بذلك، ويمتنعون من القتال فيه عاماً، فيحرمونه بذلك، وقال تعالى في آيةٍ أُخرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [1] (سورة المائدة، 89) .
وهذه الآية نزلت بسبب قوم امتنعوا من تناول بعض الطيبات زهداً وتقشفاً، وبعضهم حرم ذلك عن نفسه، إما بيمين حلَف بها، أو: بتحريمه على نفسه، وذلك كله لا يوجب تحريمه في نفس الأمر، وبعضهم امتنع منه من غير يمين، ولا تحريم، فسمي الجميع تحريماً، حيث قصد الامتناع منه إضراراً بالنفس، وكفاً لها عن شهواتها.
ويقال في الأمثال: (فلان لا يحلل ولا يحرم) ، إذا كان لا يمتنع من فعل الحرام، ولا يقف عند ما أبيح له، وإن كان يعتقد تحريم الحرام، فيجعلون من فعل الحرام-ولا يتحاشى منه-محللاً، وإن كان لا يعتقد حله.
يقول شيخ شيوخنا العلامة الشنقيطي-رحمه الله-في تفسير قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) [2] إنها: (فتوى سماوية من الخالق-جل وعلا-صرح فيها بأن متبع تشريع الشيطان، المخالف لتشريع الرحمن مشرك بالله) .
وقال في موضع آخر: (وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا، يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه، مخالفة لما شرعه الله-جل وعلا-على ألسنة رسله، أن لا يشك في كفرهم وشركهم، إلا من طمس الله بصيرته، وأعماهم من نور الوحي مثله) [3] .
ثم يقول: (وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض) -.
وما أكثر الأحبار والرهبان في عصرنا، عصر البدع، وعصر الشركيات المتطورة، أعني شركيات القرن العشرين، من تشريع، وسب للدين، وسب للرسول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وسب لله في بعض الأحيان، ولا
(1) -قال عكرمة وغيره: (سبب نزول هذه الآية: أن عثمان بن مظعون، وعلياً، وجماعة آخرين تبتلوا، فجلسوا في بيوتهم، واعتزلوا النساء، وحرموا طيبات المطعم والملبس وهموا بالاختصاء، فنزلت هذه الآية ناهية عن ذلك) . انظر: (الدر المنثور) (2/ 30) ، وكتاب: (الإفصاح عن أحاديث النكاح) (ص:15) للهيتمي.
(2) -سورة التوبة رقم الآية: (31) .
(3) -انظر: (أضواء البيان) (4/ 83) .