وَفِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صُنْعِ صَانِعٍ لاَ يَفْعَلُ الأَشْيَاءَ بِمِثْلِ الْقُوَّةِ، وَالْقُدْرَةِ الَّتِي بِهَا يَصْنَعُ الصُّنَّاعُ الْمُشَاهِدُونَ، وَأَنَّهُ كَمَا لَمْ يُشْبِهْ صُنْعُهُ صُنْعَهُمْ، فَكَذَلِكَ هُوَ غَيْرُ مُشْبِهٍ إِيَّاهُمْ, وَلاَ جَائِزَ عَلَيْهِ مِنْ مَعَانِي النَّقْصِ مَا هُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِمْ, فَانْتَظَمَتْ حُجَّتُهُ هَذِهِ إِثْبَاتُ الصَّانِعِ عَلَى مَنْ يَجْهَلُهُ وَلاَ يَعْتَرِفُ بِهِ، وَإِثْبَاتُ رِسَالَتِهِ مِنْ عِنْدِهِ فَمَنِ اسْتَسْلَمَ لِحُجَّتِهِ, وَصَدَّقَهُ فِي جَمِيعِ قَوْلِهِ، وَآمَنَ بِجُمْلَةِ دَعْوَتِهِ, كَانَ إِثْبَاتُ الرَّسُولِ وَالْمُرْسَلُ مِنْهُ مَعًا فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ, فَهَذَا وَجْهُ الإِيمَانِ بِاللهِ إِجَابَةً لِدَعْوَةِ رَسُولِهِ إِلَيْهِ, وَهَذَا إِجَابَةٌ بِحُجَّةٍ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ إِيمَانُ عَامَّةِ الْمُسْتَجِيبِينَ لِلأَنْبِيَاءِ، وَالرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَدْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ تَنَبَّهُ بَعْدُ فَرَأَى وَنَظَرَ وَبَحَثَ، فَبَصَّرَهُ اللهُ مِنَ الدَّلاَئِلِ مَا شَدَّ بِهِ أَزْرَهُ، وَعَصَمَ دِينَهُ، وَقَوَّى يَقِينَهُ، وَطَلَبَ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ مَا يَنْصُرُ بِهِ الدِّينَ، وَيُجَادِلُ بِهِ أَعْدَاءَهُ، وَيَنْتَصِبُ بِهِ لِلدَّفْعِ عَنْهُ.