فإن قيل: ما جليتموه من العظائم لا يتصور أن يخفى على عاقل، وقد رأينا خلقا كثيرا وجمّا غفيرا من الناس يتابعونهم فى معتقدهم وتابعوهم فى دينهم؛ فلعلكم ظلمتموهم بنقل هذه المذاهب عنهم فى خلاف ما يعتقدونه! وهذا هو القريب الممكن؛ فإنهم لو أظهروا هذه الأسرار نفرت القلوب عنهم واطلعت النفوس على مكرهم؛ وما باحوا بها إلا بعد العهود والمواثيق وصانوها إلا عن موافق لهم فى الاعتقاد- فمن أين وقع لكم الاطلاع عليها وهم يسترون ديانتهم ويستبطنون بعقائدهم؟
قلت: أما الاطلاع على ذلك فإنما عثرنا عليه من جهة خلق كثير تدينوا بدينهم واستجابوا لدعوتهم، ثم تنبهوا لضلالهم فرجعوا عن غوايتهم إلى الحق المبين فذكروا ما ألقوا إليهم من الأقاويل.
وأما سبب انقياد الخلق إليهم فى بعض أقطار الأرض فإنهم لا يفشون هذا الأمر إلا إلى بعض المستجيبين لهم ويوصون الداعى ويقولون له: «إياك أن تسلك بالجميع مسلكا واحدا، فليس كل من يحتمل قبول هذه المذاهب يحتمل الخلع والسلخ، ولا كل من يحتمل الخلع يحتمل السلخ؛ فليخاطب الداعى الناس على قدر عقولهم» . فهذا هو السبب فى تعلق هذه الحيل ورواجها.
فإن قيل: هذا أيضا مع الكتمان ظاهر البطلان؛ فكيف ينخدع بمثله عاقل؟ قلنا: لا ينخدع به إلا المائلون عن اعتدال الحال واستقامة الرأي. فللعقلاء عوارض تعمى عليهم طرق الصواب وتقضى عليهم بالانخداع بلامع السراب، وهم ثمانية أصناف: