تفسير سورة الأحقاف (4)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فها نحن مع سورة الأحقاف سابعة آل حم، ومع هذه الآيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف:15-16].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! يقول الله تبارك وتعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، الإنسان هو هذا المخلوق هذا الجنس في الأولين والآخرين، أوصاه الله وأمره وبالغ في الأمر فكان وصية، فالوصية أعظم من الأمر؛ إذ الأمر إذا شدد يصبح وصية. وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا [الأحقاف:15] ألا وهما أمه وأبوه، والإحسان طول الحياة، وذلك بأن لا يقصر في الإكرام والإنعام عليهما، وألا يتعرض لأذاهما بأدنى أذى، الإحسان بالوالدين إيصال الخير لهما مع كف الأذى عنهما، وكونه يوصل الخير ويؤذيهما إساءة لا إحسان، وبر الوالدين بعد الموت، يبرهما وهما حيان ويبرهما بعد موتهما وذلك ببر من كانا يبرانه، وبالدعاء لهما ما دام الولد حياً.

وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا [الأحقاف:15] أي: مع شدة ومشقة وتعب من ساعة أن يتخلق الولد وهي تعاني وتتألم، وحين الولادة من باب أعظم، فقد تموت في ولادتها.

حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا [الأحقاف:15] ولدته كرهاً، فهي تتعذب في بداية الأمر وفي نهايته، فلهذا يجب أن يحسن بها، يجب أن يبرها، يكفيها هذا الذي قدمته لك يا ولد، حملتك كرهاً ووضعتك كرهاً، واستمرت أيضاً ثلاثين شهراً ترضعك.

دلالة الآية على اعتبار الستة الأشهر أقل مدة الحمل

وهنا لطيفة علمية: جاءت امرأة إلى عثمان رضي الله عنه على أنها ولدت في الشهر السادس، فقالوا: هذه إذاً زانية! فأراد أن يقيم الحد عليها، فجاء علي رضي الله تعالى عنه فقال: لا يا إمام المسلمين، فالله تعالى يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15] ويقول: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] فالحولان أربعة وعشرون شهراً، والستة الأشهر الباقية تتمة للثلاثين، إذاً: المرأة إذا تزوجت فقد تحمل وتلد في ستة أشهر.

فلو ولدت المرأة في الشهر الخامس أو الرابع فهذا ليس ابن الزوج أبداً، هذا جاء في رحمها من زنا، لكن إذا تزوج الرجل وبقيت معه ستة أشهر وأنجبت فلا حرج، وذلك لقول الله تعالى وقوله الحق: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] والحول هو العام الكامل اثنا عشر شهراً، وقبل ذلك الستة الأشهر للحمل، فتتم ثلاثون شهراً للحمل والإرضاع.

قال تعالى في هذه الآية الكريمة: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ [الأحقاف:15] أي: انفطامه وانقطاعه ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15] الحمل مع الرضاعة ثلاثون شهراً.

معنى قوله تعالى: (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ...)

ثم قال تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف:15]، إذا بلغ الخامسة عشرة أو السادسة عشرة أو الثامنة عشرة واحتلم فقد بلغ سن التكليف وأصبح مكلفاً، ولكن إذا بلغ الثامنة عشرة ولو لم يحتلم فقد بلغ سن التكليف وأصبح مكلفاً بالواجبات يفعلها وبالمنهيات يجتنبها ويبتعد عنها، لكن بلوغ الأشد عقلاً وبدناً من ثلاث وثلاثين سنة إلى الأربعين، ولهذا كان الله يوحي إلى الأنبياء حين يبلغون الأربعين من السنين.

حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف:15] أي: زاد بعد ذلك بكذا سنة.

فضل الصديق بدخوله في الآية الكريمة

وهذه الآية الكريمة تتفق مع أبي بكر الصديق اتفاقاً كاملاً كأنها نزلت فيه، مع أنها عامة.

وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف:15] ودخل في الإسلام قَالَ رَبِّ [الأحقاف:15] يا رب! أَوْزِعْنِي [الأحقاف:15] أعني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [الأحقاف:15]، هكذا أبو بكر الصديق لما بلغ الثامنة والثلاثين دخل في الإسلام، والرسول كان قد بلغ الأربعين، فلما بلغ الصديق الأربعين كانت هذه دعوته: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي بدخولي في الإسلام، وَعَلَى وَالِدَيَّ [الأحقاف:15]، فلم يوجد صحابي أسلم أولاده وأبوه وأمه قط إلا أبو بكر الصديق ، فأبوه أبو قحافة التيمي عثمان ، يكنى بـأبي قحافة من بني تيم، وأمه أم الخير سلمى كذلك، آمن أبوه وأمه وهما شيخان كبيران، وأولاده من عائشة إلى عبد الرحمن ما منهم أحد إلا أسلم، هذه الآية تتفق مع الصديق اتفاقاً كاملاً، وهو الذي يدعو بهذا الدعاء: رَبِّ [الأحقاف:15] يا رب! أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ [الأحقاف:15] أي: بنعمة الإسلام، وَعَلَى وَالِدَيَّ [الأحقاف:15] بأن أسلما ودخلا في رحمة الله، وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [الأحقاف:15] وهم عائشة وأسماء ومحمد وعبد الرحمن .

وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ [الأحقاف:15] إذ كان في الجاهلية يعبد غير الله، وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف:15] لك قلوبهم ووجوههم، واستجاب الله له، فهذه الآية فاز بها أبو بكر كأنها نزلت فيه، مع أنها صالحة لكل من يوفق لهذا.

فقوله: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [الأحقاف:15] كل ذرية أبي بكر من الصالحين والصالحات، إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ [الأحقاف:15] أي: رجعت إليك بعدما كنت جاهلاً في الجاهلية ضالاً، وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف:15] لك، أسلمنا قلوبنا ووجوهنا.

وهنا لطيفة علمية: جاءت امرأة إلى عثمان رضي الله عنه على أنها ولدت في الشهر السادس، فقالوا: هذه إذاً زانية! فأراد أن يقيم الحد عليها، فجاء علي رضي الله تعالى عنه فقال: لا يا إمام المسلمين، فالله تعالى يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15] ويقول: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] فالحولان أربعة وعشرون شهراً، والستة الأشهر الباقية تتمة للثلاثين، إذاً: المرأة إذا تزوجت فقد تحمل وتلد في ستة أشهر.

فلو ولدت المرأة في الشهر الخامس أو الرابع فهذا ليس ابن الزوج أبداً، هذا جاء في رحمها من زنا، لكن إذا تزوج الرجل وبقيت معه ستة أشهر وأنجبت فلا حرج، وذلك لقول الله تعالى وقوله الحق: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] والحول هو العام الكامل اثنا عشر شهراً، وقبل ذلك الستة الأشهر للحمل، فتتم ثلاثون شهراً للحمل والإرضاع.

قال تعالى في هذه الآية الكريمة: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ [الأحقاف:15] أي: انفطامه وانقطاعه ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15] الحمل مع الرضاعة ثلاثون شهراً.

ثم قال تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف:15]، إذا بلغ الخامسة عشرة أو السادسة عشرة أو الثامنة عشرة واحتلم فقد بلغ سن التكليف وأصبح مكلفاً، ولكن إذا بلغ الثامنة عشرة ولو لم يحتلم فقد بلغ سن التكليف وأصبح مكلفاً بالواجبات يفعلها وبالمنهيات يجتنبها ويبتعد عنها، لكن بلوغ الأشد عقلاً وبدناً من ثلاث وثلاثين سنة إلى الأربعين، ولهذا كان الله يوحي إلى الأنبياء حين يبلغون الأربعين من السنين.

حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف:15] أي: زاد بعد ذلك بكذا سنة.

وهذه الآية الكريمة تتفق مع أبي بكر الصديق اتفاقاً كاملاً كأنها نزلت فيه، مع أنها عامة.

وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف:15] ودخل في الإسلام قَالَ رَبِّ [الأحقاف:15] يا رب! أَوْزِعْنِي [الأحقاف:15] أعني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [الأحقاف:15]، هكذا أبو بكر الصديق لما بلغ الثامنة والثلاثين دخل في الإسلام، والرسول كان قد بلغ الأربعين، فلما بلغ الصديق الأربعين كانت هذه دعوته: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي بدخولي في الإسلام، وَعَلَى وَالِدَيَّ [الأحقاف:15]، فلم يوجد صحابي أسلم أولاده وأبوه وأمه قط إلا أبو بكر الصديق ، فأبوه أبو قحافة التيمي عثمان ، يكنى بـأبي قحافة من بني تيم، وأمه أم الخير سلمى كذلك، آمن أبوه وأمه وهما شيخان كبيران، وأولاده من عائشة إلى عبد الرحمن ما منهم أحد إلا أسلم، هذه الآية تتفق مع الصديق اتفاقاً كاملاً، وهو الذي يدعو بهذا الدعاء: رَبِّ [الأحقاف:15] يا رب! أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ [الأحقاف:15] أي: بنعمة الإسلام، وَعَلَى وَالِدَيَّ [الأحقاف:15] بأن أسلما ودخلا في رحمة الله، وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [الأحقاف:15] وهم عائشة وأسماء ومحمد وعبد الرحمن .

وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ [الأحقاف:15] إذ كان في الجاهلية يعبد غير الله، وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف:15] لك قلوبهم ووجوههم، واستجاب الله له، فهذه الآية فاز بها أبو بكر كأنها نزلت فيه، مع أنها صالحة لكل من يوفق لهذا.

فقوله: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [الأحقاف:15] كل ذرية أبي بكر من الصالحين والصالحات، إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ [الأحقاف:15] أي: رجعت إليك بعدما كنت جاهلاً في الجاهلية ضالاً، وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف:15] لك، أسلمنا قلوبنا ووجوهنا.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة الأحقاف (8) 3861 استماع
تفسير سورة الفتح (8) 3472 استماع
تفسير سورة الأحقاف (7) 3331 استماع
تفسير سورة ق (6) 3235 استماع
تفسير سورة الفتح (1) 3128 استماع
تفسير سورة الأحقاف (1) 3061 استماع
تفسير سورة ق (2) 3048 استماع
تفسير سورة الفتح (3) 3023 استماع
تفسير سورة الفتح (4) 2895 استماع
تفسير سورة الفتح (6) 2891 استماع