عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَجُلًا ، اشْتَرَى نَخْلًا قَدْ أَبَّرَهَا صَاحِبُهَا , فَخَاصَمَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَنَّ الثَّمَرَةَ لِصَاحِبِهَا الَّذِي أَبَّرَهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَجُلًا ، اشْتَرَى نَخْلًا قَدْ أَبَّرَهَا صَاحِبُهَا , فَخَاصَمَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَيْهِ أَنَّ الثَّمَرَةَ لِصَاحِبِهَا الَّذِي أَبَّرَهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ , ثَمَرَ النَّخْلِ لِبَائِعِهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا مُبْتَاعُهَا , فَيَكُونَ لَهُ بِاشْتِرَاطِهِ إِيَّاهَا , وَيَكُونَ بِذَلِكَ مُبْتَاعًا لَهَا . وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هَاهُنَا , بَيْعَ ثَمَرَةٍ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا . فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ خِلَافُ هَذَا الْمَعْنَى . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : إِنَّ مَا أُجِيزَ , هُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ فِي هَذِهِ الْآثَارِ , لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَعَ غَيْرِهِ , وَلَيْسَ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ مَعَ غَيْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْعَهُ وَحْدَهُ كَذَلِكَ , لِأَنَّا قَدْ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ تَدْخُلُ مَعَ غَيْرِهَا فِي الْبَيْعَاتِ , وَلَا يَجُوزُ إِفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ . مِنْ ذَلِكَ , الطُّرُقُ وَالْأَفْنِيَةُ , تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدُّورِ , وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُفْرَدَ بِالْبَيْعِ . فَجَوَابُنَا فِي ذَلِكَ , وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ , أَنَّ الطُّرُقَ وَالْأَفْنِيَةَ , تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ , وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ , وَلَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ فِي بَيْعِ النَّخْلِ إِلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ . فَالَّذِي يَدْخُلُ فِي بَيْعِ غَيْرِهِ , لَا بِاشْتِرَاطٍ , هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا وَحْدَهُ . وَالَّذِي لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي بَيْعِ غَيْرِهِ إِلَّا بِاشْتِرَاطٍ , هُوَ الَّذِي إِذَا اشْتُرِطَ , كَانَ مَبِيعًا , فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا مَعَ غَيْرِهِ إِلَّا وَبَيْعُهُ وَحْدَهُ جَائِزًا . أَلَا يَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ بَاعَ دَارًا , وَفِيهَا مَتَاعٌ , أَنَّ ذَلِكَ الْمَتَاعَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّ مُشْتَرِيَهَا لَوِ اشْتَرَطَهُ فِي شِرَائِهِ الدَّارَ , صَارَ لَهُ بِاشْتِرَاطِهِ إِيَّاهُ . وَلَوْ كَانَ الَّذِي فِي الدَّارِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا , فَاشْتَرَطَهُ فِي الْبَيْعِ , فَسَدَ الْبَيْعُ . فَكَانَ لَا يَدْخُلُ فِي شِرَائِهِ الدَّارَ بِاشْتِرَاطِهِ فِي ذَلِكَ , إِلَّا مَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهُ . وَلَوِ اشْتَرَى وَحْدَهُ , وَكَانَ الثَّمَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا يَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاطُهُ مَعَ النَّخْلِ , فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ , إِلَّا لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ . أَوَ لَا يَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ , وَقَرَنَهُ مَعَ ذِكْرِهِ النَّخْلَ مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ , فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ , إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ . فَجَعَلَ الْمَالَ لِلْبَائِعِ , إِذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُبْتَاعُ , وَجَعَلَهُ لِلْمُبْتَاعِ بِاشْتِرَاطِهِ إِيَّاهُ , وَكَانَ ذَلِكَ الْمَالُ لَوْ كَانَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا , فَسَدَ بَيْعُ الْعَبْدِ , إِذَا اشْتَرَطَهُ فِيهِ . وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَعَ الْعَبْدِ مِنْ مَالِهِ , مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ , فَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ , فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فِي بَيْعِهِ , لِأَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مَبِيعًا , وَبَيْعُ ذَلِكَ الشَّيْءِ , لَا يَصْلُحُ , فَذَلِكَ أَيْضًا دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الثَّمَرَةِ الدَّاخِلَةِ فِي بَيْعِ النَّخْلِ بِالِاشْتِرَاطِ , أَنَّهَا الثِّمَارُ الَّتِي يَجُوزُ بَيْعُهَا عَلَى الِانْفِرَادِ , دُونَ بَيْعِ النَّخْلِ . فَثَبَتَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا , وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا . وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ , هُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ , عَلَى أَنْ يُتْرَكَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ , حَتَّى يَبْلُغَ وَيَتَنَاهَى , وَحَتَّى يُجَدَّ , وَقَدْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّنَاهِي , فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي قَدِ ابْتَاعَ ثَمَرًا ظَاهِرًا , وَمَا يُنَمِّيهِ نَخْلُ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُجَدَّ , فَذَلِكَ بَاطِلٌ . قَالَ : فَأَمَّا إِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بَعْدَمَا تَنَاهَى عِظَمُهُ , وَانْقَطَعَتْ زِيَادَتُهُ , فَلَا بَأْسَ بِابْتِيَاعِهِ وَاشْتِرَاطِ تَرْكِهِ إِلَى حَصَادِهِ وَجِدَادِهِ . قَالَ : فَإِنَّمَا وَقَعَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ , لِاشْتِرَاطِهِ التَّرْكَ لِمَكَانِ الزِّيَادَةِ . قَالَ : وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ الِاشْتِرَاطِ فِي ابْتِيَاعِهِ , بَعْدَ عَدَمِ الزِّيَادَةِ . حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ بِهَذَا , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مُحَمَّدٍ . وَتَأْوِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ فِي هَذَا أَحْسَنُ , عِنْدَنَا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَالنَّظَرُ أَيْضًا يَشْهَدُ لَهُ , لِأَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الثِّمَارِ بَعْدَ تَنَاهِيهَا , عَلَى أَنْ تُتْرَكَ إِلَى الْحَصَادِ , فَالنَّخْلُ هَاهُنَا , مُسْتَأْجَرَةٌ , لِيَكُونَ الثِّمَارُ فِيهَا إِلَى وَقْتِ جِدَادِهَا عَنْهَا , وَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى الِانْفِرَادِ , لَمْ يَجُزْ , فَإِذَا كَانَ مَعَ غَيْرِهِ ، فَهُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ . وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : إِنَّ النَّهْيَ الَّذِي كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا , لَمْ يَكُنْ مِنْهُ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ , وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلَى الْمَشُورَةِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا كَانُوا يَخْتَصِمُونَ إِلَيْهِ فِيهِ وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ