الربيع العربي: نهاية استضعاف وأمل في التفوق
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
مر عام على بداية الثورات الربيعية العربية التي أمدت الأمة بقوة استبشار وتفائل كبير بصلاح حال المسلمين ، وحصاد المزيد من المكاسب والاستحقاقات التي تصب في عزتهم وتمكينهم، وإذا كانت هذه الاستحقاقات التي أفرزتها الانتخابات في كل من مصر وتونس على الخصوص قد أنهت الاستضعاف وأعطت مكاسب سياسية للإسلاميين تمكنهم من لعب أدوار قيادية على أعلى المستويات فإن هذا كله لا يمثل تفوقا بالمعنى الاستراتيجي ! وإن كانت المرحلة تعني نهاية الاستضعاف التي عاشها المسلمون في ظل الأنظمة السابقة وهو في حد ذاته مكسب عظيم يدعو للتفاؤل بغد مشرق!
فالمعطيات السياسية تشير إلى أن ما تحقق من استحقاقات يحتاج إلى جهد عتيد من المناورة السياسية على صعيد الداخل والخارج لضمان القدرة على تفعيل البرامج التي رسمها الإسلاميون نهجا للحكم في مشروعهم الشامل!
فالمشهد السياسي الداخلي مليء بخصوم المشروع الإسلامي وأعدائه (ليبراليين وغيرهم من فتات التيارات ) ولم يعد يخفى على كل متابع أن هؤلاء يمثلون (على قلتهم )الأجنحة الضاربة للغرب في عقر دار المسلمين ! ولا تزال رؤاهم وأفكارهم وبرامجهم السياسية ونواديهم محمية بموجب الدستور في إطار حماية الحريات وهم على هذا الوضع " طابور خامس " ومن أدوات الرهان التي يراهن بها الغرب على عرقلة المشروع الإسلامي الحاكم بل ومحاولة نسفه إن استطاع! وإذا كان الغرب قد عجز عن تحقيق ذلك من خلال تمثيلهم السياسي في الانتخابات فإنه يراهن اليوم على تمكينهم من خلال أوراق أخرى (كالمساعدات الخارجية) أو من خلال توظيفهم لإحداث فوضى عارمة تنتهي في نهاية المطاف إلى زعزعة الاستقرار أو التدويل !!
أما خارجيا فلا يزال الغرب يلعب بورقة الاقتصاد تحديدا في تحجيم برامج الأحزاب الإسلامية للحفاظ على الحد الأدنى مما كان يحظى به الغرب من المصالح في ظل الأنظمة المخلوعة (بن علي ومبارك) بل ويلعب بهذه الورقة في التمكين لخصوم المشروع الإسلامي لنيل مقاعد بالبرلمان أو الحصول على مناصب تنفيذية بالدولة كما يلعب أيضا بورقة الأقليات تمهيدا لما يمكن أن يشجع على تدويل قضاياهم وأعني هنا أقباط مصر حيث أشار الرئيس الأمريكي أوباما قبل أيام لوجوب حماية المسيحين في مصرما اعتبرته مصر تدخلا في شؤونها الداخلية .
ولا تزال إسرائيل ( العدوالتقليدي للمشروع الإسلامي ) في سعي دؤوب على محاصرة المشروع وتقويضه ، فمنذ فوز الإسلاميين بالانتخابات (في مصر وتونس) ومكائدها لا تتوقف فقد عملت جاهدة على تقوية شوكة الليبراليين من خلال مشروع دولي شبهه المحللون بخطة المارشال " التي أنجزتها أمريكا عقب الحرب العالمية الثانية لإنقاذ أروبا المدمرة- حيث طار أحد نواب نيتنياهو إلى أمريكا طالبا الدعم من الكونغرس الأمريكي لإنشاء صندوق دولي كفيل بدعم المشروع الليبرالي في الوطن العربي وهو الشيء نفسه الذي تنادى به غربيون معروفون بعداوتهم الشديدة للمسلمين أمثال توني بلير!! كما أصبحت "إسرائيل" وصية على سياسة دولة الجنوب السوداني مهددة بذلك مصر في ثروتها المائية ووأد اي وحدة مع السودان ، ناهيك عن استعدادت عسكرية تجريها على قدم وساق تحسبا لمواجهة وشيكة مع مصر!!
هذا المناخ على الصعيدين الداخلي والخارجي يشكلان عقبة أمام البرامج السياسية للإسلاميين في كل من تونس ومصر،وهو ما توحي به تصريحات الساسة (الإسلاميين) في إظهارالتزامهم بالمعاهدات الموقع عليها (مثل معاهدة السلام) او احترامهم للقوانين والنظم برغم مخالفتها الصريحة للشرع!!
أما بخصوص ليبيا فلا تزال صورة الوضع ضبابية ، فالاستحقاق الوحيد الذي اتضحت صورته بدون لبس هو القضاء على الطاغية القذافي ، لكن المشهد السياسي لا يزال قاتما لدرجة تنذر بالعرقنة ، وهو ما يوحي به مشهد هيمنة الناتو على موانىء النفط والتناحر بين الثوار ومحدودية سلطة الانتقالي وتوجه اثنا عشر ألف جندي أمريكي من مالطا إلى مشارف ليبيا تحسبا للتدخل!!
نعم لقد انتهت مرحلة الاستضعاف الاستراتيجي بالنسبة للدعوة الإسلامية والمشروع الإسلامي عموما في كل من مصر وتونس وحلت مرحلة توازن استراتيجي نوعي إذا أخذنا في الاعتبار مجمل الضغوط الخارجية والداخلية ، لكن تبقى مرحلة التفوق الاستراتيجي مرهونة بإزالة كل معوقات المشروع الإسلامي وما يهدده من الداخل والخارج.هنا تكمن الحاجة إلى ثلاثة أمور:
- تكثيف المشاريع الدعوية لأجل إصلاح المجتمع والتمكين لدين الله فيه وليهتدي من يهتدي من خصوم المشروع الإسلامي ومناوئيه.
- تفعيل الوحدة الإسلامية بين مختلف التيارات الإسلامية على برنامج حد أدنى تنشأ منه أغلبية ساحقة لضمان الحكم الإسلامي بالتشريع السلس بما يخدم الأهداف المتفق عليها .
- بناء الدولة بناء قويا على المستويين الاقتصادى والعسكري.
إدريس أبو الحسن - 18/3/1433 هـ