فهرس الكتاب
الصفحة 264 من 401

المرتبة الثانية من مراتب القدر الأربعة: الكتابة، وهي أن الله تعالى كتب، لأن عندنا الكتابة على حقيقتها، كتب مقادير الخلائق علم أولاً ثم الذي علمه كتبه، كل ما علمه كتبه، كتب مقادير الخلائق وما هو كائنٌ إلى يوم القيامة في اللوح المحفوظ، فأعمال العباد حينئذٍ إذا كانت مكتوبةً تجري على ما سبق في علمه وكتابته، فلا يقع شيءٌ في الدنيا، أو في السماوات، أو في الأرض من حركة، أو سكون، أو قولٍ، أو فعلٍ إلا وهو مكتوبٌ في اللوح المحفوظ وقد علمه الله عز وجل قبل خلق السماوات والأرض، واللوح المحفوظ على المشهور أنه لا يعرف كُنْهُهُ ولا ماهيته، لوح من أي شيء؟ من خشب، من حديد، ورق .. إلى آخره ما ندري الله أعلم، لماذا؟ لأنه أخبرنا بأنه كتب ذاك في اللوح المحفوظ ولم يخبرنا كيف هو، والقاعدة عامة كما نقول: في إثبات صفات الرب جل وعلا أخبرنا بأنه عليم قدير حكيم ولم يخبرنا كيف هذه الصفة كذلك في الغيبيات، فنؤمن بها إيمان إثباتٍ، باب الغيبيات كله قائمٌ على الإثبات، فنثبت ما أثبته الله تعالى على مقتضى المعنى اللغوي، وأما كيفيته كيف هذا اللوح؟ من أي شيءٍ مخلوق؟ الله أعلم به، كما نقول: بأن الله عز وجل مستوٍ على عرشه. العرش مخلوق، مخلوق من أي شيء؟ الله أعلم به، فنُثبت بأن العرش موجود لكن من أي شيءٍ هو؟ من حديد؟ من ذهب؟ من ياقوت؟ الله أعلم، كذلك الشأن في اللوح المحفوظ، ووصف بكونه محفوظًا لوح محفوظ، محفوظ اسم مفعول من الحفظ حفظ لأنه محفوظٌ من أيدي الخلق، فلا يمكن أن يلحق أحدٌ به شيئًا، أو يغير به شيئًا أبدًا، وكذلك هو محفوظٌ من التغيير، يعني: لا يغير البتة، حتى الله عز وجل لا ينقص ما كتب، وكذلك لا يزيد عليه، وحينئذٍ هو محفوظٌ من أيدي المخلوقين فلا يصل إليه مخلوقٌ البتة ولو كان ملك من الملائكة، كذلك لا يغير فيه الرب جل وعلا فهو محفوظٌ عن التغيير، فالله تعالى لا يغير فيه شيئًا لأنه كتبه عن علمٍ منه عَلِمَ أولاً فكتب لو غير في هذا المكتوب دل على تراجعٌ في ما علمه أول، واضحٌ هذا؟ يعني: لماذا، قد يقول قائل: لماذا لا يبدل ولا يغير ولا يزاد ولا ينقص؟ لأننا قررنا أنه علم أولاً ما الخلق فاعلون، مقادير الخلائق، ثم كتب ذلك العلم، فلو أنقص منه دل على أنه بدا له شيءٌ لم يكن ثم كان، وهذا باطل، حينئذٍ نقول: كتب ما علمه ولا يبدل ولا يغير لأنه لا يعتري علمه شيءٌ من الإبداء أو البداء الذي يعبر عنه الرافضة بالبداء، ولذلك يجوزون بأن الله عز وجل يبدى له شيءٌ لم يكن، وهذا باطل، وهذا من عقيدة الرافضة موافقةً للمعتزلة وهو قولٌ باطل، إذًا فالله تعالى لا يغير فيه شيئًا لأنه كتبه عن علمٍ منه، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن المكتوب في اللوح المحفوظ لا يتغير أبدًا، وإنما يحصل التغيير في الكتب التي بأيدي الملائكة. التغيير إن حصل إنما يكون في الصحف التي تكون بأيدي الملائكة، والأدلة على إثبات هذه المرتبة من الكتاب والسنة كثيرةٌ جدًا، وأجمع على إثباتها الصحابة والتابعون وجميع أهل السنة والحديث، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [الحديد: 22] .دد

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام