إذًا فعند مناقشة جزئية القسم ينبغي وضعها ضمن المنظومة والسياق الديمقراطي الذي افتعل القسم ليكون إعلانًا باللسان يتبعه إعلان بالعمل أن مرد التشريع إلى البرلمان من دون الله. فبالإضافة إلى إشكاليتنا مع القسم ذاته فالإشكالية مع سياقه وما يُقسَم من أجله أكبر.
لعل قائلاً يقول: لماذا تركز على هذه المواد من الدستور ولا تذكر المواد الأخرى التي تحفظ للمواطن إنسانيته وحريته وكرامته ومساواته بالآخرين؟ وليسمح لي من يتساءل سؤالاً كهذا أن أقول له: هان عليك حق الله تعالى! أي والله، هان عليك حق الله! ما من مبدأ جاهلي قديم ولا حديث إلا وفيه هذه الشعارات الرنانة عن الحرية والمساواة والكرامة، لكن ما الفائدة إن حصلنا حقوقًا بشرية وضيعنا حق الله تعالى؟ عندما نتكلم عن إشراك العباد مع الله في صفة من صفاته فإن نقطة من هذا التجرؤ على الله لو وضعت في محيط من الحسنات لأفسدته {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] .
ثم لعل قائلاً يقول: (كل هذا من أجل كلمة! كلمة يقولها البرلماني ونيته طيبة وقصده شريف) ؟! فنذكره أن المرء يدخل الإسلام بكلمة، ويخرج منه بكلمة، وأن الله وصف قولاً فيه شرك بأنه {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 90] ، ونذكر بحديث البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم) .
إخواني، كان هذا فيما يتعلق بالضمانات التي وضعتها الديمقراطية لتضمن بها حماية نفسها كنظام بشري وضعي وتمنع التسلق من خلالها لتطبيق شريعة الله -عزَّ وجلَّ-. الحلقة القادمة هي في نظري أهم حلقات السلسلة حتى الآن، تعرض لحقيقة كبرى غُيبت والتبست على كثير من الخاصة فضلاً عن العامة، فانتظروها واسألوا الله لأنفسكم ولأخيكم وللمسلمين الهداية والعصمة من الفتن. والسلام عليكم ورحمة الله.