فعلى العكس من ذلك، حيث قالوا: إن الحساب الفلكي إذا أثبت بأنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تحصل رؤية للهلال في ليلة كذا فإنه يؤخذ بالحساب الفلكي في نفي هذه الرؤية، ولا يؤخذ به في إثباتها؛ فهذا وجه من الوجوه.
وأيضاً في بعض المؤتمرات الفقهية قالوا: يؤخذ بالحساب الفلكي بشرطين:
الشرط الأول: إذا لم تتحقق الرؤية.
والشرط الثاني: إذا لم يتيسر الوصول إلى إتمام الشهر ثلاثين يوماً.
وإلى الآن فإن أكثر علماء البلاد الإسلامية يأخذون برأي الجمهور القائلين: بأن الاعتماد في دخول الشهر وخروجه لا يكون إلا على الرؤية، سواءً كانت الرؤية بالعين المجردة أم كانت الرؤية بواسطة المجاهر والمناظير المكبرة.
وهناك مسألة أخرى: وهي مسألة توحيد الرؤية.
بمعنى: هل رؤية البلد الواحد رؤية لجميع البلدان؟
فإننا دائماً نسمع في كل عام بأن شهر رمضان قد ثبت دخوله في بلد كذا وكذا، وأنهم يبدءون صيامه يوم الأربعاء مثلاً أو يوم الإثنين، وأما بلد كذا وكذا فإنهم يبدءون يوم الثلاثاء مثلاً، وكذلك في العيد نسمع بأن بلد كذا وكذا عندهم يوم الإثنين هو الأول من شوال، بينما بلاد أخرى يكون الأول من شوال هو يوم الثلاثاء مثلاً، فهل بالإمكان أن تكون رؤية البلد الواحد هي رؤية لجميع البلدان؟
نقول: هذه المسألة الخلاف فيها قديم بين العلماء، وليست مسألة من المسائل المعاصرة أو من النوازل التي حدث فيها الخلاف أخيراً، وإنما الخلاف فيها قديم.
فمن العلماء من يقول: لا اعتداد باختلاف المطالع، وإنما إذا رؤي الهلال في أي بلد من بلاد المسلمين فهذه الرؤية تكون ملزمة لجميع البلاد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، والخطاب هنا ليس لآحاد الناس وإنما الخطاب لمجموع المسلمين.
لكن بعض العلماء يقولون: بل اختلاف المطالع معتبر خاصة بين البلدان المتباعدة، فمثلاً: عندنا دولة إندونيسيا في أقصى الشرق، ودولة موريتانيا في أقصى الغرب، فقالوا: لا تكون رؤية ذاك البلد رؤيةً لهذا البلد، بل اختلاف المطالع بينهما معتبر. واستدلوا على ذلك بحديث كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين الذي يقول فيه: ( قدمت الشام فاستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأينا الهلال ليلة الجمعة) رأينا الهلال يعني: هلال رمضان ليلة الجمعة، قال: ( ثم قدمت المدينة في آخر الشهر) يعني: قضى حاجته في الشام وفي أثناء رمضان سافر إلى المدينة، ووصل إليها في أواخر رمضان، قال: ( فسألني ابن عباس : متى رأيتم الهلال؟) أي: في الشام؟ (فقلت: رأيته ليلة الجمعة. فقال ابن عباس: أأنت رأيته؟ قلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ) معاوية بن أبي سفيان الذي كان أمير المؤمنين في ذلك الوقت، (وقال ابن عباس: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتى نكمل ثلاثين يوماً أو نراه. فقال له كريب: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فـمعاوية كان في الشام. وابن عباس كان في المدينة؛ والمدينة والشام بلدان ليسا بمتباعدين وليلهما واحد، وقد يكون الفرق بينهما ساعة ليس أكثر -لو كان ثمة فرق- ومع ذلك فـابن عباس رضي الله عنهما يرى أن لأهل الشام رؤيتهم، ولأهل المدينة رؤيتهم.
وفيما مضى من الزمان كان هذا متصوراً بسبب عسر المواصلات وغيره، ولكن الآن في زماننا هذا يمكن أن يُرى الهلال في أقصى بلد في الأرض وفي اللحظة نفسها يعرف ذلك المسلمون في الطرف الآخر، والذي أقصد من ذكر هذا الكلام: ألا ينزعج الناس إذا اختلفت البلدان في بداية الشهر ونهايته، فهذه المسألة الخلاف فيها سائغ، وما ينبغي للناس أن يضيقوا واسعاً.
ونتمنى أن يأتي اليوم الذي يبدأ المسلمون فيه الصيام في وقت واحد وينتهون في وقت واحد، ولكن إلى أن يحصل ذلك الأمر فلا ينبغي أبداً أن ننزعج ولا أن تضيق صدورنا بهذا الخلاف.