مبيحات الفطر ومفسدات الصيام


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فنحمد الله الذي جمعنا في هذا المسجد المبارك، ونسأل الله سبحانه كما جمعنا فيه أن يجمعنا في جنات النعيم.

وقد تقدم معنا الكلام في بعض أحكام الصيام، فيما يتعلق بتعريفه وأنواعه، وعرفنا بأن الصوم الواجب يتمثل في صيام رمضان وصيام النذر وصيام الكفارات.

وعرفنا أن صيام رمضان منزلته عظيمة من دين الإسلام، حيث عده رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أركان الدين الخمسة التي لا يتم إلا بها، وكلنا نحفظ حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (بني الإسلام على خمس) وذكر من بينها صيام رمضان.

وللصيام خمسة شروط لوجوبه: وهي: البلوغ والعقل والقدرة والإقامة والنقاء من دم الحيض والنفاس.

فالصوم لا يجب على صبي صغير، لكن من السنة أن نعوده بأن نأمره بالصيام ونشجعه عليه، كما كان يصنع الصحابة رضوان الله عليهم، حتى إن الصبي إذا بكى من الجوع كانوا يجعلون له اللعبة من العهن، حتى يكون وقت الإفطار فيفطر مع الناس، من أجل أن يتعود الصيام إذا بلغ.

وكذلك الصوم لا يجب على من سلبت منه نعمة العقل، ولا يجب على المريض الذي لا يطيق الصوم، وعرفنا أن المريض على نوعين: إما أن يكون مرضه طارئاً، وهذا حكمه أن يقضي في عدة من أيام أخر، وإما أن يكون مرضه ملازماً، فهذا الإنسان ينتقل من الصيام إلى الإطعام، قال الله عز وجل: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ[البقرة:184]، بمعنى أنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، وهذه الآية استدل بها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مما يدل على دقة فهمه وعميق فقهه رضي الله عنه، وإلا فالآية لا علاقة لها بالمريض ولا بالشيخ الكبير ولا بالمرأة العجوز، لكن الآية كانت في أول الإسلام، من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم، فـابن عباس رضي الله عنهما يستدل بهذه الآية على أن العاجز عن الصيام ينتقل إلى البديل الذي هو الإطعام، فيطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لئلا يخلو من عبادة، وليس من شرط الإطعام تمليك الطعام للمسكين، وإنما لو صنع الإنسان طعاماً ودعا له المساكين فقد برئت ذمته، كما كان يصنع أنس بن مالك رضي الله عنه في آخر يوم من رمضان، يصنع جفنة من ثريد يدعو ثلاثين مسكيناً فيطعمهم.

وهاهنا مسائل:

المسألة الأولى: هل لا بد أن يكون الإطعام مزامناً لليوم، يعني كل يوم ليوم؟

نقول: لا. بدليل أن أنساً كان يطعمهم جميعاً في يوم.

المسألة الثانية: هل يصح تقديم الإطعام؟ مثلاً الشيخ الكبير الذي لا يصوم والمريض الزمن، هل يصح في أول يوم من رمضان أن يطعم ثلاثين مسكيناً وتبرأ ذمته؟

عند أكثر العلماء لا؛ لأنه لا يجوز تقديم العبادة على وقتها، كما أن رمضان لا يصلح أن نصومه قبل دخوله.

فلو أن أحداً صام قبل رمضان ونواه بدلاً من رمضان فإنه لا ينفعه فلا بد أن ينتظر الوقت.

أيضاً: لا يصح أن تصلى الصلوات قبل دخول وقتها.

قالوا: كذلك لا يجوز تقديم الإطعام على وقت الصيام، فإما أن يطعم كل يوم بيوم وإما أن ينتظر إلى آخر يوم من رمضان فيطعم ثلاثين مسكيناً.

المسألة الثالثة: هل تجزئ القيمة؟ وهذا يسأل عنه كثير من الناس، فيقول أحدهم: والله أنا عندي مرض لا أستطيع معه الصيام، وقد نصحني الطبيب بألا أصوم، فيسأل عن مقدار الفدية.

فنقول له: الفدية مقدارها سبعمائة وخمسون جراماً، وهو المد النبوي؛ لأن الصاع أربعة أمداد، فالمد على الاحتياط سبعمائة وخمسون جراماً، فعن الشهر كله يخرج اثنين وعشرين كيلو ونصف من غالب قوت أهل البلد. ثم يسأل عن القيمة كم هي؟ يريد أن يخرجها نقوداً فنقول له: القيمة عند جمهور العلماء (المالكية والشافعية والحنابلة) لا تجزئ، بل لا بد من الإطعام، ولذلك نقول: خذ الأحوط لدينك وأطعم عن كل يوم مسكيناً، إما أن تصنع طعاماً وتدعو إليه المسكين أو المساكين، وإما أن تملكهم هذا القوت الذي هو الدقيق.

وينبغي أن يعلم بأن المرض على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: المرض الخفيف الذي لا يؤثر معه الصوم، فهذا الإنسان يجب عليه أن يصوم، كالذي عنده جرح في أصبعه أو خلع سناً أو ضرساً، فهذا لا يصح له أن يفطر، بل يجب عليه أن يصوم؛ لأن الحكم معلل بالمشقة كما قال تعالى: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[البقرة:185]، وهنا ليس ثمة عسر.

النوع الثاني: المرض الذي يؤثر معه الصوم ويشتد عليه ويوجد معه مشقة لكنها مشقة مستطاعة، يستطيع أن يصوم لكن مع صعوبة، فنقول لمن هذا حاله: يمكنك أن تصوم والأفضل أن تفطر. ما وجه الأفضلية؟

وجه الأفضلية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا (أن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه). وهذه رخصة لك، وما كلفك الله شططاً.

النوع الثالث: المرض الشديد بحيث لو صام لربما يؤدي به الصوم إلى فقد حاسة كسمع أو بصر، ولربما يؤدي به إلى الهلاك، فهذا الإنسان نقول له: الصوم في حقك حرام؛ لأن الله تعالى قال: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ[البقرة:195]، وقال: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ[النساء:29].

إذاً: الشرط الأول لوجوب الصوم: البلوغ. والشرط الثاني: العقل. والشرط الثالث: القدرة. والشرط الرابع: الإقامة.

لو أن إنساناً مسافراً يريد أن يصوم نقول له: نعم ما تفعل، شيء طيب لو أنك صمت، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر أحياناً، وكذلك قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم).

و حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! إني أسافر في هذا الشهر -يعني في شهر رمضان- فبم تأمرني؟ قال له: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر).

بعض الناس قد يقول: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصيام في السفر)؟ نقول: نعم. لكن قاله متى؟ لما رأى رجلاً صائماً في السفر وقد بلغ به التعب والجهد كل مبلغ، حتى إن بعض الناس قد ظلل عليه، وبعضهم يقف عند رأسه، فمعناه أنه قد بلغ من التعب مبلغاً عظيماً، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام، ومعناه: إذا كان الصوم يشق على المسافر مشقة عظيمة فخير له أن يفطر، أما إذا كان لا مشقة عليه كما هو الحال الآن المشقة النفسية موجودة، لكن لا توجد مشقة بدنية ، أو كما هو الحال في بعض الأسفار القصيرة، فنقول له: خير لك أن تصوم؛ لأن الله تعالى قال: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ[البقرة:184]، ولأن الأداء أفضل من القضاء، ولأن الصوم في رمضان أفضل من الصوم في غير رمضان، ولأن الصوم مع الجماعة أيسر من أن يصوم الإنسان قضاءً وحده، لأنه في رمضان الجو كله جو صيام، فيسهل على الإنسان، و(ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما).

الشرط الخامس: النقاء من دم الحيض والنفاس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أليس إذا حاضت لم تصلي ولم تصم؟!).

تقدم معنا أن صيام رمضان لا يجب إلا بواحدة من علامتين:

العلامة الأولى: رؤية الهلال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)، فلا بد من الرؤية، قال ابن دقيق العيد رحمه الله: وليس المراد رؤية كل واحد، بل المراد مطلق الرؤية.

مثل الأذان ما يؤذن كل واحد، وإنما يؤذن لنا واحد منا، ويقيم الصلاة واحد منا فنصلي بأذانه وإقامته، فكذلك الناس الآن الذين يقولون: لا نصوم حتى نرى بأعيننا، نقول لهم: قد خالفتم السنة وفارقتم الجماعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نصوم مع الجماعة، فقد قال: (صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون)، وما كان عليه الصلاة والسلام يرى الهلال بنفسه في أغلب الأحيان، وإنما كان يخبره بعض الناس بأنه رآه، فيصوم ويأمر الناس بالصيام.

العلامة الثانية: إكمال العدة ثلاثين، إذا كمل شعبان ثلاثين يوماً فلم يبق إلا أن غداً هو الأول من رمضان، أما الحساب الفلكي فلا يعول عليه، ولعلكم من الآن تقرءون أنهم مختلفون، فبعضهم يقول: رمضان يوم الجمعة، وبعضهم يقول رمضان يوم السبت، هذا اختلافهم في البلد الواحد، ولذلك من أراد أن يصور لنا أن الحساب الفلكي دقيق لا يخطئ نقول له: ليس هذا بصواب، والدليل أنهم مختلفون متنازعون، وقد أمرنا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أن نعول على الرؤية.

وينبغي أن يعلم أن الصوم له ركنان: النية، والكف عن المفطرات.

النية وتكفي من الليلة الأولى. يعني إذا قيل لنا: غداً رمضان فالواحد منا نوى بقلبه أن يصوم الشهر كله، فتكفيه هذه النية؛ لأنها عبادة واحدة مجزأة إلى أجزاء، مثل الصلاة، كصلاة العشاء أو المغرب فهي عبادة واحدة مجزأة إلى ركعات، لكن لو انقطع التتابع بمرض أو سفر أو حيض ثم أراد الإنسان أن يستأنف فلا بد أن يستأنف نية جديدة.

فكل صوم متتابع تجزئ فيه نية الليلة الأولى.

مسألة ما حكم الحامل والمرضع؟

وهذا سؤال يكثر طرحه من أخواتنا النساء، نقول: الحامل والمرضع إذا كانتا تستطيعان الصيام فالصوم في حقهما واجب. فليس مطلق الحمل ولا مطلق الإرضاع مبيحاً للفطر، فبعض النساء تكون حاملاً وتستطيع أن تصوم، وبعض النساء تكون مرضعاً وتستطيع الصيام فالصوم في حقها واجب، أما إذا خشيت الحامل على نفسها فإنها تفطر، وإذا خشيت على جنينها تفطر، وكذلك المرضع لو خشيت على رضيعها تفطر، ما الذي يجب عليهما بعد الإفطار؟

هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فبعضهم يقول: ليس عليهما سوى القضاء، وبعضهم يقول: ليس عليهما سوى الإطعام، وبعضهم يفرق فيقول: التي تخاف على نفسها تقضي، أما التي أفطرت خوفاً على الجنين أو خوفاً على الرضيع فإنها تقضي وتطعم؛ لأنهم يفرقون بين من أفطر لمصلحة نفسه ومن أفطر لمصلحة غيره.

فمن أفطر لمصلحة نفسه مثل المريض عليه القضاء، لكن من أفطر لمصلحة غيره قالوا: كمن وجد إنساناً يغرق فقفز في الماء واستنقذه فشرب ماء، فهذا أفطر لمصلحة، فيقولون: الأول عليه القضاء، والثاني عليه القضاء والإطعام.

والذين ذهبوا إلى أن الحامل والمرضع عليهما القضاء فقط قالوا: لأنهما بمنزلة المريض، والمريض عذره طارئ فكذلك الحامل والمرضع عذرهما طارئ ليس عذراً دائماً، ولذلك عليهما القضاء.

ومن قالوا بأن عليهما الإطعام وليس عليهما قضاء، استدلوا بالحديث الذي رواه الإمام أحمد و الترمذي عن أنس بن مالك القشيري من بني قشير وليس أنس بن مالك النجاري الأنصاري رضي الله عنه، وإنما هو صحابي آخر اسمه أنس بن مالك القشيري من بني قشير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم)، وبما قاله عبد الله بن عباس: (والحبلى والمرضع إذا أفطرتا أطعمتا) لكن جمهور العلماء قالوا: هذان النصان كلاهما مؤول.

أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم)، أي: وضع عنهما أداءه ولم يضع عنهما قضاءه، مثلما وضعه عن المسافر وعن المريض.

وأما قول ابن عباس: (الحبلى والمرضع إذا أفطرتا أطعمتا) قالوا: لم يذكر القضاء لاشتهاره. يعني: كأن مذهب ابن عباس أن عليهم القضاء والإطعام معاً.

إذاً لو أن امرأة قالت: أنا كنت حبلى فأفطرت، أو كنت مرضعاً فأفطرت، نقول لها: ليس عليك سوى القضاء والعلم عند الله تعالى.

وللصوم مفسدات سنذكرها على وجه السرعة:

الجماع

أول مفسد من مفسدات الصوم والذي يجب به القضاء والكفارة: الجماع، من جامع في حلال أو حرام فقد فسد صومه، وعليه القضاء والكفارة، وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين.

وهنا مسألة ذكرها الفقهاء فقالوا: ما حكم جماع الناسي؟ هل يتصور أن يجامع الإنسان وهو ناس؟ أو وهي ناسية أنهما في شهر رمضان؟!

لكن هذه مسألة ذكرها الفقهاء رحمة الله عليهم، فقالوا: من جامع في رمضان ناسياً أنه في رمضان، أو جاهلاً حرمة الوطء في رمضان، وهذا متصور كأن يكون أسلم في رمضان فيجب عليه الصوم.

فيبين له مفهوم الصيام بأنه الامتناع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات، ما فهم سائر المفطرات فهو يجهل أن الوطء في نهار رمضان حرام، قالوا: من جامع ناسياً أنه في رمضان أو جاهلاً حرمة الوطء في رمضان أو جاهلاً دخول رمضان، فليس عليه إلا القضاء، وليس عليه كفارة.

ما حكم جماع المكره؟ هذا متصور، رجل أكره زوجته على الجماع، نقول له: عليك كفارتان، كفارة عن نفسك وكفارة عن زوجتك التي أكرهتها، وكفارتك بالنسبة للزوجة في خصلتين: إما العتق وإما الإطعام، لا ينفع أنك تصوم عن نفسك شهرين وعنها شهرين، أما بالنسبة لك فأنت مخير بين الخصال الثلاث: إما عتق أو صيام أو إطعام، أما بالنسبة للزوجة إما أن تعتق رقبة وإما أن تطعم ستين مسكيناً.

تعمد إخراج المني

المفطر الثاني: تعمد إخراج المني، من تعمد في نهار رمضان أن يخرج المني، وهو ما يسميه الشباب بالعادة السرية، فقد بطل صومه، وعليه القضاء والكفارة، وكذلك من تعمد إخراج المني بأن يتدلك بالأرض مثلاً أو بغير ذلك من الوسائل، أو تعمد إخراج المني بالمباشرة، يعني قبل ونحو ذلك حتى أمنى فقد فسد الصوم، وعليه القضاء والكفارة؛ لأن هذا كله في معنى الجماع، وفي الحديث: (يدع طعامه وشرابه وشهوته)، وهذه شهوة.

فيلزمه القضاء والكفارة.

تعمد إخراج المذي

المفطر الثالث: تعمد إخراج المذي، فلو أن إنساناً أمذى بنظر أو بإدامة الفكر فإن صومه يفسد وعليه القضاء وليس عليه كفارة؛ لأن هاهنا شهوة غير مكتملة، ومعروف الفرق بين المني والمذي، فالمني هو الماء الدافق الذي يخرج عند اللذة الكبرى ويوجب الغسل، أما المذي فهو مني لم يتم طبخه وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند التفكر أو عند الملاعبة.

تعمد القيء

المفطر الرابع: تعمد القيء، إنسان تعمد أن يستقيء إما بجذب وإما بعصر وإما بشم وإما بنظر، كالنظر إلى الشيء وهو يعلم أن نظره إليه يحرك بطنه ويدفعه إلى القيء، أو شمه أو عصر بطنه أو أدخل إصبعه في حلقه، فسد صومه وعليه القضاء، أما إنسان خرج منه القيء بغير إرادة فلا شيء عليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من استقاء فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه).

وبعض العلماء قالوا: صومه صحيح؛ لأن الإفطار يكون مما يدخل لا مما يخرج.

نقول لهم: سبحان الله! المني لماذا فطرتم الصائم بخروجه؟ فالمستمني هل أدخل أم أخرج؟ أخرج.

وهذه القاعدة ذكروها في الطهارة وفي الصيام، قالوا: الوضوء ينتقض مما خرج لا مما دخل، والصوم ينتقض مما دخل لا مما خرج، والأمر في المسألة لا يستقيم. هناك في الوضوء مثلاً ينتقض بلحم الجزور عند بعضهم، الذي يأكل لحم جمل يقولون له: لازم تتوضأ، استدلالاً بالحديث: (من أكل لحم جزور فليتوضأ)، وهذا عند الحنابلة وحدهم رحمة الله عليهم.

وصول شيء إلى الجوف

المفطر الخامس: وصول شيء إلى الجوف، الشيء الذي يصل إلى الجوف إما أن يكون نافعاً مثل اللحم والخبز واللبن والعسل، وإما أن يكون ضاراً مثل الخمر والحشيشة، وإما أن يكون غير نافع ولا ضار، مثل حبة المسبحة لو بلعها، فعند جماهير العلماء كل ما وصل إلى الجوف من نافع أو ضار أو ما ليس بنافع ولا ضار فإنه يعد مفطراً، سواءً كان هذا الواصل يابساً أو مائعاً، يابساً مثل بلع العظمة، أو مائعاً مثل شرب اللبن أو العسل، فكل هذا يعدونه مفطراً، وبصرف النظر عن المنفذ الذي وصل منه، ويستدلون بحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً).

نكمل إن شاء الله في الدرس القادم، وأسأل الله أن ينفعني وإياكم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.