والتقىّ فى أرجوحة الهوى يغلب تارة ويعجز تارة، والشيطان ليس يفتر عن الوساوس، والزلات تجرى على الأنفاس؛ فكيف يتخلص البشر عن اقتحام محظور والتورط فى محظور!؟ ولذلك قال الشافعى- رضى الله عنه- فى شرط عدالة الشهادة: لا يعرف أحد بمحض الطاعة حتى لا يتضمخ «1» بمعصية؛ ولا أحد بمحض المعصية حتى لا يقدم على طاعة، ولا ينفك أحد عن تخليط؛ ولكن من غلبت الطاعات فى حقه المعاصى، وكانت تسوؤه سيئته وتسره حسنته فهو مقبول الشهادة؛ ولسنا نشترط فى عدالة القضاء إلا ما نشترطه فى الشهادة، ولا نشترط فى الإمامة إلا ما نشترطه فى القضاء، وهذا ذكرناه إذا لج ملاح أو ألح ملحّ ولازم اللدد فى تصوير أمر من الأمور لا يوافق ظاهر الشرع، وإرادته الطعن فى الإمامة والقدح فيها، عرف أن ذلك غير قادح فى أصل الإمامة بحال من الأحوال.
فإن قال قائل: اتفق رأى العلماء على أن الإمامة لا تنعقد إلا لمن نال رتبة الاجتهاد والفتوى فى علوم الشرع، ولا يمكنكم دعوى وجود هذه الشريطة، ولو ادعيتم أن ذلك لا يشترط كان انسلالا عن وفاق العلماء قاطبة، فما رأيكم فى هذه الصفة؟
قلنا: لو ذهب ذاهب إلى أن بلوغ درجة الاجتهاد لا يشترط فى الإمامة لم يكن فى كلامه إلا الإعزاب «2» عن العلماء الماضين، وإلا فليس فيه ما يخالف مقتضى الدليل وسياق النظر، فإن الشروط التى تدعى للإمامة شرعا لا بدّ من دليل يدلّ
(1) يتضمخ: يتلطّخ.
(2) الإعزاب: الاعتزال والابتعاد.