أرشيف المقالات

تفسير: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله.. }

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
تفسير: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ....

 
قال تعالى: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 36، 37].
 
الغَرَض الذي سِيقَتْ له: التذكير بنعمة الله والإرشاد إلى بعض طرق استغلالها، والحضُّ على شُكْرِها.
 
ومناسبتهما لما قبلهما: لما أشار إلى إنعامه عليهم بالبدن ليَتَقَرَّبوا بها إلى الله وينتفعوا بها، أكَّد ذلك هنا وحضهم على شكر نعمه.
 
وقوله تعالى: ﴿ وَالْبُدْنَ ﴾؛ يعني: الإبل، جمع بَدَنة، وهو اسمٌ للذكر والأنثى، وهو مأخوذ من البدانة وهي السمنة والضخامة لعظم بدنها، وإطلاق البُدْن على الإبل لا خلافَ فيه، وقد اختلف في إطلاقه على البقر، والصحيحُ أنه لا يُطلق عليها؛ لقوله عليه السلام في الحديث الصحيح في يوم الجمعة: ((مَن راح في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بَدَنة، ومَن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرة...))، إلخ الحديث، فدَلَّ على أن البدنة غير البقرة، كما أن قوله: ﴿ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا ﴾ يدلُّ على ذلك؛ لأن الإبل هي التي تُنحر قائمة بخلاف البقر، على أن البقرة تُجزئ في الأضحية عن سبعة كالبدنة.
 
ومعنى ﴿ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾؛ أي: من أعلام الشريعة التي شرعها الله، والإضافة في (شعائر الله) للتعظيم، والجار والمجرور في مَوضِع المفعول الثاني لجعل.
 
وقوله: ﴿ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾؛ أي: لكم فيها نفعٌ في الدنيا وأجرٌ في الآخرة، والجملة مستأنَفة لتقرير ما قبلها، وقيل: هي حال من الهاء في جعلناها، والأول أَظْهَرُ.
 
وقوله: ﴿ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ﴾؛ أي: فانحروها على اسم الله معقولة اليسرى قائمة على ما بقي مِن قوائمها، وهذا هو السُّنة في نحر الإبل، فإن نحرها باركة أو مضطجعة كالبقر، جاز ذلك.
 
قال القرطبي: ولا يجوز النحر قبل الفجر مِن يوم النحر بالإجماع، وكذلك الأضحية لا تجوز قبل الفجر.
 
ويستمر وقت النحر طيلة يوم العيد فقط على قول.
وقيل: يوم العيد ويومين بعده؛ وهو مذهب أحمد.
وقيل: يوم النحر وثلاثة أيام بعده؛ وهو مذهب الشافعي.
 
وقال النخعي وأبو سلمة بن عبدالرحمن: يمتد إلى آخر الحجة؛ قال ابن كثير: وهو قول غريب.
 
وقوله: ﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ﴾؛ أي: فإذا سقطتْ جنوبها على الأرض، وهذا كناية عن الموت.
 
وقوله: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا ﴾؛ أي: بعد أن تهيأ للأكل، والأمر قيل: للإباحة، وقيل: للوجوب، والجمهور على أن الأمر هنا للاستحباب.
 
وقوله تعالى: ﴿ وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾ الأمر فيه للوجوب، وقال مجاهد والطبري: الأمر هنا للإباحة، والأول أظهر.
 
وقد اختلفوا في المراد بالقانع والمعتر:
فقيل: (القانع) الذي يقنع بما يُعطى ولا يسأل ولا يتعرض، و(المعتر) السائل أو المتعرض.
 
وقيل: (القانع) الفقير، و(المعتر): الزائر؛ قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت؛ يعني في تفسير القانع والمعتر.
 
واختار ابن جرير أن القانع هو السائل؛ لأنه مَن أقنع بيده إذا رفعها للسؤال، و(المُعْتَرّ) مِن الاعْتِراء، وهو الذي يَتَعَرَّض لأكل اللحم.
 
والكاف في قوله: ﴿ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا ﴾ للتعليل مِن أجل ذلك، والإشارة إلى الخير الموجود في البُدْن.
 
ومعنى ﴿ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾؛ أي: ذلَّلناها لكم حتى يأخذ الصبي بخطامها فيقودها حيث يشاء، وتجيئون بها منقادةً فتعقلونها وتحسبونها صافَّة قائمة، فتطعنون في نُحورها، ولم تكن بأعجز مِن بعض الوحوش التي هي أصغر منها جرمًا وأقل قوة، وكفى بأوابدها عبرة، فاشكروا الله على هذه النعم، واعترفوا له بها.
 
وقوله تعالى: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾؛ أي: لن تصعَد إليه لحومُ هذه الإبل التي تتصدَّقون بها ولا دماؤها التي تنصب عند نَحْرِها، ولكن يصل إليه إخلاصُكم له واتِّباعكم لأوامره واجتنابكم لنواهيه، فإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، وما يريد منكم مِن رزق ولا يريد أن تطعموه؛ لأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين.
 
وقوله: ﴿ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُم ﴾ إلى آخر الآية؛ أي: مِن أجل النفع الموجود فيها ذلَّلها لكم لتعظموا الله، كما هداكم لدينه وشرعه وما يحبه ويرضاه، وتكرير التسخير لتقرير منَّته، وحضهم على شكر نعمته.
 
و(ما) في قوله: ﴿ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ مصدرية أو موصولة؛ أي: على هدايته إياكم، أو على الذي هداكم إليه.
 
ومعنى ﴿ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾؛ أي: وأخبِر المخلصين خبرًا سارًّا يظهر أثره على بشرتهم بالفوز العظيم في جنات النعيم، والإحسان أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والجملةُ تذييل لتقرير الإخلاص المشروط في قبول العبادة.
 
الأحكام:
1 - وجوب ذكر اسم الله عز وجل عند نحر البدن.
2 - استحباب نحر الإبل قائمة على ثلاث معقولة اليُسرى.
3 - لا يجوز الأكل من الذبيحة قبل أن تموت.
4 - استحباب الأكل مِن الهدايا.
5 - وجوب إطعام القانع والمعتر منها.
6 - وجوب شكر المنعم جل وعلا.
7 - وجوب إخلاص العبادة لله.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣