فيكون موضوعه: ذات الله -تعالى- من حيث هي، وذات الممكنات من حيث إنها في ربقة الحاجة؛ لما علم أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، أي التي يكون منشؤها الذات. اهـ.
ومن أحسن النصوص التي تبين فائدة وحقيقة علم الكلام: ما قرره الإمام التفتازاني في شرح العقائد النسفية، قال: أعلم أن الأحكام الشرعية منها ما يتعلق بكيفية العمل، ومنها ما يتعلق بالاعتقاد، وتسمى أصلية واعتقادية.
والعلم المتعلق بالأولى يسمى علم الشرائع والأحكام؛ لما أنها لا تستفاد إلا من جهة الشرع، ولا يسبق الفهم عند الإطلاق إلا إليها.
وبالثانية: علم التوحيد والصفات؛ لما أن ذلك أشهر مباحثه وأشرف مقاصده.
وقد كان الأوائل من الصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم أجمعين- لصفاء عقائدهم ببركة صحبة النبي - عليه السلام - وقرب العهد بزمانه، ولقلة الوقائع والاختلافات، وتمكنهم من المراجعة إلى الثقات - مستغنين عن تدوين العلمين وترتيبهما أبواباً وفصولاً، وتقرير مباحثهما فروعاُ وأصولاً.
إلى أن حدثت الفتن بين المسلمين، وغلب البغي على أئمة الدين، وظهر اختلاف الآراء، والميل إلى البدع والأهواء، وكثرت الفتاوى والواقعات، والرجوع إلى العلماء في المهمات، فاشتغلوا بالنظر والاستدلال، والاجتهاد والاستنباط، وتمهيد القواعد والأصول، وترتيب الأبواب والفصول، وتكثير المسائل بأدلتها، وإيراد الشبه بأجوبتها، وتعيين الأوضاع والاصطلاحات، وتبيين المذاهب والاختلافات.
وسمًّوا ما يفيد معرفة الأحكام العملية عن أدلتها التفصيلية بالفقه.
ومعرفة أحوال الأدلة إجمالاً في إفادتها الأحكام بأصول الفقه.