مما تطابق عليه نقلة المقالات قاطبة أن هذه الدعوة لم يفتتحها منتسب إلى ملة ولا معتقد لنحلة معتضد بنبوة، فإن مساقها ينقاد إلى الانسلال من الدين كانسلال الشعرة من العجين. ولكن تشاور جماعة من المجوس والمزدكية، وشرذمة من الثنوية «1» الملحدين، وطائفة كبيرة من ملحدة الفلاسفة المتقدمين، وضربوا سهام الرأى فى استنباط تدبير يخفف عنهم ما نابهم من استيلاء أهل الدين، وينفس عنهم كربة ما دهاهم من أمر المسلمين، حتى أخرسوا ألسنتهم عن النطق بما هو معتقدهم من إنكار الصانع وتكذيب الرسل، وجحد الحشر والنشر والمعاد إلى الله فى آخر الأمر، وزعموا أنّا بعد أن عرفنا أن الأنبياء كلهم ممخرقون ومنمسون «2» . فإنهم يستعبدون الخلق بما يخيلونه إليهم من فنون الشعبذة والزرق «3» .
وقد تفاقم أمر محمد، واستطارت فى الأقطار دعوته، واتسعت ولايته، واتسقت أسبابه وشوكته حتى استولوا عل ملك أسلافنا، وانهمكوا فى التنعم فى الولايات مستحقرين عقولنا؛ وقد طبقوا وجه الأرض ذات الطول والعرض، ولا مطمع فى مقاومتهم بقتال، ولا سبيل إلى استنزالهم عما أصروا عليه إلا بمكر واحتيال؛ ولو شافهناهم بالدعاء إلى مذهبنا لتنمروا علينا، وامتنعوا من الإصغاء إلينا، فسبيلنا أن ننتحل عقيدة طائفة من فرقهم هم أركهم عقولا وأسخفهم رأيا وألينهم عريكة لقبول المحالات، وأطوعهم للتصديق بالأكاذيب المزخرفات وهم
(1) الثنوية: مذهب فلسفي قديم يقوم على الإلحاد.
(2) منمسون: محتالون.
(3) الزرق: الخداع.