أركان الصوم وشروط وجوبه


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، والسراج المنير والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد سبق بأن دخول رمضان يثبت من طريقين:

الطريق الأول: رؤية الهلال: فإذا رأى عدلان الهلال وشهدا بذلك؛ فإن دخول الشهر يثبت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته).

وذكرنا بأن المقصود بذلك عموم المسلمين، وليس لكل واحد على حدة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام الذي قال هذا الكلام هو نفسه لم يكن يرى الهلال، وإنما يُرى من قبل بعض الناس، ولذلك ما يفعله بعضهم حين يقول: أنا لن أصوم حتى أرى الهلال بنفسي. خطأ لا يقر عليه.

الطريق الثاني لإثبات دخول الشهر هو: إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين).

وأما إثبات دخول الشهر عن طريق الحساب الفلكي، فقد قال به بعض العلماء مستدلين بقول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ[يونس:5]، وبقول الله عز وجل: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ[الرحمن:5]، وبأن علم الفلك علم منضبط، ومعطياته صحيحة، وليس هو من قبيل الكهانة والتنجيم.

واستدلوا كذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني: ثلاثين يوماً، أو هكذا وهكذا وهكذا وقبض إبهامه يعني: تسعة وعشرين يوماً).

قالوا: فإذا زالت الأمية وبدأ الناس يكتبون ويحسبون فلا بأس أن يستدلوا بمنازل القمر وبما يثبته الحساب في الاستدلال على دخول الشهر.

وكذلك: قاسوا الصيام على الصلاة، فقالوا: بما أن الصلاة يثبت دخولها بالحساب، فنعرف بذلك متى تزول الشمس ومتى يطلع الفجر، ونعرف متى تغرب الشمس ومتى يغيب الشفق؛ فكذلك الهلال نعرفه عن طريق الحساب.

وقالوا: أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته) فالمقصود به: الرؤية العلمية وليست الرؤية البصرية، بدليل أن الأعمى والمحبوس كلاهما مأمور بالصيام رغم أن الرؤية لا تتأتى لهما.

لكن جمهور العلماء في القديم والحديث يقولون بأن الحساب الفلكي لا يستقل بإثبات دخول الشهر ولا بخروجه، لأن الشريعة علقت ذلك على علامة معروفة يستطيعها كل واحد وهي: رؤية الهلال، سواء كانت الرؤية بالعين المجردة أو كانت الرؤية بواسطة الوسائل المكبرة والمجاهر وما إلى ذلك.‏

والصيام لا يجب إلا على من توافرت فيه شروط خمسة، وهي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والقدرة البدنية، والإقامة.

الشرط الأول: الإسلام

ولو أننا أسقطنا شرط الإسلام باعتبار أن الكافر مأمور بفروع الشريعة مخاطباً بها فيمكن أن نجعل مكان الإسلام الطهارة من دم الحيض والنفاس، فالحائض والنفساء لا يجب عليهما الصوم أداءً، ولكن يلزمهما قضاءً، بخلاف الصلاة فإنها لا تلزمهما أداءً ولا تلزمها قضاءً، فالحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.

الشرط الثاني والثالث: البلوغ والعقل

الشرط الأول: البلوغ: فيستحب لنا -معشر أهل الإسلام- أن نأمر صغارنا بالصيام وأن نشجعهم عليه، وأن نحثهم عليه، وأن نكافئهم على ذلك من أجل أن يعتادوه إذا كبروا.

فالصغير إذا أطاق الصيام وصار قادراً عليه فإننا مثلما نأمره بالصلاة نأمره كذلك بالصيام، فنقول له: صم فقد صرت رجلاً، ونقول للبنت: لقد صرت امرأة فصومي، ونبين لهم فضائل الصيام ونشجعهم على ذلك؛ مثلما كان يفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما الدليل على أنهم كانوا يفعلون ذلك؟ حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: ( فكنا نصومه ونصوم صبياننا، فإذا بكوا جعلنا لهم اللعبة من العهن)، فكان الطفل الصغير إذا بكى من الجوع يجعلون له بعض الألعاب حتى يكون وقت الإفطار.

وكذلك مر معنا أن عمر رضي الله عنه لما جيء له بشخصٍ قد شرب خمراً في نهار رمضان فجلده عمر وقال له: أتفعل ذلك وصبياننا صيام؟! فقول عمر : وصبياننا صيام؟! دليل على أنه كان من عادة الصحابة أن يصوّموا الصغار.

لكن بشرط أن يكون مطيقاً للصيام، أما إذا كان لا يطيق الصيام لضعف بنيته ووهن جسده فإننا لا نصومه؛ لأن الله قال: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ[البقرة:195].

والشرط الثاني: العقل: فالمجنون مرفوع عنه القلم ولا يخاطب بالتكاليف الشرعية.

الشرط الرابع: القدرة

الشرط الثالث: القدرة على الصيام، فلا يجب على المريض، والمريض نوعان: النوع الأول: أن يكون مرضه طارئاً؛ كمن أصيب بزكام أو ملاريا أو نحو ذلك من الأمراض التي تأتي وتزول.

النوع الثاني: من كان مرضه مستديماً، نسأل الله العافية لجميع المسلمين.

فمن كان مرضه طارئاً قال الله عز وجل في شأنه: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة:184]، ومن كان مرضه مستديماً قال الله عز وجل في شأنه: فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ[البقرة:184]، فمن كان مرضه مستديماً لا يطيق الصوم، كمن كان شيخاً كبيراً لا يطيق الصوم، فحكمه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، لكل مسكين مدان من طعام، وعند المالكية يقولون: بأن هذا على سبيل التطوع لا على سبيل الوجوب.

أما بالنسبة للمريض مرضاً طارئاً فقد تقدم معنا الكلام بأنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: من كان مرضه خفيفاً لا يؤثر معه الصيام، كمن قلع ضرساً أو جرح في أصبعه، فهذا يجب عليه أن يصوم لأنه لا يشق عليه الصوم.

القسم الثاني: من كان مرضه شديداً ويستطيع الصيام ولكن مع مشقة، فهذا الأفضل له أن يفطر؛ لأن الله يحب أن تؤتى رخصه، ولأن الله تعالى يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر.

القسم الثالث: من كان مرضه شديداً بحيث أنه لو صام ربما هلك وربما فقد حاسة من حواسه، فمثل هذا يقال له: لا يجوز لك أن تصوم، ويحرم عليك أن تصوم؛ لأن الله تعالى قال: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[النساء:29]، ومثله الشيخ الكبير الطاعن في السن، والمرأة العجوز، وهؤلاء جميعاً نقول لهم: لا يجوز لكم أن تصوموا؛ لأن الله تعالى رحيم كريم.

صيام الحامل والمرضع

وأما الحامل والمرضع فلا ينتظمهما حكم واحد؛ لأن النساء لسن سواء، فبعض النساء يكن ذوات حمل وهن صائمات والصوم لا يؤثر عليهن ولا على أطفالهن، وبعض النساء يكن مرضعات ويصمن ولا يضرهن الصيام، فهؤلاء يجب عليهن أن يصمن؛ لأنهن مخاطبات بقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ[البقرة:183]، وبقول الله عز وجل: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[البقرة:185].

أما إذا كانت الحامل تخشى على نفسها أو على الجنين، أو المرضع تخشى على طفلها فإنهما تفطران، والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصيام).

فقوله: (إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة) بمعنى: أن المسافر يصلي جميع الصلوات ركعتين إلا المغرب، فإنه يصليها ثلاثاً ليس فيها قصر، لقوله: (وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصيام).

فمن المعلوم أن الحديث ذكر فيه المسافر والمرضع والحامل:

فالمسافر يجب عليه القضاء، وكذلك الحامل والمرضع بجب عليهما القضاء، ولا شيء غير القضاء.

وأما ما قاله بعض أهل العلم: من أن المرضع يجب عليها مع القضاء إطعام مسكين، فلأنهم يفرقون بين من أفطر لمصلحة نفسه، ومن أفطر لمصلحة غيره.

لأن المرضع لم تفطر من أجل نفسها، وإنما أفطرت من أجل الطفل الصغير.

ومثاله: قالوا: لو أن حريقاً شبّ وإنسان يريد أن يطفئ هذا الحريق، واجتهد في ذلك إلى أن بلغ منه العطش كل مبلغ ولا يستطيع مواصلة الإطفاء إلا إذا شرب. قالوا: فإنه يفطر ثم يقضي ويطعم.

ومثله أيضاً: من بذل مجهوداً في إنقاذ غريق، أو إنقاذ مجموعة من الغرقى، ولم يستطع ذلك إلا بأن يفطر، وهو في هذه الحالة أفطر لمصلحة غيره. فقالوا: فإنه يقضي ويطعم.

فنقول هنا: إن الشريعة ما دلت إلا على القضاء، لأن الإنسان إذا أفطر سواء كان لمصلحة نفسه أو لمصلحة غيره فإنه لا يجب عليه إلا القضاء، وليس شيء سوى القضاء.

الشرط الخامس: الإقامة

ومن شروط وجوب الصيام: الإقامة، فمن كان مسافراً جاز له أن يفطر، والمسافرون على ثلاثة أنواع: النوع الأول: إذا كان المسافر يستطيع الصيام من غير مشقة فإنه ينبغي له أن يصوم، النوع الثاني: إذا كان يستطيع الصيام ولكن مع مشقة فخير له أن يفطر. والنوع الثالث: إذا كانت المشقة شديدة فإننا نقول له: يجب عليك أن تفطر.

والدليل على أن المسافر مخير بين أن يصوم وبين أن يفطر حديث حمزة الأسلمي رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( يا رسول الله! إني كثير السفر فماذا أصنع للصوم؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر). فخيره النبي صلى الله عليه وسلم.

وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر؛ كما قال الصحابة رضي الله عنهم: (كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الشديد الحر، حتى إن أحدنا ليتقي الحر بيديه، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة ).

فالصحابة كانوا مفطرين والرسول صلى الله عليه وسلم كان صائماً.

وبعض الناس قد يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس من البر الصيام في السفر).

فنقول: إن هذا الحديث له سبب، والسبب هو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً كان صائماً فتعب تعباً شديداً إلى أن لزم الأرض، والناس قد ظللوا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس من البر الصيام في السفر)، يعني: إذا أوصلك إلى هذه الحالة لم يعد صياماً؛ بل صار معصية، لأنك ستهلك نفسك، والحديث ليس على إطلاقه:

فمذهب الظاهرية رحمهم الله: أن من صام في السفر وجب عليه القضاء، وقالوا: إن من صام في السفر كمن أفطر في الحضر.

أي: من أفطر في الحضر فهو آثم، فكذلك من صام في السفر، قالوا: لأن الله قال: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ[البقرة:184] قالوا: فالواجب عليه القضاء وليس الصيام. وقالوا: ولا يصح منه الصيام، وهذا كعادتهم رحمة الله عليهم في الأخذ بظواهر النصوص، مثلما قالوا في قول النبي صلى الله عليه وسلم (البكر تستأذن وإذنها صماتها أو سكوتها) فقالوا: لو أن أباً استشار ابنته فقال لها: تقدم إليك فلان، فقالت: موافقة. أو قالت: رضيت، قالوا: هذا لا ينفع بل لا بد أن تسكت.

والرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: السكوت إذن فمن باب أولى الكلام، فلو أنها قالت: رضيت. أو قالت: زوجوني. فالظاهرية رحمة الله عليهم قالوا: لا بد أن تسكت.

ومثله أيضاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه). قالوا: معناه: لا يبول في الماء ثم يغتسل فيه، لكن لو بال في إناء ثم صبه فجائز لأنه لم يبل فيه! وهذا جمود على ظاهر النص مما يتنافى مع روح الشريعة.

شروط السفر الذي يباح فيه الفطر

والسفر الذي يبيح الفطر لا بد أن تتوفر فيه خمسة شروط:

الشرط الأول: أن يكون سفراً مشروعاً؛ كسفر العمرة، فمثلاً: شخص في رمضان سافر للعمرة، وشخص في رمضان سافر لصلة رحم، وآخر سافر لعيادة مريض؛ فقدم من الخرطوم إلى الكوّة، وليس له مصلحة في الكوّة إلا أن يعود مريضاً؛ فهذا سفر طاعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضاً قعد في خرفة الجنة حتى يرجع، ومن عاد مريضاً صلى عليه سبعون ألف ملك إن كان ممسياً حتى يصبح، أو كان مصبحاً حتى يمسي).

أو شخص سافر لتشييع جنازة، فهذا سفر طاعة، سافر لتعزية في ميت، فهو سفر طاعة، أو سافر سفراً مباحاً كالتجارة، فيجوز له أن يفطر.

أما إذا كان مسافراً سفر معصية، مثاله: من سافر لقطع الطريق، كأن يعلم بأن هناك أناساً عندهم ذهب في مكان كذا يسافرون إلى مكان كذا، فذهب ليقطع عليهم الطريق من أجل أن يسلب أموالهم، فهذا سفر معصية.

ولو أن إنساناً سافر من أجل أن يرابي، فهذا سفر معصية، أو سافر ليقتل نفساً معصومة، فهذا سفر معصية، لا يجوز له أن يفطر ولا أن يقصر الصلاة؛ لأن الرخصة لا يستعان بها على معصية الله عز وجل؛ فهذا أول شرط من شروط السفر المبيح للفطر.

الشرط الثاني: أن يكون في صوم رمضان لا في صوم واجب سواه. فلو أن شخصاً كان صائماً صوم نذر أو صوم كفارة، كمن عليه صيام شهرين متتابعين لأنه قتل خطأً، أو لأنه ظاهر من امرأته، أو لأنه نذر فقال: لله عليّ صيام شهر مثلاً. فالمالكية يقولون: في السفر لا يفطر. لأن الرخصة خاصة بصيام رمضان.

الشرط الثالث: أن تكون المسافة مسافة قصر، ومسافة القصر ما زاد على ثمانين كيلو متراً، والدليل على ذلك: أن عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين كانوا يقصرون الصلاة في أربعة برد. والبريد: أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال. يعني: ستة عشر فرسخاً لثلاثة أميال فتكون مسافة القصر ثمانية وأربعين ميلاً، والميل: ألف وستمائة وسبعون متراً، يعني: تقريباً ثمانون كيلو متراً أو ما يزيد عليها.

وكذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يقصرون في المسافة ما بين مكة وجدة، ومكة وعسفان؛ كما ثبت في صحيح البخاري وغيره، فلا بد أن تكون المسافة مسافة قصر.

أما من خرج هائماً على وجهه لم ينو سفراً فإنه لا يقصر ولا يفطر. مثاله: إنسان خرج للبحث عن مفقود، وفي أثناء بحثه أكمل ثمانين كيلو أو يزيد، فهذا الإنسان لم ينو سفراً أصلاً، وإنما خرج يبحث.

ومثله الآن من يخرجوا للبحث عن الذهب، فلو أنه خرج من الخرطوم مثلاً إلى عطبرة، فهذا معناه أنه نوى سفراً ابتداءً؛ فله أن يقصر ويفطر، لكنه بعد ما وصل إلى عطبرة وأقام فيها خمسة أيام مثلاً. وبعد ذلك خرج يبحث عن الذهب، فهو لم يخرج من عطبرة ناوياً مسافة قصر لثمانين كيلو أو يزيد، وإنما خرج هائماً على وجهه. فلو وجد الذهب بعد أربعين كيلو لرجع، ولربما لا يجد الذهب إلا بعد مائة كيلو، ولربما لا يجده أصلاً. فمثل هذا لا يقصر ولا يفطر. لأنه لم ينو سفراً ابتداءً.

الشرط الرابع: أن يرحل من البلد ليلاً قبل الفجر، أما إذا سافر في أثناء النهار فلا يحل له أن يفطر، وهذا مذهب المالكية. قالوا: لأن الله تعالى قال: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[البقرة:185]، وهذا الإنسان قد شهده وهو حاضر مقيم؛ لأن من طلع عليه الفجر وهو حاضر مقيم فهو مخاطب بهذه الآية فيجب عليه أن يصوم.

ولكن كان النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه من بعده إذا خرجوا نهاراً أفطروا. فلو أن إنساناً أصبح صائماً في نهار رمضان، ثم سافر في أثناء النهار فإنه يجوز له أن يفطر، ولكن بعد شروعه في السفر، وبعدما تغيب عنه بيوت القرية وبساتينها، فمثلاً بعدما خرج من الخرطوم وتجاوز سوقها وغاب عنه بيوت الخرطوم بعد ذلك يجوز له أن يفطر.

ولكن المالكية رحمهم الله يشترطون هذا الشرط استفادة من الآية، فيقولون: يشترط في جواز الفطر: أن يشرع في السفر ليلاً قبل طلوع الفجر؛ فإن خرج بعد الفجر نهاراً فلا يجوز له الفطر في ذلك اليوم؛ لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[البقرة:185]، ومن خرج بعد الفجر فقد شاهد بداية الصوم وهو حاضر.

الشرط الخامس: أن يبيت الفطر قبل الفجر، فإن بيت المسافر الصيام فلا يجوز له أن يفطر في أثناء النهار.

وهذا الشرط ثبتت السنة بخلافه؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبيت نية الصيام؛ كما حصل في غزوة الفتح، فقد خرج مع أصحابه وهم صائمون، حتى إذا بلغ كراع الغميم -مكان قريب من مكة- دعا النبي صلى الله عليه وسلم بعس من لبن فشرب، ثم أمر أصحابه بأن يفطروا، وعلل ذلك بأنه أقوى لهم على عدوهم.

لذلك فالمسافر الرخصة ثابتة في حقه، فلو أنه نوى صياماً ثم بدا له في أثناء النهار أن يفطر فلا حرج عليه أن يفطر.

الشرط الأول: أن يكون السفر مشروعاً، سفر طاعة أو سفراً مباحاً.

الشرط الثاني: أن تكون المسافة مسافة قصر.

الشرط الثالث: أن يكون السفر في رمضان لا في صوم واجب سواه.

الشرط الرابع: أن يشرع في سفره قبل طلوع الفجر، أما إذا طلع عليه الفجر وهو حاضر فلا يجوز له أن يفطر في أثناء النهار، لأنه شاهد بداية الصوم وهو مقيم.

الشرط الخامس: أن يبيت الفطر من الليل، فإذا بيت الصيام لا يجوز له أن يفطر في أثناء النهار.

ولو أننا أسقطنا شرط الإسلام باعتبار أن الكافر مأمور بفروع الشريعة مخاطباً بها فيمكن أن نجعل مكان الإسلام الطهارة من دم الحيض والنفاس، فالحائض والنفساء لا يجب عليهما الصوم أداءً، ولكن يلزمهما قضاءً، بخلاف الصلاة فإنها لا تلزمهما أداءً ولا تلزمها قضاءً، فالحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.

الشرط الأول: البلوغ: فيستحب لنا -معشر أهل الإسلام- أن نأمر صغارنا بالصيام وأن نشجعهم عليه، وأن نحثهم عليه، وأن نكافئهم على ذلك من أجل أن يعتادوه إذا كبروا.

فالصغير إذا أطاق الصيام وصار قادراً عليه فإننا مثلما نأمره بالصلاة نأمره كذلك بالصيام، فنقول له: صم فقد صرت رجلاً، ونقول للبنت: لقد صرت امرأة فصومي، ونبين لهم فضائل الصيام ونشجعهم على ذلك؛ مثلما كان يفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما الدليل على أنهم كانوا يفعلون ذلك؟ حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: ( فكنا نصومه ونصوم صبياننا، فإذا بكوا جعلنا لهم اللعبة من العهن)، فكان الطفل الصغير إذا بكى من الجوع يجعلون له بعض الألعاب حتى يكون وقت الإفطار.

وكذلك مر معنا أن عمر رضي الله عنه لما جيء له بشخصٍ قد شرب خمراً في نهار رمضان فجلده عمر وقال له: أتفعل ذلك وصبياننا صيام؟! فقول عمر : وصبياننا صيام؟! دليل على أنه كان من عادة الصحابة أن يصوّموا الصغار.

لكن بشرط أن يكون مطيقاً للصيام، أما إذا كان لا يطيق الصيام لضعف بنيته ووهن جسده فإننا لا نصومه؛ لأن الله قال: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ[البقرة:195].

والشرط الثاني: العقل: فالمجنون مرفوع عنه القلم ولا يخاطب بالتكاليف الشرعية.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ما لا يفسد به الصوم والأخطاء التي يقع فيها الصائمون 2641 استماع
مندوبات في شهر رمضان 1776 استماع
مبيحات الفطر ومفسدات الصيام 1496 استماع
فضل الصوم وأنواعه 1359 استماع
ما يثبت به دخول الشهر 607 استماع