خطب ومحاضرات
ما لا يفسد به الصوم والأخطاء التي يقع فيها الصائمون
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.
أما بعد:
تقدم الكلام عن المفطرات أو المفسدات أو المبطلات للصيام، وعرفنا أن أصولها أربعة، وهي: الأكل، والشرب، والجماع، ونزول دم الحيض والنفاس.
وعرفنا أن من المفطرات: أن يتعمد الإنسان القيء، وأن يتعمد الإنزال أو أن يمذي بإدامة فكر أو نظر.
كما أن من مفسدات الصيام: رفض نية الصوم: فلو أن الإنسان رفض نية الصوم في أثناء النهار وعزم على أن يفطر فقد اختل ركن الصيام عنده.
وبقي التنبيه على أمورٍ يظنها الناس مفسدة للصيام وليست بمفسدة:
الحجامة ونقل الدم
أول هذه المسائل: الحجامة: فلو أن الإنسان احتجم وهو صائم فصومه صحيح عند جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية؛ لما رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم).
ومثل الحجامة في زماننا: نقل الدم، فلا مانع من أن يتبرع الإنسان بدمه وهو صائم، وصومه صحيح إن شاء الله.
الغيبة
ثانياً: الغيبة: فالغيبة لا تبطل الصيام، ولكنها تنقص أجره، وقد تذهب بأجره كله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والغيبة هي: (ذكرك أخاك بما يكره). كأن تقول فلان كذا، وتعيبه إما في خلقته أو في خلقه أو في ثيابه أو في والده أو في ولده أو في بيته أو في دابته أو في نسبه أو في مهنته أو في غير ذلك مما يكره أن يذكر به. (قالوا: يا رسول الله! أرأيت لو كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)، فلذلك احذر أيها المسلم في صيامك من الغيبة، والغيبة حرام في الصيام وفي غير الصيام، لكنها في الصيام أشد، وقد نفرنا ربنا من الغيبة بثلاث وسائل.
الوسيلة الأولى: تشبيه المغتاب بآكل لحم البشر، فقال تعالى: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ[الحجرات:12]، فالله عز وجل شبه المغتاب بأنه يأكل لحماً بشرياً. فلو قيل بأن فلاناً لا يأكل الضأن ولا الماعز ولا البقر ولا الإبل ولا الدجاج ولا السمك؟ لا يحب من اللحوم إلا لحوم البشر، فعليها يتغدى وعليها يتعشى، فهل سيتعامل معه أحد؟ فهذا هو حال المغتاب.
الوسيلة الثانية: أنه لا يأكل لحم إنسان غريب، وإنما يأكل لحم أخيه.
الوسيلة الثالثة: أن هذا المأكول ميت، فهو لا يأكل لحوم البشر الأحياء، وإنما يأكلهم وهم أموات، ووجه الشبه بين من تغتابه وبين الميت أن كلاهما لا يستطيع الدفاع عن نفسه، فالميت لو أكلت من لحمه لن يقاومك، وكذلك الإنسان الغائب فلو قلت بأنه حرامي وأنه كذا وأنه كذا، فإنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه، فإياكم والغيبة أثناء الصيام، روى الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة: (أن أبا بكر و عمر كانا جائعين فقال أحدهما للآخر: أيقظ غلامك ليذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب لنا منه طعاماً فإنه نؤوم) أي كثير النوم، والمراد بالغلام هو الخادم.
(فأيقظوا الغلام، وذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: إن أبا بكر و عمر بحاجة إلى طعام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع إليهما وقل لهما: قد أكلتما، فجاء أبو بكر و عمر فقالا: يا رسول الله! والله ما أكلنا شيئاً. قال: لقد أكلتما لحم الغلام، والذي نفسي بيده إني لأرى أثر لحمه بين ثناياكما، فقالا: يا رسول الله! استغفر لنا، قال: مراه هو فليستغفر لكما) لأنه هو صاحب الحق.
وهذا الكلام يقال لـأبي بكر و عمر اللذَّين هما خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بلع الريق والنخامة والذباب والغبار
ثالثاً: بلع الريق والنخامة والذباب والغبار.
فإذا دخل الذباب إلى فم الصائم وابتلعه من غير تعمد ففي الحالة هذه نقول: الصيام صحيح؛ لأنها ليست طعاماً ولا شراباً، ثم إنها ما جاءت باختياره وإنما جاءت رغم أنفه ودخلت في فمه، ووصلت إلى حلقه ونزلت في جوفه ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولو استطعت أن أطردها لفعلت، ولله الحكمة، ولذلك فإن ابن السماك كان جالساً مع أبي جعفر المنصور فجاءت ذبابة تحوم على الناس فوقعت على أنف أبي جعفر الذي هو أمير المؤمنين، فأطارها، ثم أتت الثانية فأطارها فحامت ثم رجعت فغضب أبو جعفر، وقال لـابن السماك: لماذا خلق الله الذباب؟ فقال له: من أجل أن يذل به الطواغيت.
فالطاغوت الذي لا نقدر عليه يرسل له ربنا ذبابة، كما فعل بـالنمرود بن كنعان.
ويقاس على الذباب كل ما يشق الاحتراز منه، فمثلاً في باب النجاسات قال علماؤنا: يعفى عن مثل رأس الذباب من العذرة. فلو أن الذباب ويقع على النجاسات، فأخذها فنقلها إليك فإن العلماء يقولون: هذه النجاسة لا اعتداد بها ولا اعتبار لها؛ لمشقة الاحتراز، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
خروج الدم واستعمال الحقن
رابعاً: خروج الدم من الإنسان غير دم الحيض والنفاس: فلو استاك الصائم بعود الأراك فخرج دم أو قلع ضرسه فخرج دم، فإنه لا يفطر؛ لأن خروج الدم ليس بمفطر، وهذا تخريج على الحجامة، وتخريج على نقل الدم، فنقول: وخروج الدم بسبب جرح أو بسبب فصد لا يبطل الصيام.
خامساً: استعمال الحقنة في العضل أو في الوريد، ويراد بها العلاج لا التغذية وكذلك وضع الدواء على الجرح لا يفسد الصيام، بل هو صحيح إن شاء الله.
الإصباح بالجنابة والتبرد بالماء
سادساً: الإصباح بالجنابة، فلو جامع الرجل أهله بالليل ولم يغتسل فنام وهو جنب، ولم يستيقظ إلا بعد أن طلع الفجر، فصومه صحيح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من جماع غير احتلام وهو صائم.
سابعاً: التبرد بالماء: فإن الصائم يحل له أن يغتسل، ولا مانع أن يكون الماء بارداً، فيصبه على رأسه وعلى جسده من أجل أن يتقوى على العبادة، فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب على رأسه الماء في يوم شديد الحر وهو صائم). ولكن يفعل ذلك بقدر الحاجة، ولا يمكث طوال الوقت يصب الماء على رأسه أو وهو قاعد في ماء أو في بحر أو في ترعة؛ لأن الأجر على قدر النصب.
ذوق الطعام للحاجة
ثامناً: ذوق الطعام؛ فلو أن المرأة التي تطبخ احتاجت إلى أن تتذوق الطعام فذاقته ثم تفلت، فلا حرج، قال ابن عباس: (لا بأس أن يتطعم الصائم القدر أو الشيء) رواه البخاري .
فلا مانع أنه يستطعم، لأن من الرجال إذا وجد الملح زائداً أو ناقصاً فلربما سب، ولربما ضرب، ولربما طلق، فالمرأة لأجل ذلك تذوق الطعام ولغيره، وبعض الرجال متشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فـ(ما ذم طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه) فلم يكن يقول: هذا غير طيب، ولماذا عملتم هكذا؟ وهذا لماذا عملتموه هكذا؟ بل يأتي صلى الله عليه وسلم فيسأل: (هل من طعام؟ قالوا: ما عندنا إلا الخل، فيقول: نعم الإدام الخل )، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد أن الخل أحسن من اللحم، ولا أن الخل أحسن من اللبن أو السمن، لكنه عليه الصلاة والسلام لا يريد أن يجحد نعمة ربه.
إذا كان الخل نعمة. فمن باب أولى غيره من الطعام، فليس من حقك أن تقول لزوجتك: لماذا هذا الطعام كل يوم، فتبدأ تقرعها وتعنفها: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، فشكر الله يستبقي النعمة الموجودة، ويجلب النعمة المفقودة، كما أن الكفر يزيل النعمة الموجودة ويبعد النعمة المفقودة، نسأل الله العافية.
المداعبة ما لم يحصل إنزال أو إمذاء
التاسع: مقدمات الجماع مالم يحصل إنزال أو إمذاء: فإذا كان الرجل شيخاً كبيراً، طاعناً في السن، فلا بأس لو أراد أن يقبل زوجته؛ لأن هذا مأمون عواقبه، ولذلك قالت أمنا عائشة : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه).
أول هذه المسائل: الحجامة: فلو أن الإنسان احتجم وهو صائم فصومه صحيح عند جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية؛ لما رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم).
ومثل الحجامة في زماننا: نقل الدم، فلا مانع من أن يتبرع الإنسان بدمه وهو صائم، وصومه صحيح إن شاء الله.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مندوبات في شهر رمضان | 1778 استماع |
مبيحات الفطر ومفسدات الصيام | 1498 استماع |
أركان الصوم وشروط وجوبه | 1442 استماع |
فضل الصوم وأنواعه | 1361 استماع |
ما يثبت به دخول الشهر | 610 استماع |