صيغه كُلٌّ، إذًا كل هذا لفظٌ يدل على العموم، يعني: استغراق الإفراد بالحكم المرتب عليه، جاء كل الناس، إذًا كل فرد من أفراد الناس قد وقع منه المجيء، أليس كذلك؟ هنا (المحمود بكل لسان) ، إذًا كل لسان سواء كان بلسان المقال أو بلسان الحال وقع منه الحمد، كما تقول: جَاءَ كُلُّ النَّاسِ. إذًا كل الناس، كل فرد من أفراد الناس هذه كلية، بمعنى أن المفهوم كلي لا يخرج فرد من أفراد المضاف إليه، الذي أضيف له لفظ كل عن الحكم الذي ترتب عليه، سواء كان فاعلاً أو غيره، إذًا الذي معنا هنا ... (الحمد لله المحمود بكل لسان) ، يعني: كل لسان من ألسنة المخلوقين وغيرهم، فهو حامدٌ لله عز وجل، فالكلية على عمومها فيشمل حينئذٍ لِسان الحال، كما يدخل فيه دخولاً أوليًّا لسان المقال، لأن الكلام قد يكون من جهتين: من جهة اللسان، يعني: الناطق الآلة الجارحة يتكلم، وقد لا يفهم منه أو قد لا يتقول بلسانه وإنما يُفهم من حاله، وشأنه ما قد لو طلبه بلسانه لدلّ عليه، فحينئذٍ إذا رأيت شخصًا مثلاً هندامه فيه ما فيه وجالس مثلاً كما هو الشأن في المساجد، حينئذٍ تقول: هذا يطلب شيئًا من المسلمين. بلسان حاله قد طلب منك، ولكن بلسان مقاله قد لا يكون الأمر كذلك، هنا الحمد قد يكون بلسان الحال وقد يكون بلسان المقال، بلسان المقال أن يقول: الحمد الله. وبلسان الحال أن يقول بحاله: الحمد الله. فيشكر الله تعالى ويحمده على نعمه، وقد ورد ذلك في التسبيح، يعني: التسبيح يكون بلسان الحال وبلسان المقال، هذا وارد في الكتاب والسنة وهو واضح وبَيِّن خلافًا لمن أَوَّلَهُ، وقد ورد ذلك في التسبيح كما في قوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ} [الإسراء: 44] . {السَّمَاوَاتُ} هنا فاعل فعلت التسبيح، إذًا أُسند التسبيح إلى السماوات، فإذا قيل لك: هل السماوات مسبحةٌ لله أم لا؟ نعم، بالنص، بالقرآن {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ} ، إذًا السماوات السبع مسبحة لله عز وجل فهي تسبح، تسبح بماذا؟ بلسان المقال أو بلسان الحال؟ {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} ، {وَإِن} هذه شرطية، {مِّن شَيْءٍ} ، {يُسَبِّحُ} ، {وَإِن مِّن شَيْءٍ} حينئذٍ نقول: {شَيْءٍ} هذه نكره في سياق الشرط فتعم، فكل ما يصدق عليه أنه شيء سواء كان له لسان جارحة أو غيره فهو من المسبحين لله عز وجل بنص القران، ومن هنا زائدة لتأكيد العموم، كقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] . {خَالِقٍ} هذه بالجر وهو مبتدأ لكن من هنا نقول: هذه زيدت للتأكييد، يعني: صلة. {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} إسناد التسبيح هنا للجمادات، إسناده لبني آدم واضح، وأما إسناده لغير بني آدم هذا واضح أو ليس بواضح؟ عند بعضهم ليس بواضح، لماذا؟ لأنه يلزم من التسبيح أن يكون ثَمَّ لسان حركة جارحة فإذا لم يكن كذلك حينئذٍ لا تسبيح، والسماوات ليس لها لسان، ليس لها لسان جارحة ليس لها شفتان ومخارج ...