هل لو أُرسل معاذ قبيل شهر رمضان فإنه متروك له الحرية في تقدير أن يفرض عليهم صيام رمضان من ذلك العام أو لا لأنه المخول بتحديد سرعة التدرج الذي يُتكلم عنه؟
ثم إخواني إن شرائع الإسلام كثيرة جدًا، والنبي لم يذكر منها إلا الشهادتين والصلاة والزكاة. فماذا عن باقي الأوامر والأحكام؟ هل يُعقل أن النبي ترك لمعاذ تقدير الوقت المناسب لفرض الصيام والحج ونصرة المظلوم ومنع الربى والخمر والسرقة والتبرج والاحتكار والرشوة وغيرها؟
ثم إن المنادين بالتدرج يقولون أنه ينبغي التركيز على الجانب العقدي بداية قبل تطبيق الأحكام والجوانب التشريعية من الشريعة، والنبي لم يذكر من الجانب العقدي إلا الشهادتين. فلو كان ما ذكره النبي على سبيل الحصر، فإنه يعني أنه كان على معاذ أن يأمر أهل اليمن بالصلاة والزكاة قبل الإيمان باليوم الآخر والكتب والملائكة والقدر. فهل يعقل هذا؟
ثم هل في الحديث ما يدل على أن أهل اليمن لو لم يجيبوا معاذا إلى الإقرار بالشهادتين فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان سيقرهم على ذلك ويدعهم وشأنهم؟
إذًا إخواني الحديث لا علاقة له بالتدرج المطروح. والمسألة واضحة بشيء من التدبر. وردت أحاديث كثيرة يأمر فيها النبي أقوامًا أسلموا بأمور وينهاهم عن أمور. ونلاحظ أنه نوع في أوامره ونواهيه. فمثلا عندما وفد عليه وفد عبد القيس أمرهم بِأَرْبَعٍ وَنَهاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالإِيمانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الإِيمانُ بِاللهِ وَحْدَهُ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقامُ الصَّلاةِ وَإِيتاءُ الزَّكاةِ وَصِيامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمغنَمِ الْخُمُسَ. وَنَهاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالمُزَفَّتِ (وهي أوعية كان النبيذ يصنع فيها) . والحديث متفق عليه. فهنا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصيام وإعطاء الخمس من المغنم، ونهى عما يُصنع فيه الخمر ولم يذكر هذه الأشياء في حديث معاذ. فهل هذا يدل على أنه تدرج بالتشريع أو بالتطبيق لوفد عبد القيس تدرجا مختلفًا عما