ولذلك ابن الجوزي في (زاد المسير) نقلًا عن القاضي أبي يعلى قال:"ودلالة على أن الخوف على المال والولد لا يبيح التقية في إظهار الكفر كما يبيح في الخوف على النفس، ويبين ذلك أن الله تعالى فرض الهجرة ولم يعذرهم في التخلف لأجل أموالهم وأولادهم، وإنما ظن حاطب أن ذلك يجوز له ليدفع به عن ولده كما يجوز له أن يدفع عن نفسه بمثل ذلك عند التقية، وإنما قال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق لأنه ظن أن فعل ذلك عن غير تأويل". انظر إلى كلام العلماء.
ويقول ابن الجوزي أيضًا معلقًا على حديث حاطب:"فتقرّب إلى القوم -يعني لقريش- ليحفظوه في أهله بأن أطلعهم على بعض أسرار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كيدهم وقصد قتالهم، وعلم أن ذلك لا يضر رسول الله لنصر الله -عزَّ وجلَّ- إياه، وهذا الذي فعله يحتمل التأويل، ولذلك استعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حسن الظن، وقال في بعض الألفاظ إنه قد صدقكم، وقد دل هذا الحديث على أن حكم المتأول في استباحة المحظور خلاف حكم المتعمد لاستحلاله من غير تأويل. ودل ذلك على أن من أتى محظورًا أو ادعى في ذلك ما يحتمل التأويل كان القول قوله وإن كان غالب الظن بخلافه".
كما في حديث قدامة بن مظعون؛ فهم تأولوا أيام سيدنا عمر، وشربوا الخمر، فسيدنا عمر أرسل إليهم وقال: اسألهم إن كانوا استحلوها، إذا كانوا يعتقدون أن الخمرة حلال فاضرب أعناقهم وانتهى الأمر، وإن كانوا يقولون بحرمتها فقال: اضربهم حدًا. وهذا الذي حدث فهم كانوا يتأولون أنهم ليس عليهم جناح في ذلك -وسنأتي إلى هذا المثل فيما بعد-.
المقصود أن الموالاة المكفرة قد تكون من قبيل القول أو العمل الظاهر ولا يُتصور ذلك أن تكون محسورة في اعتقاد القلب، هذه هي المصيبة. معظم المعاصرين ومن تكلم في هذه المسألة حصروا العمل المكفر وهذه الموالاة المكفرة في اعتقاد القلب، وإن حملوا الصورة المكفرة للموالاة يقولون هي في الظاهر كفر ولكنه لم يوالي قلبيًا ويشترط الموالاة القلبية. والآخرون يقولون أن هذا فعل حرام أصلًا، يعني الموالاة في حد ذاته أصلًا حرام، يعني كأنه ارتكب كبيرة من الكبائر. لأن جميع هؤلاء تقريبًا اشترطوا الاستقلال، المناط المستقل عندهم الاعتقاد القلبي.