كما اتبعوا القول بالعمل فقد أمر الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح (1) بانتزاع مدرسة معروفة من أبي الحسن الآمدي (2) وقال: أخذها منه أفضل من أخذ عكا (3) .
ولا يفهم من موقف السلف من علم الكلام أنهم ينهون عن الأدلة العقلية فلا يعطونها أي وزن أو قيمة: بل إن من طالع كتبهم ونظر في أقوالهم، تبين له أنهم لم ينكروا الاستدلال بالأدلة العقلية على المطالب الآلهية إذا كانت صحيحة، وإنما نهوا وذموا ما خالف الكتاب والسنة (4) .
كما أنهم لم يذموا علم الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة كلفظ العرض (5) وغير ذلك، ولكن لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من الباطل المذموم في الأدلة والأحكام ما يجب النهي عنه لاشتمال هذه الألفاظ على معان مجملة في النفي والإثبات (6) .
(1) أبو عمرو الإمام الحافظ عثمان بن صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشافعي، كان من كبار الأئمة، وقد أفتى وجمع وألف كتبًا كثيرة في علوم الحديث والفقه ومن أشهرها ما يعرف بمقدمة ابن الصلاح، توفي سنة 643 هـ.
تذكرة الحفاظ (4/ 1430) والبداية والنهاية (13/ 160) والنجوم الزاهرة (6/ 354) .
(2) أبو الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي سيف الدين الآمدي، أصولي متكلم، كان حنبليًا ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، اشتغل بفنون المعقول، صنف كتاب الأحكام في أصول الأحكام، ولباب الألباب وغيرها، توفي سنة 631 هـ.
طبقات الشافعية للسبكي (8/ 306) والبداية والنهاية (13/ 134) وشذرات الذهب (5/ 144) .
(3) مجموع الفتاوى (18/ 52) .
(4) انظر: درء تعارض العقل والنقل (7/ 153، 155، 166) .
(5) العرض: الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى موضع أي محل يقوم به كاللون المحتاج في وجوده إلى جسم يحله ويقوم به.
التعريفات للجرجاني (ص 148) .
(6) انظر: درء تعارض العقل والنقل (1/ 44) .