خطب ومحاضرات
تفسير سورة الفتح (1)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
وها نحن الليلة مع سورة الفتح المدنية، هذه السورة المباركة التي قال فيها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( لقد أنزلت علي سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم قرأ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] ).
فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات منها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [الفتح:1-7].
سبب نزول الآيات الكريمات
أخبره بأن فتح الله عز وجل آت لا محالة، قال بعض الصحابة: كيف هذا الفتح؟ فأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا ما فتح اليوم فسيفتح غداً، والفتح حاصل، وما هي إلا السنة السابعة والسنة الثامنة وفتح الله عليهم مكة ودخولها، وقبلها دخلوا خيبر، والحمد لله.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة ومعه ألف وأربعمائة رجل، خرجوا بنية العمرة، وأحرموا من الميقات، وذلك في السنة السادسة من الهجرة النبوية، ولما وصلوا إلى الحديبية وعسكروا فيها وراسلوا المشركين منعهم المشركون من دخول مكة، وكانت ساعات شديدة قاسية ما أطاقها عمر ولا غيره، وانتهت بعقد مصالحة سلمية مدتها عشر سنوات، فتألم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وخاصة عمر ، ولكن الله عز وجل أنجز حكمه، فلما تمت المصالحة وعادوا أنزل الله تعالى في طريقهم سورة الفتح على رسوله صلى الله عليه وسلم، فأعلمه فيها أنه سيفتح عليه مكة وخيبر وغيرهما، فقال له وهو يعاني من الآلام والأتعاب والهموم والغموم، وقد صبر صبر أولي العزم وما صبروا صبره، فبشره الله تعالى بقوله: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1].
أخبره بأن فتح الله عز وجل آت لا محالة، قال بعض الصحابة: كيف هذا الفتح؟ فأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا ما فتح اليوم فسيفتح غداً، والفتح حاصل، وما هي إلا السنة السابعة والسنة الثامنة وفتح الله عليهم مكة ودخولها، وقبلها دخلوا خيبر، والحمد لله.
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2] عانى تلك المعاناة النفسية وبشره الله بالفتح في المستقبل، وعلل لذلك بقوله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2].
عصمة الأنبياء من الكبائر
المراد بالذنب المغفور لرسول الله صلى الله عليه وسلم
هناك لطيفة علمية مقبولة ومعقولة: وهي أنه أيام كان في بدر قال: يا رب! إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد، وعاتبه الله، فمن شدة ألمه وخوفه من مهاجمة المشركين خاف أن يفتن المؤمنون ويهلكوا، ومن سيعبد الله بعد ذلك؟ فهذا اعتبر ذنباً، وهو قوله: رب إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد؛ لأنه في بدر في السنة الثانية، ونحن الآن في السنة السادسة. والذنب الذي تأخر ورد أنه في غزوة حنين لما تجمع المشركون وكادوا يهزمون المسلمين وفر من فر وانهزم من انهزم أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب وقال: باسم الله، ورماها في وجوههم فعموا وتشتتوا، هنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لولا أني رميتهم ما فروا، فهذه اعتبرت أيضاً ذنباً، فالله هو الفاعل.
فهذان الذنبان: الأول في بدر والثاني في حنين، فقال تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2].
سر إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الاستغفار
الجواب: لو عرفنا عظمة الله وجلال الله وكمال الله ذاك الذي خلق كل شيء وبيده كل شيء، ذاك الذي يقول للشيء: كن فيكون، لو امتلأت القلوب بهذا فلن نستطيع أبداً أن نذكره إلا وترتعد فرائصنا أو نخر ساجدين، وها نحن ندخل في الصلاة ورغبتنا أن تنتهي، هذه وحدها كافية، كيف تتكلم مع الله والله معك وتود أن تخرج من المكالمة؟ هذه وحدها تعتبر مما لا يطاق، لو نؤاخذ بها فلن نسعد، كيف دخلت في الصلاة تتكلم مع الله وترغب أن تنتهي؟! هذه رغبتنا، إذا أطال الإمام غضبنا، نود أن نخرج، فكيف تود أن تخرج من الكلام مع ربك؟
فعظمة الله عز وجل من يقوى على تقديرها؟ فكان الحبيب صلى الله عليه وسلم يشعر بهذا، ويحس به، فمن ثم يتوب إليه ويستغفره، ليس معناه أنه أذنب ذنباً أو ارتكب جريمة أو فعل معصية، إنما تقصيرنا في تقدير عظمة الله وجلاله وكماله، وحبه وطاعته، فيكفي هذا لأن نتوب إلى الله كل يوم مئات المرات ونستغفر الله، هذا الذي سمعتم هو الحق.
معنى قوله تعالى: (ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً)
أولاً: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، ثانياً: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2]، ثالثاً: وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا [الفتح:2-3] أعطاه هذه العطايا مقابل ما عانى وقاسى من الأتعاب، وفضل الله عليه عظيم.
وقوله تعالى: وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا [الفتح:3] بشرى، والله! ما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نصره الله على كل أعدائه في هذه الديار، على المنافقين والمشركين، وارتفعت راية لا إله إلا الله في هذه الديار كلها.
هنا معاشر المستمعين والمستمعات: من المعلوم بالضروري أن الأنبياء والرسل معصومون، لا يرتكبون كبيرة قط، واحلف بالله ولا تتردد، والرسول الكريم سيد الرسل معصوم لا يقع أبداً في كبيرة من كبائر الذنوب، لماذا؟ لأن قلوبهم وأرواحهم متصلة بالله عز وجل، فإذا اسودت أو أنتنت فكيف يتصلون بالله؟ فلا بد من حفظ تلك الأرواح والنفوس الطاهرة لتتلقى العلوم والمعارف من الله عز وجل، فلهذا ما يغشون إثماً أبداً، لا يرتكبون كبيرة من كبائر الذنوب، والرسول الكريم ما فعلها قبل النبوة، معصوم من يوم ولادته، قبل نبوته بأربعين سنة ما فعل.
إذاً: فما هو الذنب الذي قال تعالى فيه: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2]؟
هناك لطيفة علمية مقبولة ومعقولة: وهي أنه أيام كان في بدر قال: يا رب! إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد، وعاتبه الله، فمن شدة ألمه وخوفه من مهاجمة المشركين خاف أن يفتن المؤمنون ويهلكوا، ومن سيعبد الله بعد ذلك؟ فهذا اعتبر ذنباً، وهو قوله: رب إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد؛ لأنه في بدر في السنة الثانية، ونحن الآن في السنة السادسة. والذنب الذي تأخر ورد أنه في غزوة حنين لما تجمع المشركون وكادوا يهزمون المسلمين وفر من فر وانهزم من انهزم أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب وقال: باسم الله، ورماها في وجوههم فعموا وتشتتوا، هنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لولا أني رميتهم ما فروا، فهذه اعتبرت أيضاً ذنباً، فالله هو الفاعل.
فهذان الذنبان: الأول في بدر والثاني في حنين، فقال تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2].
وماذا تصنعون بقوله صلى الله عليه وسلم: ( إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة )، وكان يجلس الجلسة الواحدة فيقول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة، يعدونها عداً، فما هو الجواب؟
الجواب: لو عرفنا عظمة الله وجلال الله وكمال الله ذاك الذي خلق كل شيء وبيده كل شيء، ذاك الذي يقول للشيء: كن فيكون، لو امتلأت القلوب بهذا فلن نستطيع أبداً أن نذكره إلا وترتعد فرائصنا أو نخر ساجدين، وها نحن ندخل في الصلاة ورغبتنا أن تنتهي، هذه وحدها كافية، كيف تتكلم مع الله والله معك وتود أن تخرج من المكالمة؟ هذه وحدها تعتبر مما لا يطاق، لو نؤاخذ بها فلن نسعد، كيف دخلت في الصلاة تتكلم مع الله وترغب أن تنتهي؟! هذه رغبتنا، إذا أطال الإمام غضبنا، نود أن نخرج، فكيف تود أن تخرج من الكلام مع ربك؟
فعظمة الله عز وجل من يقوى على تقديرها؟ فكان الحبيب صلى الله عليه وسلم يشعر بهذا، ويحس به، فمن ثم يتوب إليه ويستغفره، ليس معناه أنه أذنب ذنباً أو ارتكب جريمة أو فعل معصية، إنما تقصيرنا في تقدير عظمة الله وجلاله وكماله، وحبه وطاعته، فيكفي هذا لأن نتوب إلى الله كل يوم مئات المرات ونستغفر الله، هذا الذي سمعتم هو الحق.
يقول تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2] أولاً، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [الفتح:2]، بشريات زفها إليه فخفف آلامه وما أصابه من الغم والكرب في الحديبية، وهو يقاوم المشركين.
أولاً: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، ثانياً: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2]، ثالثاً: وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا [الفتح:2-3] أعطاه هذه العطايا مقابل ما عانى وقاسى من الأتعاب، وفضل الله عليه عظيم.
وقوله تعالى: وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا [الفتح:3] بشرى، والله! ما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نصره الله على كل أعدائه في هذه الديار، على المنافقين والمشركين، وارتفعت راية لا إله إلا الله في هذه الديار كلها.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة الأحقاف (8) | 3866 استماع |
تفسير سورة الفتح (8) | 3476 استماع |
تفسير سورة الأحقاف (7) | 3332 استماع |
تفسير سورة ق (6) | 3237 استماع |
تفسير سورة الأحقاف (1) | 3065 استماع |
تفسير سورة ق (2) | 3054 استماع |
تفسير سورة الفتح (3) | 3025 استماع |
تفسير سورة الأحقاف (4) | 2977 استماع |
تفسير سورة الفتح (4) | 2900 استماع |
تفسير سورة الفتح (6) | 2895 استماع |