نعم! قال: «و أعمال تخاف عليهم بها الهلكة؟» قال: نعم. قال: فانظر ما رجوت لهم فأته وما خفت عليهم فاجتنبه! قال: قد أبلغت وأوجزت.
وقد حكى أن أبا بكرة «1» دخل على معاوية فقال: اتق الله يا معاوية! وأعلم أنك فى كل يوم يخرج عنك، وفى كل ليلة تأتى عليك لا تزداد من الدنيا إلا بعدا، ومن الآخرة إلا قربا، وعلى أثرك طالب لا تفوته، وقد نصب لك علم لا تجوزه، فما أسرع ما يبلغ العلم، وما أقرب ما يلحق بك الطالب! وإنا وما نحن فيه زائل، والّذي نحن صائرون إليه باق: إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
ومنها: أن تكون العادة الغالبة على والى الأمر العفو والحلم وحسن الخلق وكظم الغيظ مع القدرة، فقد حكى أنه حمل إلى أبى جعفر رجل قد جنى جناية فأمر بقتله، فقال المبارك «2» بن فضالة وكان حاضرا: يا أمير المؤمنين! ألا أحدثك حديثا سمعته من الحسن؟ قال: وما هو؟ قال: سمعت الحسن رحمه الله يقول: «إذا كان يوم القيامة جمع الناس فى صعيد واحد فيقوم مناد ينادى: من له عند الله يد فليقم، فلا يقوم إلا من عفا» . فقال: خلوا عنه.
وحكى عن عيسى بن مريم صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ليحيى بن زكريا صلى اللّه عليه وسلم: إذا قيل لك ما فيك فأحدث لله شكرا، وإذا قيل ما ليس فيك فأحدث لله شكرا أعظم منه، إذا تيسرت لك حسنة لم يكن لك فيها عمل.
وروى أبو هريرة أنه صلى اللّه عليه وسلم قال: «ليس الشديد بالصّرعة «3» إنما الشديد الّذي يملك نفسه عند الغضب» وحكى أن رجلا أتى إلى رسول الله صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن خادمى يسى ء ويظلم أ فأضربه؟ قال: تعفو عنه كل يوم سبعين مرة. وروى عن على
(1) المقصود عبد الرحمن بن أبى بكرة، أول من ولد بالبصرة، وقد توفى سنة 101 ه.
(2) المبارك بن فضالة البصرى، مولى قريش؛ محدث روى عن الحسن البصرى وبكر المزنى وطائفة؛ وكان من كبار المحدثين والنساك، توفى سنة 164 ه.
(3) الصرعة؛ كهمزة: من يصرع الناس كثيرا.