فهرس الكتاب
الصفحة 187 من 196

وحكى عن سليمان بن عبد الملك أنه تفكر يوما فقال: كيف تكون حالى وقد ترفهت فى هذه الدنيا؟ فأرسل إلى أبى حازم وقال: تبعث إلى بذلك الّذي تفطر عليه بالعشاء، فأنفذ إليه شيئا من النخالة المقلية. قال: أبل هذا بالماء فأفطر به فهو طعامى، فبكى سليمان وعمل ذلك فى قلبه وصام ثلاثة أيام ما ذاق شيئا حتى فرغ بطنه من مأكولاته، ثم أفطر فى اليوم الثالث بتلك النخالة. فقضى أن قارب أهله «1» تلك الليلة فولد له عبد العزيز بن سليمان. ومن عبد العزيز عمر «2» فهو واحد زمانه، وذلك من بركة تلك النية الصادقة.

وحكى أنه قيل لعمر بن عبد العزيز: ما كان بدء توبتك؟ قال: أردت ضرب غلام فقال لى: يا عمر! اذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة؛ وحكى أن زاهدا كتب إلى عمر ابن عبد العزيز وقال فى كتابه: اعتصم بالله يا عمر اعتصام الغريق بما ينجيه من الغرق؛ وليكن دعاؤك دعاء المنقطع المشرف على الهلكة، فإنك قد أصبحت عظيم الحاجة شديد الإشراف على المعاطب.

وقد حكى عن هارون الرشيد أنه قال للفضيل: عظنى! قال: بلغنى أن عمر بن عبد العزيز شكا إليه بعض عماله، فكتب إليه: «يا أخى! اذكر سهر أهل النار فى النار مع خلود الأبد بعد النعيم والظلال، فإن ذلك يطرد بك إلى ربك نائما ويقظان، وإياك أن يتصرف بك من عند الله فتكون آخر العهد منقطع الرجاء» . فلما قرأ الكتاب قدم على عمر فقال له: ما أقدمك؟ قال: «خلع قلبى كتابك، لا وليت ولاية حتى ألقى الله تعالى» .

وقد حكى عن إبراهيم بن عبد الله الخراسانى أنه قال: حججت مع أبى سنة حج الرشيد، فإذا نحن بالرشيد وهو واقف حاسر حاف على الحصباء، وقد رفع يديه وهو يرتعد ويبكى ويقول: «يا رب! أنت أنت، وأنا أنا؛ أنا العواد إلى الذنب وأنت العواد إلى المغفرة اغفر لى!» فقال لى: يا بنى! انظر إلى جبار الأرض كيف يتضرع إلى جبار السماء!

(1) قارب أهله: جامع زوجته.

(2) هو غير عمر بن عبد العزيز بن مروان.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام