الصفحة 34 من 50

فَصَارَ يَعْتَقِدُ أَنَّ تَفْصِيلَ تِلْكَ الْجُمْلَةِ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ تِلْكَ الطَّرِيقِة، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ طَرِيقٌ غَيْرُهَا؛ لِانْسِدَادِ الطَّرِيقَةِ الْخَاصَّةِ السُّنِّيَّةِ النَّبَوِيَّةِ عَنْهُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ قِلَّةِ الْعِلْمِ بِهَا وَمِنْ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تَقَلَّدَهَا عَنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمِين، حَتَّى حَالُوا بِهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ.

وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرَ الذَّمِّ لِهَذِهِ الْحَوَائِلِ وَلِطَرِيقَةِ الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا ذَاكَ لِعِلْمِهِ الَّذِي سَلَكَهُ، وَاَلَّذِي حُجِبَ بِهِ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُتَابَعَةِ لِلرِّسَالَةِ، وَلَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَقَائِدُ فَلْسَفِيَّةٌ وَكَلَامِيَّةٌ؛ كَمَا قَالَ السَّلَفُ: (( الْعِلْمُ بِالْكَلَامِ هُوَ الْجَهْلُ ) )، وَكَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: (( مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ ) ).

وَلِهَذَا صَارَ طَائِفَةٌ مِمَّنْ يَرَى فَضِيلَتَهُ وَدِيَانَتَهُ يَدْفَعُونَ وُجُودَ هَذِهِ الْكُتُبِ عَنْهُ، حَتَّى كَانَ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - فِيمَا عَلَّقَهُ عَنْهُ - يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ"بِدَايَةُ الْهِدَايَةِ"مِنْ تَصْنِيفِهِ، وَيَقُولُ: إنَّمَا هُوَ تَقَوُّلٌ عَلَيْهِ.

مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ [أي: كتب أبي حامد المذمومة] مَقْبُولُهَا أَضْعَافُ مَرْدُودِهَا، وَالْمَرْدُودُ مِنْهَا أُمُورٌ مُجْمَلَةٌ، وَلَيْسَ فِيهَا عَقَائِدُ وَلَا أُصُولُ الدِّينِ.

وَأَمَّا"الْمَضْنُونُ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ"فَقَدْ كَانَ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ الْعُلَمَاءِ يُكَذِّبُونَ ثُبُوتَهُ عَنْهُ، وَأَمَّا أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِهِ وَبِحَالِهِ؛ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ كَلَامُهُ؛ لِعِلْمِهِمْ بِمَوَادِّ كَلَامِهِ، وَمُشَابَهَةِ بَعْضِهِ بَعْضًا، وَلَكِنْ كَانَ هُوَ وَأَمْثَالُهُ - كَمَا قَدَّمْت - مُضْطَرِبِينَ، لَا يَثْبُتُونَ عَلَى قَوْلٍ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ مِنْ الذَّكَاءِ وَالطَّلَبِ مَا يَتَشَوَّفُونَ بِهِ إلَى طَرِيقَةِ خَاصَّةِ الْخَلْقِ، وَلَمْ يُقَدَّرْ لَهُمْ سُلُوكُ طَرِيقِ خَاصَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ وَرِثُوا عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ، وَهُمْ أَهْلُ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَهْلُ الْفَهْمِ لِكِتَابِ اللَّهِ وَالْعِلْمِ وَالْفَهْمِ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتْبَاعِ هَذَا الْعِلْمِ بِالْأَحْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْمُنَاسِبَةِ لِذَلِكَ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرِّسَالَةُ.

وَلِهَذَا كَانَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الصَّلَاحِ يَقُولُ - فِيمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ: أَبُو حَامِدٍ كَثُرَ الْقَوْلُ فِيهِ وَمِنْهُ، فَأَمَّا هَذِهِ الْكُتُبُ - يَعْنِي: الْمُخَالِفَةَ لِلْحَقِّ -، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا، وَأَمَّا الرَّجُلُ، فَيُسْكَتُ عَنْهُ وَيُفَوَّضُ أَمْرُهُ إلَى اللَّهِ.

وَمَقْصُودُهُ أَنَّهُ لَا يُذْكَرُ بِسُوءِ؛ لِأَنَّ عَفْوَ اللَّهِ عَنْ النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ، وَتَوْبَةِ الْمُذْنِبِ تَأْتِي عَلَى كُلِّ ذَنْبٍ، وَذَلِكَ مِنْ أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ إلَى هَذَا وَأَمْثَالِهِ، وَلِأَنَّ مَغْفِرَةَ اللَّهِ بِالْحَسَنَاتِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَتَكْفِيرُهُ الذُّنُوبِ بِالْمَصَائِبِ تَأْتِي عَلَى مُحَقِّقِ الذُّنُوبِ، فَلَا يَقْدُمُ الْإِنْسَانُ عَلَى انْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام