ولذلك استعمل البخاري وغيره لفظ التواتر، جاء في جزء القراء خلف الإمام: تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» . قال: تواتر. هكذا نصه وهو موجود لكن من حيث القبول وعدمه وترتيب أحكام هذا يفيد العلم اليقيني، وهذا يفيد الظن، هذا يدخل العقائد، هذا لا يقبل. هذا التفصيل هو الذي يُعتبر بأنه بدعة، وإذا قلنا: هذا بدعة لأنه جاء به أهل البدع لا نرجع إلى الأنصاص ونبطلها. يعني نفصل نقول: التقسيم صحيح، وننظر في الشروط فما عمل أو قاله أهل الحديث فهو مقبول، وما زاده الأصوليون وأهل البدعة فهو مرفوض، وأما الأحكام المترتبة على التفريق بين المتواتر والآحاد نقول: هذه أحكام حادثة وهي مردودة. ولا يلزم من ذلك أن نقول: السنة ليس فيها متواتر وآحاد. لا هذا غلط هو موجود لكن الذي أنكره ابن القيم وغيره هو الأحكام المترتبة على هذا التقسيم، وأما التقسيم فلا غبار عليه.
وإثبات العقائد والأحكام بحديث الآحاد مجمع عليه بين أهل السنة والجماعة دون تفريق بينهما. قال ابن عبد البر رحمه الله: (ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء موصوفًا في كتاب الله أو صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أجمعت عليه الأمة) . نص ابن عبد البر على أن الإجماع تثبت به الأسماء والصفات. وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يُناظر فيه.
لا نقول: هذا حديث آحاد فلا يُقبل في العقائد لأنه لم يرويه إلا فلان. نقول: لا ما دام أنه اشتمل على صفات القبول وصح نسبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ نقول: تثبت به العقيدة.
وقال الخطيب البغدادي: (وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعده من الفقهاء الخالفين في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا، ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار لذلك ولا اعتراض عليه، فثبت أن من دين جميعهم وجوبه) . يعني وجوب العمل بخبر الواحد، إذ لو كان فيهم من كان لا يرى العمل به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه فيه، والله أعلم.