فهرس الكتاب
الصفحة 6 من 401

هذه العلوم كلها هي التي جعلت بفضل الله عز وجل أولاً ابن قدامه على المعرفة التي هي في الذهن، فإذا عُظِّمَ إمام كابن قدامه، أو كابن القيم، أو شيخ الإسلام، أو الشوكاني أو غيرهم من أهل العلم حينئذٍ هذه العظمة وهذه المكانة لم تأت هكذا بنفسها، وإنما ثَمَّ أصول قد بنو علمهم عليه، ولذلك لا يكاد تجد من تراجم أهل العلم المعتبرين لا يكاد تجد إلا وقد ذكر أنه قد أخذ علم كذا، وعلم كذا، وعلم كذا، إذًا الشمولية في طلب العلم والتحصيل هذا أصل من أصول التمكن في العلم الشرعي، ولن يكون الشخص إمامًا في العلم الشرعي ولن يكون مرجعًا للناس في الفتية إلا إذا جمع علمه من عدة علوم ولم يفرق بين علمٍ وعلمٍ آخر، والتفرقة هذه تفرقةٌ حادثة، بل نقل بعضهم وإن كان من المعاصرين إجماع أهل العلم على أن المتخصص في فنٍ ما ولا يعرف سواه أنه ليس من أهل العلم، لماذا؟ لأنه مقلد، وإذا كان مقلدًا فقد نقل ابن عبد البر رحمه الله تعالى أن المقلد ليس من أهل العلم بالإجماع، لأن الترابط بين الفنون لا يمكن فصله، وكما ذكرنا التفسير مثلاً من أراد أن يدرس التفسير وأن يكون عنده ملكة حينئذٍ لا بد على الوقوف على شيءٍ من علم القراءات، ولا بد على الوقف على كثير من مسائل اللغة، ولذلك قال السيوطي رحمه الله تعالى أظنه في (( همع الهوامع ) )أو غيره أنه بالإجماع لا يحل لأحدٍ أن يقدم على تفسير كتاب الله عز وجل حتى يكون مليًّا باللغة مليًّا ليس عنده (( الآجرومية ) )فقط ونحوها، لا حتى يكون مليًّا، يعني: متشبعًا بعلم اللغة، فعلم اللغة أساس في فهم الشريعة، لن يفلح ولن هنا زمخشرية لن يفلح طالب علمٍ في تفسيرٍ أو فهم المقاصد إلا إذا أقام علمه على جملةٍ من علوم اللغة، وعلى جهة الخصوص والترتيب النحو أولاً، ثم الصرف، ثم البيان، وهذه مشاعةٌ في كتب التفسير ولا تجد تفسيرًا إلا وفيه إعراب إلا وفيه نكات بيانية إلا وفيه من البديع الشيء الكثير.

وقال ابن النجار رحمه الله تعالى: كان - يعني ابن قدامة - كان حسن المعرفة بالحديث وله يدٌ في علم العربية. ولذلك يعبر كثير الذهبي رحمه الله تعالى في (( السير ) )يقول: وله مشاركةٌ في كذا. كثير من التراجم يقول: وله مشاركةٌ في كذا. بمعنى أنه قد أخذ ما يحتاجه في العلم الشرعي، يعني: لا يكون متفرغًا لعلم اللغة وينظر في كل كتاب وفي كل متن ويحفظ، لا، وإنما ينظر فيما كانت عليه الجادة عند أهل العلم ثَمَّ مختصرات مشهورة بشروحها وحواشيها عند أهل العلم فينظر فيها وينطلق منها، ثم بعد ذلك إن أشكل عليه يرجع إلى المراجع الكبار، قال فيه أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى وهذه شهادةٌ كبرى من إمام من أئمة الإسلام وهو شيخ الإسلام بنفسه يقول عن ابن قدامه: ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الشيخ الموفق. رحم الله الجميع، هذه شهادةٌ من إمامٌ في إمام، ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الشيخ الموفق.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام