خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/142"> الشيخ ابو بكر الجزائري . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/142?sub=114"> سلسلة منهاج المسلم
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
سلسلة منهاج المسلم - (7)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم.
وبين يدي الدرس أذكركم بأن صلاة الاستسقاء غداً إن شاء الله؛ لتحضروا وتسألوا الله؛ ليستجيب لكم، وصلاة الاستسقاء من سنن الإسلام المؤكدة، ولا ينبغي أن يتخلف عنها إلا ذو عذر فقط.
وادعوا الله بالخير والبركة وطول العمر والهداية لخادم الحرمين؛ إذ هو الذي دعانا إلى هذا وأمرنا به، فجزاه الله خيراً.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم لعلكم تذكرون، فأقول: إن المؤمن بحق هو حي يسمع ويبصر، ويقول ويسكت، ويعطي ويأخذ، ويذهب ويجيء، وفاقد العقيدة الإسلامية ميت. هذه الحقيقة التي كررناها.
والدليل على موته: إذا هل هلال رمضان لا نأمره بالصيام، فلا يصوم، وإذا نادى المنادي أن حي على الصلاة آخر الليل لا يقوم، والله ما يقوم؛ لأنه ميت. فإذا نفخت فيه روح الإيمان فحيي فهو يومها يسمع ويبصر، ويعطي ويأخذ.
والعقيدة الإسلامية مبناها وما تقوم عليه ودعائمها وأركانها خمسة، وعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يحفظها كما يحفظ الكلام بينه وبين أهله والناس، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، فهي ستة قواعد .. ست أركان، إذا سقط ركن من البناء انهار وسقط.
الإسلام قواعده خمس، إذا سقطت قاعدة انهار البناء وسقط، وأركان الإيمان ستة جاءت في كتاب الله، خمسة منها في سورة البقرة، والسادس في سورة القمر.
وجاء حديث جبريل في صحيح مسلم والبخاري أيضاً، حيث سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال له: ( الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره ). وإذا بقي في الحلقة من لا يحفظ هذه الأركان فليقل: أنا هو، ندعو الله تعالى أن يهديه، فلا يحل أبداً أن تسمع أقاصيص وأحاديث وتعيدها كما سمعتها، وتسمع أركان الإيمان ولا تحفظها، فهذا مظهر من مظاهر الهبوط. نسأل الله تعالى أن يرفعنا ولا يضعنا.
وبدأنا بالركن الأول، وهو الإيمان بالله عز وجل. ومعنى الإيمان بالله: الاعتقاد الجازم الخالي من الريب والشك والتردد في وجود الله عز وجل ذي الأسماء الحسنى والصفات العلى، وكل ذرة في الكون تشهد بوجوده، إذ لا يوجد موجود إلا بموجد، فالذي أوجد هذه العوالم كلها هو الله. فلا تستطيع أن تقول: هذا القلم وجد من نفسه وتقول: الشمس وجدت من نفسها؟! كيف يعقل هذا؟! فانظر إلى هبوط الكفار، لا تستطيع أن تقنعه بأن إبرة وجدت من نفسها، ويقول: الشمس وجدت من نفسها. فهمتم، هذا موت لا حياة.
إذاً: الإيمان بالله جل جلاله هو الإيمان بوجوده رباً وإلهاً، عليماً حكيماً، عزيزاً حكيماً، عفواً كريماً، ذا أسماء مائة إلا اسماً، وذا صفات.
والذي يدل على وجود الله: كل كائن يصرخ بأنه موجود والله موجده، إذ لم يدع كائن من الأرض أو السماء أنه أوجد كذا أو كذا.
فالملحد العلماني قل له: أنت موجود أو غير موجود؟ فإن قال: أنا غير موجود فاتركه، فهذا مجنون لا عقل له. وإن قال: موجود. فقل له: من أوجدك؟ ودلنا على من أوجدك؟ فإن قال: لا أدري. فقل له: إذاً: تعال نعلمك، أوجدك رب عظيم اسمه الله. فإن قال: ما أصدق. قلنا: البشرية كلها تصدق وأنت تقول: لا نصدق، فأخرجوه، فهذا مجنون لا عقل له.
فالله موجود ذو أسماء حسنى وصفات علا، وذو قدرة لا يعجزها شيء، وقدرة الله لا يعجزها شيء، وعلم الله أحاط بكل شيء، ليس علماً محدوداً أو مقصوراً، بل أحاط بكل شيء، وحكمة الله لا يخلو منها شيء، فلا عبث عند الله أبداً، فهذا الأصبع والله له حكمة وجد لأجلها، بل شعيرات العين لها حكمة لوجودها، وهو العزيز الغالب الذي يقهر كل شيء ولا يعجزه شيء.
هذا الله يجب بعد الإيمان به أن نؤمن أولاً بربوبيته، بمعنى: أنه رب كل شيء، فلا يوجد شيء في السماوات أو الأرضين ليس الله بخالقه ومدبره، فهو رب كل شيء، فكل شيء خلقه الله ومملوك لله، والله مالكه وسيده.
والإيمان بربوبية الله، اعتقادنا أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه ومدبره وسيده ومعبوده، ولا يوجد شيء بدون موجد، بل الله موجده .. الله ربه، وربنا الله خالقنا ورازقنا ومدبر حياتنا، وبه وجدنا وإليه نصير، هذا هو الرب جل جلاله وعظم سلطانه.
أما قولك: رب الدار فهو بمعنى: مالكها لا أقل ولا أكثر، لا بمعنى خالقها، ورب العبد - الخادم- بمعنى سيده؛ لأنه خالقه، أما إطلاق لفظ الرب هكذا فلا يطلق إلا على الله، وبالإضافة يجوز، فتقول: رب السيارة هذه، أي: مالكها.
ثانياً: الألوهية، كما نصرخ على المآذن: لا إله إلا الله، ووالله العظيم لا يوجد من يستحق الإلهية إلا الله، وكل ما عبد أو من عبد باسم الألوهية فعبادته باطلة وأهلها في النار؛ لأن الله قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]. والأمر سهل جداً، فإذا آمنت بربوبية الله وأنه رب كل شيء ومليكه فإذاً من السهل أن تقول: لا يعبد إلا هو .. لا يؤله إلا هو؛ لأنه خلق ورزق ودبر وملك وبيده كل شيء، فلا يعبد آخر معه، فلا معبود بحق إلا الله، وتقدمت الأدلة والبراهين في الدرسين السابقين بالعقل والمنطق، وما دام الله رب كل شيء فهو إذاً معبود كل شيء، وإله كل شيء، ومن أراد أن يعبد فليكن رباً أولاً، يحيي ويميت، ويخلق ويدبر وسيعبد، وأما أن يكون مخلوقاً مربوباً محيا مماتاً فلن يعبد.
إذاً: فالألوهية تستلزمها الربوبية استلزاماً منطقياً، فمن كان رباً حق له أن يؤله ويعبد، فما دام لا رب إلا الله فلا معبود إذاً إلا الله، إلا أن الشياطين فتنت الإنس والجن وصرفتهم عن عبادة الله حتى لا يسعدوا ولا يكملوا، فصورت لهم تماثيل وأصنام وشهوات ودعتهم إلى عبادتها تحت عنوان التقرب إلى الله والتوسل إليه، فعبدوا غير الله فأصبحت الآلهة بالملايين، وهي باطلة، لا إله إلا الله الخلاق العليم رب السماوات والأرضين، لا إله إلا الله.
ودرسنا أيضاً أسماء الله وصفاته في الدرس الماضي، ولله تعالى أسماء، تسعة وتسعون اسماً، مائة إلا اسماً واحداً، فهو أخبر رسوله، ورسوله أخبرنا، وكتابه لو تتبعت آياته - ستة آلاف آية- لوجدت التسعة والتسعين اسماً موزعة هنا وهناك، مثل قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]. هذا الاسم الأعظم.
وقوله: الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:1-2].
وفي آخر سورة الحشر عشرة أسماء، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:22-24].
وهذه الأسماء والصفات يجب يا عبد الله! ويا أمة الله! أن تؤمن بها كما جاءت في كتاب الله وعلى لسان رسوله، ولا تقل: كيف؟ أبداً، فالله هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3]. والله الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فهو يكون.
أنواع الصفات
الذاتية: هي التي غرق المبطلون فيها وهلكوا، فهم لا يريدون أن تؤمن بأن لله تعالى يداً أو يدين، ويقولون: أولها بمعنى القدرة، ولا تفهم أن لله يداً، والله يقول: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1]. وتقول أنت: لا، ليس بيده بل بقدرته، والله يقول في اليدين في خلق آدم: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]. و(يدي) تثنية، والرسول يقول صلى الله عليه وسلم: ( النار تقول: هل من مزيد؟ هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار قدمه فيها فتقول: قط قط ). يكفي يكفي، وأنت تقول: لا، لا تفهم أن لله قدماً، فسلبوا الصفات من الله سلباً، وهذه مكرة يهودية مجوسية.
وإذا قلت: يضحك الله، قالوا: الله يضحك؟ والرسول يقول: ( يضحك ربك لاثنين يقتل أحدهما الآخر ويدخلان الجنة ). ويقولون: كيف يضحك؟ وكلمة كيف لا تصح، بل آمن بأن الله يضحك، وكيف لا وجود لها؛ لأنه من المستحيل أن تعرف كيف ضحك، مستحيل؛ لأن ذاته ما تعرفها، ولذلك لن تعرف كيف يضحك.
أمثلة عامية: لو قلت لك: إن النحلة ضحكت يوماً لا تستطيع أن تعرف كيف تضحك، ما تعرف، وإذا سمعت أن النملة وقفت خطيبة، وسجل كلامها والله العظيم خطبة كاملة لقلت: كيف تخطب هذه النملة، وليس لها لسان ولا كذا، وتقول: كيف؟
فلهذا يجب الإيمان بصفات الله الذاتية والفعلية كما أخبر تعالى، وأخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد مضت فتنة على الناس لو تشير بيدك إلى السماء لقطعت يدك؛ لأنك حيزت الله بحيز مكاني، فلا تقل: فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال، وهذا معناه العدم، أي: لا وجود له، والله يقول: أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا [الملك:17]؟ أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ [الملك:16]؟ والمخبر بهذا الخبر هو الله، وهو لا يكذب. أعوذ بالله، أعوذ بالله، أعوذ بالله.
وفي هذا المسجد كان الإمام مالك رحمة الله عليه يعلم الناس الكتاب والسنة والحكمة، فوقف رجل من المرضى وقال: كيف الاستواء يا مالك ؟! كيف استواء الله؟ فقال له مالك : ( الاستواء معلوم)، فأنتم تعرفون استواء الإنسان على سريره وكيف يستوي، ( الاستواء معلوم والكيف مجهول)؛ لأنك ما عرفت السرير ولا عرفت صاحب السرير حتى تفهم، ( والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة)، يا شرطي! خذه، فقد كان عندهم الحراس، فقال: خذه يا شرطي! هذا مبتدع، فهو يريد أن يكفر المسلمين ويضللهم.
إذاً: أسماء الله وصفاته يجب الإيمان بها واعتقاد أنها كما أخبر، وننطق بها كذلك، ولكن لا نقول: كيف، ولا نؤولها بمعنى آخر، ولا نشبهها، فلا تقل: يد الله كيد الإنسان؛ فإنك تكفر وتقتل؛ لأنك كاذب، فلا تقل: يد الله كيد الإنسان وأنت لم تر يد الله، فلا تقل: كيد الإنسان؟!
وقد مثلنا لكم بالحوت، وأنها لها يد، وأنت لا تعرف يدها، إذاً: ما دمنا لا نرى ذاته المقدسة إذاً ما نستطيع أن نعرف صفاته كما هي في ذاته، ولكن نؤمن بها كما أخبر بها هو تعالى عن نفسه، وأخبر بها رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد قلت لكم: إن سر هذه المكرة من الثالوث؛ لإذهاب التوقير من القلوب في نفوس المؤمنين؛ وإبطال حبهم له؛ لأنه إذا لم يكن فوق ولا تحت، ولا له يد ولا قدم، ولا يجلس ولا يجيء ولا ولا، إذاً ما هو موجود، فلا تحبه، ولا تخافه وترهبه حتى تطيعه وتعبده.
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يحدثهم عن الله ولم يسألوه: كيف يا رسول الله؟ أبداً؛ لأنهم يعلمون أننا مخلوقون، وأن خالقنا يستحيل أن يكون من مثلنا أو من نوعنا، وضربنا الأمثلة. وأسألكم بالله هل هذا الثوب كالذي صنعه؟ ليس بينهما شبه، بل هذا مستحيل، فصانعه له عقل ويد وتدبير وقدرة، وهذا ليس له شيء.
والصفات صفتان: ذاتية وفعلية:
الذاتية: هي التي غرق المبطلون فيها وهلكوا، فهم لا يريدون أن تؤمن بأن لله تعالى يداً أو يدين، ويقولون: أولها بمعنى القدرة، ولا تفهم أن لله يداً، والله يقول: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1]. وتقول أنت: لا، ليس بيده بل بقدرته، والله يقول في اليدين في خلق آدم: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]. و(يدي) تثنية، والرسول يقول صلى الله عليه وسلم: ( النار تقول: هل من مزيد؟ هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار قدمه فيها فتقول: قط قط ). يكفي يكفي، وأنت تقول: لا، لا تفهم أن لله قدماً، فسلبوا الصفات من الله سلباً، وهذه مكرة يهودية مجوسية.
وإذا قلت: يضحك الله، قالوا: الله يضحك؟ والرسول يقول: ( يضحك ربك لاثنين يقتل أحدهما الآخر ويدخلان الجنة ). ويقولون: كيف يضحك؟ وكلمة كيف لا تصح، بل آمن بأن الله يضحك، وكيف لا وجود لها؛ لأنه من المستحيل أن تعرف كيف ضحك، مستحيل؛ لأن ذاته ما تعرفها، ولذلك لن تعرف كيف يضحك.
أمثلة عامية: لو قلت لك: إن النحلة ضحكت يوماً لا تستطيع أن تعرف كيف تضحك، ما تعرف، وإذا سمعت أن النملة وقفت خطيبة، وسجل كلامها والله العظيم خطبة كاملة لقلت: كيف تخطب هذه النملة، وليس لها لسان ولا كذا، وتقول: كيف؟
فلهذا يجب الإيمان بصفات الله الذاتية والفعلية كما أخبر تعالى، وأخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد مضت فتنة على الناس لو تشير بيدك إلى السماء لقطعت يدك؛ لأنك حيزت الله بحيز مكاني، فلا تقل: فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال، وهذا معناه العدم، أي: لا وجود له، والله يقول: أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا [الملك:17]؟ أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ [الملك:16]؟ والمخبر بهذا الخبر هو الله، وهو لا يكذب. أعوذ بالله، أعوذ بالله، أعوذ بالله.
وفي هذا المسجد كان الإمام مالك رحمة الله عليه يعلم الناس الكتاب والسنة والحكمة، فوقف رجل من المرضى وقال: كيف الاستواء يا مالك ؟! كيف استواء الله؟ فقال له مالك : ( الاستواء معلوم)، فأنتم تعرفون استواء الإنسان على سريره وكيف يستوي، ( الاستواء معلوم والكيف مجهول)؛ لأنك ما عرفت السرير ولا عرفت صاحب السرير حتى تفهم، ( والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة)، يا شرطي! خذه، فقد كان عندهم الحراس، فقال: خذه يا شرطي! هذا مبتدع، فهو يريد أن يكفر المسلمين ويضللهم.
إذاً: أسماء الله وصفاته يجب الإيمان بها واعتقاد أنها كما أخبر، وننطق بها كذلك، ولكن لا نقول: كيف، ولا نؤولها بمعنى آخر، ولا نشبهها، فلا تقل: يد الله كيد الإنسان؛ فإنك تكفر وتقتل؛ لأنك كاذب، فلا تقل: يد الله كيد الإنسان وأنت لم تر يد الله، فلا تقل: كيد الإنسان؟!
وقد مثلنا لكم بالحوت، وأنها لها يد، وأنت لا تعرف يدها، إذاً: ما دمنا لا نرى ذاته المقدسة إذاً ما نستطيع أن نعرف صفاته كما هي في ذاته، ولكن نؤمن بها كما أخبر بها هو تعالى عن نفسه، وأخبر بها رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد قلت لكم: إن سر هذه المكرة من الثالوث؛ لإذهاب التوقير من القلوب في نفوس المؤمنين؛ وإبطال حبهم له؛ لأنه إذا لم يكن فوق ولا تحت، ولا له يد ولا قدم، ولا يجلس ولا يجيء ولا ولا، إذاً ما هو موجود، فلا تحبه، ولا تخافه وترهبه حتى تطيعه وتعبده.
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يحدثهم عن الله ولم يسألوه: كيف يا رسول الله؟ أبداً؛ لأنهم يعلمون أننا مخلوقون، وأن خالقنا يستحيل أن يكون من مثلنا أو من نوعنا، وضربنا الأمثلة. وأسألكم بالله هل هذا الثوب كالذي صنعه؟ ليس بينهما شبه، بل هذا مستحيل، فصانعه له عقل ويد وتدبير وقدرة، وهذا ليس له شيء.
هكذا درسنا أسماء الله وصفاته بالأدلة القرآنية والنبوية والعقلية، وننتقل الليلة إلى الركن الثاني، وهو الإيمان بالملائكة، فهيا مع الملائكة، فهم معنا، والله معنا.
فأركان الإيمان ستة، الركن الأول: الإيمان بالله، وقد درسناه وفهمناه، والآن الركن الثاني: الإيمان بالملائكة.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ يؤمن المسلم ] المسلم الحق الذي يصدق عليه اسم المسلم، أما مسلم بالتنكير فهو ربع مسلم أو عشر، فالمسلم الحق يؤمن [ بملائكة الله تعالى، و] يؤمن [ أنهم خلق من أشرف خلقه ] وأعلاهم وأصفاهم وأطهرهم، فالملائكة خلق من خلق الله، وهم أسمى خلق الله، وأشرف خلق الله، وأعلى خلق الله [ وعباد ] ليسوا آلهة [ مكرمون من عباده ] فهم عباد من عباده، أكرمهم الله، فهم مكرمون [ خلقهم من نور ] وهذا النور ليس نور القمر ولا نور الشمس، فمادة الخلق من النور. سبحان الله العظيم! [ كما خلق الإنسان ] آدم [ من صلصال كالفخار ] والفخار معروف عند النساء، الشيخ سليمان ليس موجوداً، وأبو عبد العزيز يعرف الفخار، والفخار حتى القدر يصنع منه؛ لأنه طين يعجن، ثم بعد ذلك يحمى على النار، فيصبح صلصالاً [ وخلق الجان من مارج من نار ] ومارج النار لهب ليس فيه شرارة ولا غيرها، بل هو صاف فقط، فهذا المارج لهب صاف لا دخان فيه، فالنار لها مارج، ومارجها ذاك الذي ليس فيه دخن ولا دخان، بل هو صاف، فمن ذلك خلق الله الجان [ وأنه تعالى وكلهم ] أي: الملائكة، وكلهم وأسند إليهم [ بوظائف فهم بها قائمون، فمنهم الحفظة على العباد ] فليس منا من ذكر أو أنثى إلا ويتعاقبه أربعة ملائكة، ملكان بالليل وملكان بالنهار، يلتقيان في صلاة العصر وصلاة الصبح، فاثنان منهما عملهما من العصر إلى طلوع الفجر، والاثنان الآخران عملهما من طلوع الفجر إلى صلاة العصر، فلهذا يا أحياء القلوب! ( من صلى البردين دخل الجنة ). من صلى صلاة الصبح وصلاة العصر في وقتهما دخل الجنة، ويدخل الجنة لأنه ليس عليه سيئة؛ لأن الملك لما يتفرق هو وزميله ويعرجان إلى الله يسألهما ربهما تعالى: كيف وجدتم عبدي وتركتموه؟ فيقولان: وجدناه في الصلاة وتركناه في الصلاة، فقد وجدناه في صلاة الصبح وتركناه في صلاة العصر، فليس عنده ذنب، ولهذا المحافظة على الصلاة وعلى أدائها كما هي تكفر ما بين الصلاتين، وهذه جائزة عظيمة [ والكاتبون لأعمالهم ] والحفظة هم الكاتبون، والحفظة أيضاً غير الكاتبين، ولولا حفظة الملائكة لاختطفتك الشياطين والجن، ولن تسلم وأنت لا تراهم ولا تعرفهم، فهناك حفظة يحفظونك [ ومنهم الموكلون بالجنة ونعيمها ] فهناك بلايين الملائكة مهمتهم في الجنة، يقدمون لك البقلاوة والحلاوة وما تشتهي، ويسلمون عليك كلما دخلوا وخرجوا، وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24] [ ومنهم الموكلون بالنار وعذابها ] وهم الزبانية [ ومنهم المسبحون الليل والنهار لا يفترون ] فمن الملائكة من يسبح الليل والنهار لا يفتر أبداً، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، وهذه آية في كتاب الله [ وأنه تعالى فاضل بينهم، فمنهم الملائكة المقربون كـجبريل وميكائيل وإسرافيل، ومنهم دون ذلك ] في المنزلة والمرتبة [ وذلك لهداية الله تعالى له أولاً ] أي: يؤمن المسلم هذا الإيمان أولاً لهداية الله تعالى له، فلولا أن الله هدانا والله ما آمنا، فهناك بلايين ما آمنوا.