وَرُوِّينَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ: حِينَ اجْتَمَعَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَنَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمُ لِيَجْتَمِعُوا عَلَى رَأْيٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَقُولُونَ فِي مُحَمَّدٍ صَلى الله عَلَيه وَسَلم لِوُفُودِ الْعَرَبِ، فَقَالُوا: فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ, فَقُلْ وَأَقِمْ لنا رَأَيًا نَقُومُ بِهِ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا أَسْمَعُ, فَقَالُوا: نَقُولُ: كَاهِنٌ, فَقَالَ: مَا هُوَ بِكَاهِنٍ, لَقَدْ رَأَيْتُ الْكُهَّانَ, فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكَاهِنِ وَسِحْرِهِ، فَقَالُوا: نَقُولُ مَجْنُونٌ, فَقَالَ: مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ، وَلَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ، وَعَرَفْنَاهُ, فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ، وَلاَ تَخَالُجِهِ، وَلاَ وَسْوَسَتِهِ، فَقَالُوا: نَقُولُ شَاعِرٌ, قَالَ: مَا هُوَ بِشَاعِرٍ، وَلَقَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ بِرَجَزِهِ, وَهَزَجِهِ، وَقَرِيضِهِ، وَمَقْبُوضِهِ, وَمَبْسُوطِهِ، فَمَا هُوَ بِالشِّعْرِ, قَالُوا: فَنَقُولُ: هُوَ سَاحِرٌ, قَالَ: فَمَا هُوَ بِسَاحِرٍ, لَقَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ، فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلاَ عَقْدِهِ، فَقَالُوا: فَمَا تَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ؟ قَالَ: وَاللهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلاَوَةً، وَإِنَّ أَصْلَهُ لَمُغْدِقٌ، وَإِنَّ فَرْعَهُ لَجَنًى، فَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا, إِلاَّ عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ أَنْ تَقُولُوا: سَاحِرٌ, يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ أَبِيهِ, وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ أَخِيهِ, وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ عَشِيرَتِهِ, فَتُفَرِّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} إِلَى قَوْلِهِ: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} .