المحققون، ولا عن كلمات إقناعية يستفيد منها المتوهمون، فإن الحاجة إلى هذا الكتاب عامة فى حق الخواص والعوام، وشاملة جميع الطبقات من أهل الإسلام، وهذا هو الأقرب إلى المنهج القويم، فلطالما قيل: كلا طرفى قصد الأمور ذميم
وفائدة الإطناب الشرح والإيضاح المغنى عن عناء التفكر وطول التأمل، وآفته الإملال؛ وفائدة الإيجاز جمع المقاصد وترصيفها وإيصالها إلى الأفهام على التقارب، وآفته الحاجة إلى شدة التصفح والتأمل لاستخراج المعانى الدقيقة من الألفاظ الوجيزة الرشيقة؛ والرأى فى هذا المقام الاقتصاد بين طرفى التفريط والإفراط، فإن الإطناب لا ينفك عن إملال، والإيجاز لا يخلو عن إخلال، فالأولى الميل إلى الاختصار؛ فلرب كلام قل ودل وما أمل.
ولقد طالعت الكتب المصنفة فى هذا الفن فصادفتها مشحونة بفنين من الكلام:
فن فى تواريخ أخبارهم وأحوالهم من بدء أمرهم إلى ظهور ضلالهم، وتسمية كل واحد من دعاتهم فى كل قطر من الأقطار، وبيان وقائعهم فيما انقرض من الأعصار، فهذا فن أرى التشاغل به اشتغالا بالأسمار، وذلك أليق بأصحاب التواريخ والأخبار، فأما علماء الشرع فليكن كلامهم محصورا فى مهمات الدين وإقامة البرهان على ما هو الحق المبين؛ فلكل عمل رجال «1» .
(1) يقصد الإمام الغزالى رحمه الله: الاختصاص.