فهرس الكتاب
الصفحة 188 من 196

وحكى أنه دخل رجل عل عبد الملك بن مروان وكان يوصف بحسن العقل والأدب. فقال له: عظنى! فقال: «يا أمير المؤمنين! إن للناس فى القيامة جولة لا ينجو من غصص مرارتها ومعاينة الردى فيها إلا من أرضى الله بسخط نفسه» .

قال: فبكى عبد الملك بن مروان، ثم قال: «لا جرم لأجعلن هذه الكلمات مثالا نصب عينى ما عشت أبدا؛ وحكى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لأبى حازم: عظنى! قال: «اضطجع ثم اجعل الموت عند رأسك، ثم انظر ما تحب أن يكون فيك تلك الساعة فخذ به الآن؛ وما تكره أن يكون فيك تلك الساعة فدعه الآن، فلعل الساعة قريبة» .

وحكى أن أعرابيا دخل على سليمان بن عبد الملك، فقال له: تكلم يا أعرابى! فقال: «يا أمير المؤمنين! إنى لمكلمك بكلام فاحتمله؛ وإن كرهته فإن وراءه ما تحب إن قبلته، فقال: يا أعرابى! إنّا لنجود بسعة الاحتمال على من نرجو نصحه ونأمن غشه، فقال الأعرابى: إنه قد تكنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم فابتاعوا دنياهم بدينهم، ورضاك بسخط ربهم؛ خافوك فى الله، ولم يخافوا الله فيك؛ حرب للآخرة، سلم للدنيا، فلا تأمنهم على ما امتحنك الله عليه، فإنهم لن يألوا فى الأمانة تضييعا وفى الأمة خسفا وعسفا؛ وأنت مسئول عما اجترحوا وليسوا بمسئولين عما اجترحت؛ فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره. فقال سليمان: أما أنت يا أعرابى قد سللت لسانك وهو أقطع من سيفك! قال: أجل! يا أمير المؤمنين! ولكن عليك، لا لك.

وقد حكى أن صالح بن بشير «1» دخل على المهدى وجلس معه على الفراش، فقال له المهدى: عظنى! قال: «أ ليس قد جلس هذا المجلس أبوك وعمك قبلك؟» قال: نعم! قال: «فكانت لهم أعمال ترجو لهم بها النجاة من الله تعالى؟» قال:

(1) صالح بن بشير المرى، واعظ البصرة؛ روى عن الحسن البصرى وجماعة. توفى سنة 172 ه أو 176 ه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام