كذلك تطبيق الشريعة عقد بين الحاكم والمحكوم. المحكوم يبذل الطاعة والولاء ويتعبد لله بطاعة هذا الحاكم مقابل أن يلتزم الحاكم بتطبيق الشريعة، ثم هو قبل ذلك وفوق ذلك عقد مع الله عز وجل، عقد عبودية وخضوع بتطبيق شرعه تعالى، لا تنفع فيه مثل هذه العبارات الهلامية. إن كنت لا تقبل هذه العبارات في عقد زواج أو استئجار فمن باب أولى ألا تقبلها في أخطر ما تعيش من أجله: العبودية لله تعالى بتطبيق شرعه.
كلمة"تطبيق الشريعة"منضبطة يمكن قياسها، وعبارات التوجه والموقف والتدرج والنية والرؤية والمرجعية ليست منضبطة ولا يمكن قياسها.
إذا استلم من يرفعون مثل هذه الشعارات الحكم في يوم من الأيام ثم قست قلوبهم وأصابتهم لوثة الكرسي، وأرادوا مداهنة الغرب لا خوفا على شعبهم بل خوفا على كراسيهم. فكيف سيحاسبهم شعبهم؟ إن فرطوا في أوامر الشريعة فطالبهم البعض بتنفيذها فما الذي يمنع هؤلاء الحكام الـ"إسلاميين"من أن يقولوا: (نحن لدينا توجه حقيقي ونية صادقة لتطبيق الشريعة لكنه في تقديرنا أن الشعب غير مهيأ، والمرحلة لا تناسب، ونرى من المصلحة ألا نطبق هذه الجزئية من الشريعة الآن، ونحن ما زلنا نتدرج في تطبيق الشريعة حسب أجندة واضحة، وفي أجندتنا أن علينا البقاء عند هذه المرحلة للأشهر القليلة القادمة) ؟
إذا طرأ الانحراف على الحكام الإسلاميين وبرروا بمثل هذه المبررات فما الذي يمنعهم؟ خاصة وأن عقدهم مع شعوبهم كان هلاميا من البداية.
سندخل حينئذ في معركة الحكم على النوايا والاختلاف في تقدير الوضع يسمح أو لا يسمح، وما إلى ذلك.