إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، نثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
الإخوة المكرمون المستمعون إلينا، هذه هي المحاضرة الثامنة من محاضرات الولاء والبراء. واليوم إن شاء الله سنتكلم حول مفهوم التقية وتعريفها وأقوال العلماء في أحكامها وضوابطها، ونتكلم أيضًا عن الفرق بين التقية والإكراه.
في البداية أقول لكم إن التقية لها علاقة بمفهوم الموالاة، البعض يقول هي صورة من صور الموالاة أو هي موالاة، ولها أيضًا علاقة بمفهوم الإكراه لأنك تجاري هؤلاء وتواليهم بالأقوال والأفعال خوفًا وحذرًا منهم، والبعض أحيانًا يشبهها ويصل بالأمر أنها هي الإكراه، أو أن لها علاقة بآية [سورة النحل الآية 106] {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} . فإذًا حتى لا يظن ظان أننا نتكلم عن قضايا مُجتزأة مُبتترة لا علاقة لها بالموضوع، لا بل هي لها علاقة ولها أحكام ولها صور، والعلماء تكلموا في هذه القضية بقوة وموضوع التقية موضوع كبير وليس بهذه السهولة. فلذلك نحاول -إن شاء الله- أن نتكلم في موضوع مفهوم التقية وأحكامها.
أولًا نبدأ بقول الله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28] ، هذه هي الآية التي انطلق منها العلماء وتكلموا في موضوع التقية وأحكام التقية وضوابط التقية على مدار قرون حتى وقنا الحاضر.
ما معنى التقية من الناحية اللغوية؟ إذا فتحت أي قاموس في اللغة العربية، وخاصة القواميس الكبيرة مثل (لسان العرب) لابن منظور، أو (تاج العروس) للزبيدي وغيرهم، هذه القواميس تقول كما في (لسان العرب) مثلًا:"التقية أصلها في اللغة الحذر"، ما هي علاقة الموالاة بالتقية؟ الحذر شيء والموالاة معناها القرب والدنو