أولاً: صحابي هو عبد الله بن مسعود، هذا يمثل ماذا؟ يمثل عهد الصحابة، ثم هذا الفهم الذي فهمه ابن مسعود أورد للتابعين كلامًا لعمر بن عبد العزيز، هذا العصر الثاني، القرن الثاني، ثم أورد كلامًا للأوزاعي وهو من كبار تابع التابعين، فهذه القرون الثلاثة أخذ المصنف قولاً لعالمٍ من علماء ذلك الزمن كلهم بينوا المنهج الصحيح في تلقي النصوص وأنه يجب إتباع السلف وأن مخالفة السلف مثل هذه المسائل يعتبر من البدع والمحدثات، قال هنا: (وقال عبد الله بن مسعود) . الصحابي الجليل (رضي الله تعالى عنه) توفي سنة اثنين وثلاثين (اتبعوا) هذا أمر، والصحابي إذا أمر حينئذٍ إن كان أمره فهمًا لأمرٍ مجمعٍ عليه حينئذٍ يحمل على الأصل في الأمر، ... (اتبعوا ولا تبتدعوا) ، (اتبعوا) ماذا؟ (اتبعوا) حذف المفعول به، والمراد به هنا (اتبعوا) آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، يعني: التزموا آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير زيادةً ولا نقصٍ، لأن هذا هو حقيقة الإتباع أن تفعل كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك ذكر الفتوحي في شرح المختصر كلمةً مفيدة في بيان معنى الأسوة في قوله جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} . {أُسْوَةٌ} ما المراد بالأسوة؟ قال هناك في الشرح: أن تفعل كما فعل لأجل أنه فعل، وأن تترك كما ترك لأجل أنه ترك. هذه ينبغي حفظها لطلاب العلم، تفعل أنت كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، لماذا؟ لا تقل لأنه واجب وأنه رتب عليه كذا، وقد تترتب العقوبة ونحو ذلك لا، لأجل أنه فعل هذا كمال في التأسي، لماذا فعلت؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل بقطع النظر عن كونه واجبًا أو مستحبًا، وأن تترك كما ترك، لماذا؟ لأنه محرم، عيب، الناس يرون ... إلى آخره؟ نقول: لا، لأجل أنه ترك لهذه العلة، وهذا كلام جميل قاعدة جيدة، (اتبعوا) أي: التزموا آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - دون زيادةٍ ولا نقصٍ، فإذا زاد حينئذٍ خرج عن الإتباع، أو نقص خرج عن الإتباع، فلا بد أن يتبع دون زيادةٍ أو نقصٍ، (ولا تبتدعوا) هذا يخالف ما سبق لأنه إما إتباع وإما ابتداع، إما إتباع لآثار النبي - صلى الله عليه وسلم - أقوالِهِ وأفعالِهِ، وإما ابتداع في باب العقيدة أو في باب العمل، (ولا تبتدعوا) ، يعني: لا تحدثوا بدعةٍ في الدين، (فقد كفيتم) ، يعني: كفاكم السابقون، قد أكمل الله عز وجل الدين بنبيه - صلى الله عليه وسلم - {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] {أَكْمَلْتُ} ، إذًا الدين كامل، والبدعة تدل على ماذا؟ على الاستدراك أنه ناقص، ولذلك الإمام مالك رحمه الله تعالى يقول: من أحدث في الدين بدعة فقد زعم أن محمدًا قد خان الرسالة. كلام صحيح، من أحدث في الدين بدعة فقد زعم أن محمدًا قد خان الرسالة لأنك إذا قلت: هذا الأمر الذي أحدثته دين. معناه النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به ولم يبلغه، وأنت الذي فتح عليك قد عرفت ما لم يبلغه النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنك زعمت أنه من الدين، لو زعمت أنه ليس من الدين حينئذٍ سلمت، لكن لما نسبته إلى الشرع وقلت: هذا مما جاء به الشرع.