أزواج النبي (1) - زاد المعاد - أبو الهيثم محمد درويش
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
فصل: في أزواجه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أولاهن خديجة بنت خُويلد القرشية الأسدية، تزوجها قبل النبوة، ولها أربعون سنة، ولم يتزوجْ عليها حتى ماتت، وأولاده كلُّهم منها إلاَّ إبراهيمَ، وهي التي آزرته على النبوة، وجاهدت معه، وواسته بنفسها ومالها، وأرسل الله إليها السلامَ مع جبريل، وهذه خاصة لا تُعرف لامرأة سواها، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين.
ثم تزوج بعد موتها بأيام سَوْدة بنت زَمْعَة القُرشية، وهي التي وهبت يومها لعائشة.
ثم تزوج بعدها أمَّ عبد الله عائشة الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق، المبرَّأة من فوق سبع سماوات، حبيبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عائشة بنت أبي بكر الصِّدِّيق، وعرضها عليه المَلَكُ قبل نكاحها في سَرَقَةٍ من حرير وقال: "هذه زوجتك".
تزوج بها في شوال وعمرها ست سنين، وبنى بها في شوال في السنة الأولى من الهِجرة وعمرها تسع سنين، ولم يتزوج بكرًا غيرها، وما نزل عليه الوحي في لِحاف امرأة غيرها، وكانت أحبَّ الخلق إليه، ونزل عذرُهَا مِن السماء، واتفقت الأمة على كفر قَاذِفها، وهي أفقه نسائه وأعلمُهن، بل أفقهُ نساءِ الأمّة وأعلمهُنَّ على الإِطلاق، وكان الأكابرُ مِنْ أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرجعون إلى قولها ويستفتونها.
وقيل: إنها أسقطت من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِقْطاً، ولم يثبت.
ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذكر أبو داود أنه طلقها، ثم راجعها.
ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية، من بني هلال بن عامر، وتوفيت عنده بعد ضمه لها بشهرين.
ثم تزوج أمَّ سلمة هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية، واسم أبي أمية حذيفة بن المغيرة، وهي آخر نسائه موتًا.
وقيل: آخرهن موتًا صفية.
واختلف فيمن ولي تزويجها منه؟ فقال ابن سعد في (الطبقات): ولي تزويجها منه سلمة بن أبي سلمة دون غيره من أهل بيتها، ولما زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمة بن أبي سلمة أمامة بنت حمزة التي اختصم فيها علي وجعفر وزيد قال: «هل جزيتُ سلمة» يقول ذلك، لأن سلمة هو الذي تولى تزويجه دون غيره من أهلها، ذكر هذا في ترجمة سلمة، ثم ذكر في ترجمة أم سلمة عن الواقدي: حدثني مجمع بن يعقوب، عن أبي بكر بن محمد بن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب أم سلمة إلى ابنها عمر بن أبي سلمة، فزوَّجهَا رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يومئذٍ غلام صغير.
وقال الإِمام أحمد في (المسند): حدثنا عفان، حدثنا حمّاد بن أبي سلمة، حدثنا ثابت قال: حدثني ابن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أم سلمة أنها لما انقضت عِدَّتُهَا مِنْ أبي سلمة، بعث إليها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: مَرْحَبَاً برسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني امرأة غَيرى، وإني مُصْبِيَةٌ، وَلَيْسَ أحدٌ من أوليائي حاضراً...
الحديث، وفيه فقالت لابنها عمر: قم فزوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فزوجه، وفي هذا نظر، فإن عمر هذا كان سنُّه لما توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسع سنين، ذكره ابن سعد، وتزوجها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شوال سنة أربع، فيكون له من العمر حينئذٍ ثلاث سنين، ومثل هذا لا يزوِّج قال ذلك ابن سعد وغيره، ولما قيل ذلك للإِمام أحمد، قال: من يقول: إن عمر كان صغيراً؟! قال أبو الفرج بن الجوزي: ولعل أحمد قال هذا قبل أن يقف على مقدار سِنِّه، وقد ذكر مقدار سِنِّه جماعةٌ من المؤرّخين، ابن سعد وغيره.
وقد قيل: إن الذي زوجها من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن عمّها عمر بن الخطاب، والحديث: "قم يا عمر فزوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ونسب عمر، ونسب أم سلمة يلتقيان في كعب، فإنه عمر بن الخطاب بن نفيل، بن عبد العزى، بن رياح، بن عبد الله بن قُرط، بن رزاح بن عدي بن كعب، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، فوافق اسمُ ابنها عمر اسمَه، فقالت: قم يا عمر، فزوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فظن بعض الرواة أنه ابنها، فرواه بالمعنى وقال: فقالت لابنها، وذهل عن تعذر ذلك عليه لصغر سنه، ونظير هذا وَهْم بعض الفقهاء في هذا الحديث، وروايتهم له، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قم يا غلام فزوج أمك، قال أبو الفرج بن الجوزي: وما عرفنا هذا في هذا الحديث، قال: وإن ثبت، فيحتَمِلُ أن يكون قاله على وجه المداعبة للصغير، إذ كان له من العمر يومئذٍ ثلاث سنين، لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوجها في سنة أربع، ومات ولعمر تسعُ سنين، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يفتَقِرُ نِكاحُه إلى ولي.
وقال ابن عقيل: ظاهر كلام أحمد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُشترط في نكاحه الوليُّ، وأن ذلك من خصائصه.