وكان قوَّالاً بالحق، نهاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة الأغيار.
ومن خالطه وعرفه؛ قد ينسبني إلى التقصير في وصفه، ومن نابذه وخالفه؛ ينسبني إلى التعالي فيه، وليس الأمر كذلك.
مع أنني لا أعتقد فيه العصمة، كلا! فإنه مع سعة علمه، وفرط شجاعته، وسيلان ذهنه، وتعظيمه لحرمات الدين، بشرٌ من البشر، تعتريه حدة في البحث، وغضب وشظف للخصم؛ يزرع له عداوة في النفوس، ونفوراً عنه.
وإلا؛ فلو لاطف الخصوم، ورفق بهم، ولزم المجاملة وحسن المكالمة؛ لكان كلمه [1] إجماعاً؛ فإن كبارهم وأئمتهم خاضعون لعلومه وفقهه، معترفون بشفوفه وذكائه، مقرون بندور أخطائه.
لست أعني بعض العلماء الذين شعارهم وهجيراهم الاستخفاف به، والازدراء بفضله، والمقت له، حتى استجهلوه وكفروه ونالوا منه، من غير أن ينظروا إلى تصانيفه، ولا فهموا كلامه، ولا لهم حظ تام من التوسع في المعارف، والعالم منهم قد ينصفه ويرد عليه بعلم.
وطريق العقل السكوت عما شجر بين الأقران ـ رحم الله الجميع.
وأنا أقل من أن ينبه على قدره كلمي، أو أن يوضح نبأه قلمي؛ فأصحابه وأعداؤه خاضعون لعلمه، مقرون بسرعة فهمه، وأنه بحر لا ساحل له، وكنز لا نظير له، وأن جوده حاتمي، وشجاعته خالدية.
(1) الكلمة في الأصل غير واضحة، فتحتمل ما سطرت، أو كلمة أخرى:"كله".